حرب اليوان والدولار: كيف تدير الصين عملتها وقت الأخطار؟

حرب اليوان والدولار: كيف تدير الصين عملتها وقت الأخطار؟

واشنطن
90E9464D-94FD-48BA-A61C-B7EB564A1860
شريف عثمان
اقتصادي ومصرفي مصري، خبرة تجاوزت ثلاثة عقود من العمل في مجالات الخزانة والاستثمار والتمويل، داخل بنوك ومؤسسات مالية، في مصر وأميركا، يكتب عن الاقتصاد والسياسات النقدية والتضخم والديون والبطالة والتجارة وأسواق الأسهم والسندات.
15 اغسطس 2019
+ الخط -
طفت على السطح، في الآونة الأخيرة، قضية حرب العملات بين كل من أميركا والصين، وسط معارك تجارية متواصلة، على مدار الشهور الماضية، تهدأ أحيانا وتشتعل أحيانا أخرى. وألقت التطورات الأخيرة بظلالها على طرق بكين في إدارة عملتها وقت الأخطار، وهل هي بالفعل تتلاعب بالعملة وتدخلت لخفضها كما اتهمتها واشنطن؟ أم أن ما حدث من تدحرج سريع لليوان عقب فرض أميركا رسوماً جمركية جديدة كان طبيعيا؟ 

وتدير الصين عملتها بطريقة مختلفة عن أميركا والكثير من دول العالم، وإن كانت تترك لقوى السوق أيضاً بعض المساحة لتحديد السعر، فيقوم المسؤولون بتحديد سعر صرف يومي للرنمينبي، (الاسم الرسمي لليوان)، ويسمحوا بالتحرك حوله بنسبة محددة، ليكون حجم وأسعار التداول خلال اليوم مؤشراً على سعر الصرف الذي يبدأ التعامل عليه في اليوم التالي، من دون الإعلان عن تفاصيل أكثر حول تلك العملية.

وحسب مراقبين، تمنح العملةُ الأضعف الصينَ ميزةً تنافسية في سوق التجارة العالمية، من خلال خفض أسعار سلعها للمشترين الأجانب، وزيادة أسعار وارداتها، الأمر الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى خفض العجز التجاري، أو زيادة الفائض فيه.

وجاء انخفاض سعر اليوان مقابل الدولار، الأسبوع الماضي، في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته تطبيق تعريفات جمركية جديدة، بنسبة 10%، على ما قيمته 300 مليار دولار من واردات بلاده من الصين، اعتباراً من أول سبتمبر/أيلول المقبل، قبل تأجيلها إلى ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو ما رجح لدى الإدارة الأميركية فكرة حدوثه نتيجة لتلاعب بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) في سوق العملة.

وبالإضافة إلى الميزة التجارية، يؤدي تخفيض الصين قيمة عملتها، في حالة حدوثه، صدفةً أو عمداً، إلى محو نسبة كبيرة من التأثيرات السلبية للتعريفات المفروضة على صادرات الصين للولايات المتحدة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها واشنطن على هذا الإجراء، إذ بعد سن القانون الأميركي في عام 1988، صنفت الولايات المتحدة كوريا الجنوبية وتايوان في نفس العام، ثم في عام 1994 بعد أن أضافت لهما الصين، باعتبارهم متلاعبين بسوق العملة، واحتفظت الصين باللقب الكريه لثلاثة أعوام متتالية.

لكن خلافاً لتصنيف الخزانة الأميركية الأخير، أشار تحليل أجرته مجلة الإيكونوميست The Economist، أشهر المجلات الاقتصادية العالمية وأكثرها مصداقية، في عام 2017، إلى أن دولة مثل سويسرا تلاعبت بعملتها أكثر من الصين منذ عام 2009، وأن تايوان وكوريا الجنوبية تقومان بذلك منذ عام 2014.

وكان ترامب أجبر وزارة الخزانة لديه، مؤخراً، على اعتبار الصين دولة متلاعبة بعملتها، بعد أن سمحت الأخيرة بارتفاع قيمة الدولار لأكثر من سبعة يوان، للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، الأمر الذي يسمح للإدارة الأميركية، وفقاً لقانون أميركي تم سنّه قبل أكثر من ثلاثة عقود، باتخاذ إجراءات عقابية على المنافس الأكبر لها في ساحة الاقتصاد العالمي.


