ترامب يُشعل الحرب التجارية مع الصين ويتوعد بشروط أصعب

ترامب يُشعل الحرب التجارية مع الصين ويتوعد بشروط أصعب

12 مايو 2019
الصين تتعهد بالرد على رسوم ترامب (Getty)
+ الخط -


دخلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين منعطفاً خطيراً، بعد أن صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ضغوطه على بكين، بفرض رسوم جمركية على جميع منتجاتها، متوعداً بشروط أصعب مما هي عليه الآن، إن لم تقبل بكين بمطالب واشنطن لتصحيح الخلل التجاري بين الدولتين.

وأمس السبت، أمر ترامب ببدء زيادة الرسوم الجمركية على جميع الواردات المتبقية من الصين، المقدرة بنحو 325 مليار دولار، وذلك بعد 24 ساعة فقط من زيادة الرسوم من 10% إلى 25 في المائة، على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، فيما فشلت المباحثات التي جرت بين الفريقين الصيني والأميركي يومي الخميس والجمعة الماضيين، في كسر الجمود الذي خيم على المفاوضات التجارية خلال الأسابيع الماضية.

ويصرّ ترامب على موافقة بكين على إجراء إصلاحات هيكلية لاقتصادها وتشريعاتها التجارية، وشراء المزيد من السلع الأميركية، لتصحيح الخلل التجاري بين الدولتين، الذي يميل لصالح بكين.

ولم يكتف ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع المنتجات الصينية، بل لوّح بمزيد من الشروط، قائلاً في تغريدة على تويتر مساء السبت بتوقيت واشنطن، إن على الصين التحرك لإتمام اتفاق تجاري قبل انتخابات بلاده الرئاسية في 2020، ملمحاً إلى أن شروط بلاده مستقبلاً قد تكون أصعب مما هي عليه الآن.

وكتب ترامب: "أعتقد أن الصين شعرت بتعرضها للضرب المبرح في المفاوضات الأخيرة، لدرجة أنهم قد ينتظرون الانتخابات الرئاسية المقبلة في بلادنا، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الحصول على الحظ، والحصول على فوز ديمقراطي"، مضيفاً: "يعرفون أنني سأفوز.. سيكون من الحكمة لهم أن يتصرفوا الآن".

ولا يكتفي ترامب بإجبار الصين على إجراء تغييرات اقتصادية يجري تضمينها في الاتفاق مع بكين، وإنما يصرّ على ضرورة الاعتراف بالحق الأميركي في اتخاذ إجراءات عقابية أحادية الجانب في حالة عدم التزام الصين، وهو ما ترفضه بكين.

وبينما لم تردّ الصين بعد على التصعيد الأميركي، متعهدة باتخاذ "التدابير المضادة اللازمة"، دون توضيح ما هي تلك التدابير، فإن الأسواق العالمية تتخوف من استعار الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

ومنذ يونيو/ حزيران 2018، تبادل البلدان فرض الرسوم على سلع بمليارات الدولارات، ما ألقى بتأثيرات سلبية على أسواق العالم، وعطل سلاسل إمدادات المصانع، قبل التوصل إلى هدنة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رافقتها مفاوضات تجارية.

وتوقع جيك باركر، نائب رئيس مجلس الأعمال الصيني الأميركي، الذي يرعى مصالح ما يقرب من مائتين من أكبر الشركات الأميركية المتعاملة مع الصين، في تصريحات صحافية أمس، فرض الصين تعريفات مماثلة على المنتجات الأميركية.

وقال باركر: "ننصح أعضاء المجلس بالاستعداد لزيادة التعريفات، والتضييق على من يعمل منهم في الصين، وأيضاً لانصراف التجار الصينيين عن شراء بضائعهم".

وفي المرة السابقة التي ردت فيها الصين على التعريفات الأميركية، بفرض تعريفات مماثلة، طبقت بكين تعريفات تراوحت بين 5 و25 في المائة، على ما قيمته 60 مليار دولار من المنتجات الأميركية، مثلت وقتها ما يقرب من خمسي واردات الصين من الولايات المتحدة. لكن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ألغت الصين تعريفات بقيمة 25 في المائة كانت قد فرضتها على السيارات والمركبات الرياضية الأميركية الصنع.

لكن من المتوقع أن تلجأ الصين إلى اتخاذ خطوات، تدفع التجار الصينيين إلى التوقف عن شراء بعض السلع الأميركية، كما فعلت خلال الصيف الماضي، حين امتنع الصينيون في أغسطس/ آب الماضي، بتوجيه حكومي، عن شراء فول الصويا والنفط ومنتجات الألبان من الولايات المتحدة، وقت احتدام الأزمة، إلا أنهم عادوا قبل نهاية العام ليستأنفوا شراء بعضها كبادرة حسن نية، وللمساعدة في التوصل إلى اتفاق بين البلدين.

