لبنان مقبلٌ على "عتمة" لم يشهد مثيلاً لها

لبنان مقبلٌ على "عتمة" لم يشهد مثيلاً لها

10 يونيو 2020
سيارات لبنان على موعد مع أزمة وقود متوقعة(فرانس برس)
+ الخط -
وجّهت شركة "سوناطراك" الجزائرية ضربة مباشرة للبنان بعد إبلاغها وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر في 4 يونيو/حزيران عدم رغبتها بتجديد العقد لاستيراد الوقود لصالح "مؤسسة كهرباء لبنان" الذي ينتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل، متمنية للدولة اللبنانية التوفيق في عقودها المستقبليّة.

ويقول مصدرٌ في وزارة الطاقة لـ"العربي الجديد" إنّ الوزير غجر يفضّل عدم التعليق على الموضوع، خصوصاً أنّ الملف بات في عهدة القضاء الذي يُترَك له الفصل فيه، وأي قرار بشأن الخطوات التي ستّتخذ من الجانب اللبناني لناحية البدائل المتوفرة لاستيراد الوقود يصدر فقط عن مجلس الوزراء باعتبار المسألة وطنية بامتياز وغير مرتبطة بدائرة وزير الطاقة فقط.

ويرى مصدر مطلع آخر على القضية في حديثه مع "العربي الجديد" أنّ الشركة الجزائرية ترفع سقفها من خلال تهديد لبنان بعدم تجديد العقد نتيجة الضرر المعنوي الذي طاولها وأثر سلباً على سمعتها وهي ستتراجع عن قرارها فور ملاقاتها من الجانب اللبناني لإعادة الاعتبار اليها.

لوري هايتيان مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ عدم تجديد "سوناطراك" العقد يحتّم على الدولة اللبنانية قبل نهاية العام السير بعقود جديدة تلبّي السوق اللبناني، علماً انّه حكيَ كثيراً عن شراكة مع الكويت إضافة الى الجزائر لكننا لم نلمس ذلك بعد، فهل العقد غير موجود أصلاً، أم أن الكويت لا تملك كميات تكفي سوق لبنان. في جميع الأحوال، على الدولة أن تبدأ بتحضير عقود ومناقصات تجذب من خلالها الشركات القادرة على بيعها الوقود المستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية وتغطية النواقص وإلا سنكون أمام ظلمة شاملة.

وفقاً لذلك تشدد هايتيان على أنّ البدائل المتوفرة أمام لبنان توقيع عقود جديدة لشراء ذلك الوقود، سواء من دولة إلى أخرى أو مع شركات معينة، شرط الابتعاد عن منطق المحاصصة والفساد من خلال إجراء مناقصات شفافة وتنافسية تكون فيها المعايير مقبولة والشركات معروفة ودفاتر الشروط معروضة لفتح المجال أمام توجيه الاعتراضات العلنية. وترى أن مهلة الأشهر الستة المتبقية كافية للسير بالخطوات المذكورة.

وتختم لوري هايتيان مؤكدة أن من حق "سوناطراك" عدم تجديد عقدها مع لبنان، لكن التحقيق يجب أن يستكمل في القضية للوصول الى خواتيمها وتكشف الحقائق كلها، بما فيها المرتبطة بالوسطاء.

وقرّر مجلس الوزراء اللبناني في جلسة عقدها يوم 19 مايو/أيار الماضي استكمال السير بالعقد مع الشركة الجزائرية الموقع منذ عام 2005 باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية تجدّد كلّ ثلاث سنوات رغم الشبهات التي تحوم حول ملف "الفيول المغشوش" والتحقيقات المستمرّة منذ أن رفضت السلطات إفراغ حمولة باخرة وقود بعد اكتشاف شحنات غير مطابقة للمواصفات في مارس/آذار الماضي والتي أفضت إلى توقيف القضاء ما يزيد عن 12 موظف في وزارة الطاقة ومنشآت النفط الى جانب ممثلة "سوناطراك" في لبنان، وبنتيجتها ردّت الأخيرة على ادعاءات وصفتها بـ"الكاذبة وغير الصحيحة".