وعلى الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة على الاتهام الأميركي لبكين، على الأقل في الوقت الحاضر، تأتي الخطوة الأميركية، التي تعد الأولى من نوعها في ربع قرن، لتسكب المزيد من الوقود على نيران الحرب التجارية المشتعلة بين الاقتصادين الأكبر في العالم، في وقت يتوجس فيه الجميع خيفةً من ركود عالمي، يتوقعه البعض في الشهور الأولى من العام القادم.

وبعد أربعة أيام فقط من إعلان وزارة الخزانة الأميركية، أصدر صندوق النقد الدولي، يوم الجمعة الماضي، تقريراً حديثاً، عن "السياسات الاقتصادية الصينية"، وجاء فيه الكثير مما يتعارض مع الاتهامات الأميركية للصين، خاصةً في قضية تلاعبها بالعملة.

وأشار التقرير، الذي يصدر بصفة سنوية، إلى أن الصين تدخلت بالفعل في سوق عملتها العام الماضي، ولكن من أجل تقويتها أمام الدولار والعملات الأخرى، بعد انخفاضها بصورة ملحوظة خلال الصيف الماضي.

وفي مقابلة مع الصحافيين، قال جيمس دانيال، رئيس بعثة الصندوق إلى الصين، إن "انخفاض اليوان الصيني العام الماضي أمام سلة من العملات الأجنبية، بنسبة لا تتجاوز 2.5%، جاء متماشياً مع التوقعات متوسطة المدى والسياسات المرغوبة"، مؤكداً أن قيمة العملة الصينية في 2018 لم تكن أكبر أو أقل من قيمتها الحقيقية بشكلٍ مبالغ فيه.

وفي نفس السياق، قالت تشو جون، رئيسة الإدارة الدولية في البنك المركزي الصيني، أول من أمس، إن اليوان عند مستوى مناسب حاليا، وإن الاضطراب الذي سجله ارتفاعا وانخفاضا لن يتسبب بالضرورة في تدفقات غير منظمة لرأس المال. وأضافت أن الصين "مصدومة" من تحرك وزارة الخزانة الأميركية، في الأسبوع الماضي، لتصنيف بكين على أنها متلاعب بالعملة.

وعلى عكس الصين، تسمح الولايات المتحدة، والعديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، لقوى السوق، بتحديد قيمة عملاتها، ولا تتدخل في الأسواق إلا بصورة غير مباشرة، عن طريق أدوات السياسة النقدية. وهذا مختلف مع طريقة إدارة الصين لعملتها.

وفي مقال حديث له، أكد فريد برجستن، المدير وكبير الزملاء بمعهد الاقتصاد الدولي في واشنطن، أن الصين تدخلت بالفعل في سوق عملتها في الفترة بين 2003 و2013، لتحسين وضعها التنافسي في سوق التجارة العالمية، مضيفاً "إلا أنها منذ ذلك الوقت، كانت تتدخل في الاتجاه العكسي، بتقوية عملتها مقابل الدولار، وهو ما يعطي أميركا ميزة تنافسية، لا الصين. تلاعبت الصين بالفعل، ولكن لصالح الولايات المتحدة، خلال السنوات الخمس الأخيرة".

وأكد برجستن أن الانخفاض الأخير في قيمة اليوان نتج عن توقف بكين عن دعم عملتها، مشيراً إلى أن "انخفاض قيمة العملة الصينية حدث بفعل قوى السوق، بعد أن تسببت تعريفات ترامب في زيادة سعر الدولار مقابل كل العملات"، موضحاً أن التعريفات تؤثر سلبياً على حجم الصادرات الصينية للولايات المتحدة، وهو ما يؤدي إلى إضعاف اليوان.

وتوقع برجستن أن تخفّض الصين معدلات الفائدة على عملتها، لمواجهة التأثير السلبي المتوقع للتعريفات على اقتصادها.