وقال جايمي كاستانيدا، نائب رئيس مجلس منتجات الألبان الأميركي، إن نسبة كبيرة من صناعته تضررت من جراء التعريفات الصينية التي فرضت بنسبة 25 في المائة العام الماضي، "وتسببت في انخفاض صادرات الألبان من الولايات المتحدة إلى الصين بنسبة 48 بالمائة خلال عام 2018".

وربما تلجأ الصين إلى فرض تعريفات على الثلث، الذي لم تفرض عليه تعريفات من مشترياتها من المنتجات الأميركية، ويشمل بالأساس أشباه المواصلات وطائرات البوينغ.

وبينما يراهن ترامب على تضرر الصين من فرض المزيد من الرسوم الجمركية على منتجاتها، فإن السوق الأميركية لن تكون بمنأى عن هذه الأضرار.

وتشير العديد من التقارير المتخصصة، إلى أن الشركات الأميركية تحملت تكلفة أغلب الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على المنتجات الصينية حتى الآن، وهو ما دفع الشركات إلى تمرير هذه التكلفة إلى المستهلك الأميركي في صورة أسعار أعلى.

ويأتي على رأس المنتجات المهددة بالتعريفات الجديدة الملابس والأحذية ولعب الأطفال والحقائب، ما يضع الطبقة الوسطى أمام مأزق رفع أسعار أعلى للسلع الاستهلاكية.

وتتعرض الطبقة الوسطى بالأساس إلى خطر التآكل في الولايات المتحدة، وهو ما دعا جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) إلى المطالبة مؤخراً بوضع "سياسات سليمة"، لمساعدة المزيد من الأميركيين على البقاء ضمن هذه الطبقة.

وقال باول، في كلمة أمام مؤتمر حول "أبحاث التنمية"، إن "معدل دخل أسر الطبقة المتوسطة نما بشكل أبطأ منذ سبعينيات القرن الماضي مقارنة بذوي الدخل المرتفع، ما أدى إلى عدم مساواة أكبر في مستوى الدخل".

وأشار إلى أن أكثر من 80 بالمائة من أبناء الطبقة الوسطى في الخمسينيات، كانوا قادرين على جني أموال أكثر من آبائهم، بينما يحقق ذلك الآن نصفهم فقط، مضيفاً أن تحقيق مستوى أساسي من الأمن الاقتصادي يعدّ أمراً جوهرياً.

وفي دراسة حديثة اطلعت عليها "العربي الجديد"، قدر مكتب الاستشارات التجارية والاقتصادية "تريد بارتنرشيب"، متوسط التكلفة التي تتحملها أسرة تتكون من أربعة أفراد، بسبب التعريفات الإضافية الأميركية على المنتجات الصينية، بما فيها ما بدأ تطبيقه يوم الجمعة الماضي، بنحو 767 دولاراً في العام.

كما قدر مركز أبحاث الاستثمار أكسفورد ايكونوميكس، أن الرسوم الإضافية التي تم إقرارها يوم الجمعة الماضي، ستخفض الإنتاج الأميركي العام القادم بما قيمته 62 مليار دولار، أو 0.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكداً أنه "لو نفذ ترامب تهديده، وأصبحت كل الواردات الصينية خاضعة للتعريفات، فسينخفض الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 0.5 في المائة أو ما قيمته 625 مليار دولار، بحلول عام 2020.

ويبدي المزارعون الأميركيون الكثير من القلق، حيال ردة فعل الصين بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على منتجاتهم، رغم تعهد ترامب بتعويض المزارعين.

ويوم الجمعة الماضي، الذي شهد بدء التطبيق الفعلي لزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية من 10% إلى 25 في المائة، أعلن ترامب نيته شراء ما قيمته 15 مليار دولار من المزارعين الأميركيين، أي "أكثر من أي كميات كانت تشتريها الصين منهم"، لتعويضهم عن انخفاض مبيعاتهم للصينيين، الذين يعدّون أكبر عملائهم.

وقال ترامب إنه سيحصل على ثمن ما يريد شراءه من الإيرادات الإضافية، التي ستحصل عليها الدولة بفعل الرسوم الجديدة، والتي قدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار.

لكن بيل جوردون، نائب رئيس الاتحاد الأميركي لفول الصويا، قال في تصريحات صحافية: "يقولون لنا هذه روشتة للسعادة! هذا لا يجعلنا سعداء. نحن نريد استعادة أسواقنا".

وأكد جوردون أن "الأسعار انخفضت بصورة كبيرة، وأن المزارعين لا يستطيعون سداد الفواتير المستحقة عليهم، وأنهم يفقدون جزءاً من مزارعهم كل يوم، وأن معدلات الانتحار بينهم في أعلى مستوياتها التاريخية".

ويعرف ترامب بالتأكيد أن المزارعين الأميركيين غير راضين عن التعريفات الإضافية، التي سببت لهم خسائر كبيرة العام الماضي، الأمر الذي دفعه لتعويضهم وقتها بمبلغ 12 مليار دولار. لكنه يرى أن تعويض المزارعين في ظل هذه الظروف أقل كلفة من اتساع العجز التجاري مع الصين.