وكشفت النائب في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان في مؤتمر صحافي أواخر شهر مايو/أيار الماضي أنّ ملف الوقود المغشوش متجه إلى لفلفة بعد قرار الحكومة الاستمرار في العقد مع الشركة الجزائرية والافراج عن موقوفين تلقوا شكاوى، مشيرةً إلى أنه لا يمكن تصغير مشكلة الكهرباء، والوقود المغشوش هو جزء صغير من العقد المغشوش ومن لا يقبل بالذهاب إلى لجنة تحقيق برلمانية يكون متواطئاً بدوره.

وتعليقاً على قرار "سوناطراك" عدم تجديد العقد مع الدولة اللبنانية، قالت يعقوبيان في تغريدة على حسابها عبر "تويتر"، "مشكورة الجزائر ومطلوب أيضاً إعلان الحقائق في هذا الملف، والتعويض على لبنان من الشركة أو سماسرة الفيول لما لحق به من أضرار بيئية وصحية ومالية واقتصادية".
المحامي صخر الهاشم وهو وكيل الدفاع عن صاحب شركة "ZR Energy" التي تبيع بدورها الوقود إلى شركة كهرباء لبنان تيدي رحمة (الصادر بحقه مذكرة توقيف) يوضح لـ"العربي الجديد" ملابسات القضية.

ويقول، "إن محمد فنيش (محسوب على حزب الله) وقع يوم كان وزيراً للطاقة عام 2005 اتفاقاً مع الشركة الحكومية الجزائرية "سوناطراك" لاستيراد مادتي الغاز والفيول أويل على أن يوقع الاتفاق نفسه مع الكويت، ومنذ ذاك التاريخ حتى اليوم لم يدخل على العقد أي تعديل خصوصاً لناحية المواصفات التي بقيت هي نفسها طوال 15 عاماً ومنها المواصفات التي لم تتغيّر رغم إنشاء محطة جديدة في لبنان بمولدات تعمل بالقوة العكسية. وهنا أصل المشكلة التي جعلت من الفيول غير مطابق للمواصفات وليس مغشوشاً".


ويضيف الهاشم، "أنّ عينات الفيول فحصت من قبل "Bureau Veritas" مالطا، وهي شركة عالمية مستقلة، وأظهرت النتائج أنها مطابقة للمواصفات، وعلى إثر ذلك أصدرت الشركة شهادة مطابقة رسمية يسمح من خلالها شحن المادة إلى لبنان، وتصبح عبرها حقوق الشركة الجزائرية مستحقة والدولة اللبنانية مسؤولة عن هذه الكمية. 

كما أجري فحص مماثل من الجانب اللبناني عند وصول الناقلة إلى "معمل الجية الحراري" حيث أخذت شركة "Yellow Tech" عينة من الشحنة فأتت النتيجة مطابقة أيضاً. ثم أخذت شركة "Bureau Veritas" بيروت، عينات من الخط البحري المستخدم للتفريغ وذلك خلال تفريغ الشحنة في الجية والذوق وأرسلت إلى فرع الشركة في دبي التي أعلنت بعد إجراء الفحوصات أن الشحنة غير مطابقة للمواصفات، وهذا أمر طبيعي ومتوقع عند ترك الناقلة أكثر من 20 يوماً في البحر من دون حصر الفيول ضمن درجة حرارة معينة.

ويشير الهاشم إلى أن تداعيات عدم تجديد العقد مع "سوناطراك" خطيرة جداً على لبنان وقد تغرقه في العتمة لسبب أساسي هو أنّ الشركة الجزائرية كانت تعطي لبنان الوقود من دون أن تحصل على اعتمادات مسبقة أي تمنحه حق تسديد موجباته لاحقاً، وهو سيصبح حتماً ملزماً بإجراء مناقصات جديدة تلزمه قانوناً حجز اعتماد مالي في وزارة المالية يحدد قيمة المناقصة، والّا لا يحق له السير بها وأصبح معروفاً عدم قدرة الدولة على تغطية مصاريف الناقلات أو تأمين أيّة اعتمادات. ويلفت إلى أنّ شركة "سوناطراك" ستتقدم بدعوى تحكيم في لندن ضد لبنان، لأنه لم يدفع ثمن إيجار الناقلة ولا يزال يحتجزها على شواطئه.

دلالات

المساهمون