وتقوم وزارة الخزانة كل ستة أشهر بتقييم سياسات سعر الصرف لدى أكبر شركائها التجاريين، لمعرفة الدول التي تتدخل في تحديد سعر عملتها، لاكتساب ميزات تنافسية، أو تحسين ميزانها التجاري، على حساب الولايات المتحدة وعملتها.

وتستخدم الإدارة الأميركية ثلاثة معايير لتصنيف الدولة كمتلاعبة في سعر العملة، أولها وجود فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة لصالح الدولة، ثم وجود فائض في الحساب الجاري للدولة بنسبة تتجاوز 3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وأخيراً، قيام الدولة بشراء أصول أجنبية، أي عملات أجنبية، مقابل بيعها عملتها، بنسبة تتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وبصورة تؤدي إلى تخفيض سعر عملتها المحلية مقابل الدولار.

وخلال العام الأخير تحديداً، لم تتحقق الشروط الثلاثة في أي دولة، واكتفت الصين بمقابلة أول معيار فقط، وهو تحقيق فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، كما جاء في تقرير الخزانة الأميركية الصادر في مايو/أيار الماضي.

ويرى جيفري فرانكل، أستاذ التكوينات الرأسمالية والنمو في جامعة هارفارد، والذي كان ضمن فريق المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أن وزارة الخزانة التزمت بالحياد في إعداد تقاريرها عن التلاعب بالعملات، منذ سن القانون، وبغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض.

مضيفاً، في مقال حديث نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أن "القرار الأخير بتصنيف الصين كمتلاعب بالعملة، رغم عدم تحقيقها للمعايير، يعد مثالاً آخر لسوء تعامل ترامب مع المعايير الراسخة، والخبرة المهنية، ومصداقية الولايات المتحدة على المدى الطويل، كما على المعنى المباشر للقانون".

ووصف فرانكل ترامبَ بأنه "أستاذ في اتهام الآخرين بالتجاوزات التي ارتكبها أو يفكر في ارتكابها"، في إشارة إلى رغبة الرئيس الأميركي التي أعلن عنها مؤخراً في تخفيض قيمة الدولار، لمنح بلاده ميزة تنافسية أمام دول العالم. وقبل أسبوعين، قال ترامب: "يمكنني فعل ذلك في ثانيتين إن أردت".

وأكد فرانكل أن الأهمية الحقيقية لقرار الولايات المتحدة وصف الصين بأنها متلاعب بالعملة هي أنها تمثل تصعيداً إضافياً في الحرب التجارية، التي يمكن تجنبها بين البلدين. مضيفاً "للأسف، فإن تخفيض معدلات الفائدة من قبل البنك الفيدرالي قد يعطي الساسة الأميركيين الانطباع بأن السياسة النقدية يمكنها إصلاح الضرر الناجم عن أخطاء سياستهم التجارية".

ذات صلة

الصورة
ميناء أشدود/Getty

اقتصاد

انعطفت الأسواق الإسرائيلية سريعاً نحو أوروبا، وسط نقص وتأخير في السلع القادمة من آسيا تحديداً، بسبب استهداف الحوثيين المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
الصورة
الناشطة الإيغورية رحيل داوت (إكس)

مجتمع

حُكم على عالمة بارزة من الإيغور مُتخصصة في دراسة الفولكلور والتقاليد الشعبية بالسجن المؤبد، وفقاً لمؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعمل في قضايا حقوق الإنسان في الصين.
الصورة

سياسة

تأسست مجموعة "بريكس" كجبهة اقتصادية وسياسية طموحة تعكس تحولاً جذرياً في النظام العالمي. جمعت البرازيل وروسيا والهند والصين في بادئ الأمر لتشكيل هذه المنظمة في عام 2006، تحت اسم "بريك"، وتم انضمام جنوب أفريقيا إليها في عام 2011، ليصبح الاسم "بريكس".
الصورة

سياسة

يثير غياب وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، عن الأضواء منذ قرابة الشهر، الكثير من التساؤلات حول أسباب اختفائه، إذ قامت بكين أخيراً بأنشطة دبلوماسية متعددة دون ظهور وزير خارجيتها.

المساهمون