صادرات الزراعة السودانية... قيود حكومية وثقافة إنتاجية تقليدية

صادرات الزراعة السودانية... قيود حكومية وثقافة إنتاجية تقليدية

17 اغسطس 2019
تحديث آليات الإنتاج لتلبية الطلب العالمي(فرانس برس)
+ الخط -
يشكو رجال أعمال سودانيون من استمرار تراجع صادرات البلاد غير النفطية، نتيجة للسياسات المالية والنقدية السائدة، إلى جانب الرسوم المفروضة على القطاع، ووسط تجاهل رسمي لتغيير الثقافة الإنتاجية الضعيفة، وقلة المبادرات في إدخال التقنيات الحديثة في المنظومة الاقتصادية.

وينتقد مصدرون سياسات الدولة التي تنحصر في توجيهات مجلس الوزراء بدعم الصادرات، من دون الالتزام والتحرك لمعالجة المشاكل المتزايدة، أبرزها كلفة الإنتاج المرتفعة التي تحد من المنافسة في الأسواق الخارجية، إضافة إلى نوعية السلع التي لا تأتي وفقاً للمعايير والمواصفات الدولية.

ويقول التاجر حمد بابكر إن السودان كان يصدر المواد الخام الفائضة عن استهلاكه المحلي، ما جعل الكثير من الدول تستفيد من تلك الميزة. إلا أنه يرى أن البلاد تعودت على تصدير السلع الخام رغم الإنتاج المتذبذب، ما يؤثر على المردود النهائي.

ويلفت إلى أن "دولة اليابان مثلاً، تحتاج سنوياً إلى خمسة ملايين طن ذرة وإنتاجنا في أحسن الأحوال لم يتعد الثلاثة ملايين طن، ولم تحصل أي محاولة لزيادة الإنتاج في السودان رغم الطلب الياباني الثابت".

مشكلة كلفة الإنتاج

الأستاذ في عدد من كليات الزراعة في السودان، عبد الكريم الزين، يعتبر أن كلفة الإنتاج ترتبط بالمساحة المزروعة. وتساءل: "إذا كان الإنتاج الزراعي في المناطق المروية مثلا في حدود 15 جوالاً للفدان، فهل يمكن أن يتنافس مع إنتاج زراعي في كندا أو أميركا التي يتجاوز إنتاجها 50 جوالا للفدان؟".

ويؤكد أن تبرير ضعف الصادرات بالكلفة، ليس مقنعاً في الكثير من الأحيان لترجمة ارتفاع الأسعار، بدليل صادرات الماشية التي تقوم على المراعي الطبيعية، ولكن تداول السلعة من وسيط إلى وسيط يساهم في ارتفاع أسعارها بمناطق الإنتاج.

ولا شك أن الجوانب الأخرى المتعلقة بمشاكل الإنتاج ترتبط بطبيعة المنتجين أنفسهم، "إذا تمعنت في الإنتاج خلال السنوات السابقة، يتم التركيز في موسم زراعي معين على محصول محدد بناء على أسعار الموسم السابق له"، وفق عثمان إبراهيم، وهو أحد منتجي الماشية، ويضيف "بالتالي يتم إهمال إنتاج بعض السلع المرغوبة لدى السوق العالمية".

أما على مستوى الإنتاج الحيواني، فهو يربى أساساً للتفاخر بكثرته العددية، وليس من أجل الدخول في الدورة الاقتصادية، وفق إبراهيم، الذي يشدد على وجود مشكلة في تطوير الإنتاج ومراعاة المعايير الدولية في عمليات التصدير.

وكمحاولة لإصلاح الوضع ومعالجة المعوقات التي تواجه الصادرات، عقد اتحاد الغرف التجارية اجتماعاً أخيراً، أوصى فيه بتصحيح منظومة الإنتاج. إلا أن المهدي محمد الرحيمة، أمين مال شعبة مصدري الماشية بالاتحاد، يصف هذه التوصية بـ"البائسة"، ويعتبر أنه توجد مشكلة حقيقية في الصادر الوطني عموماً، حيث يواجه ضعفاً كبيراً في النوعية وتراجعاً خطيراً في الكمية.

ويشرح لـ"العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى السعر التأشيري للعملة من البنك المركزي، إذ سبق وطلبنا من الجهات المختصة أن يكون هناك حافز ثابت ومعروف من البنك المركزي إلى جانب سعر الصرف، لتطوير الصادرات، على ألا يتأثر بمتغيرات السعر التأشيري".

قطاع المواشي
ويقول المهدي: "لا شك أن الماشية من أهم الصادرات الوطنية، وتعتبر رقم واحد في دعم عجلة الاقتصاد، وفي إمكانها أن تحقق مليارات الدولارات في حال وجدت اهتماماً ورعاية فعلية من الحكومة". ويشير إلى بعض المشاكل التي تعيق عملية تصدير الماشية، والمتمثلة في الكلفة العالية للأعلاف والأوراق والترحيل والرسوم في الطرق وعدم تنظيم الأسواق الداخلية.

ويضيف: "من المؤسف أنه لا توجد بالسودان محفظة واحدة حتى الآن للتمويل لمواجهة حجم المواشي الكبير الذي يفوق الـ150 مليون رأس"، مطالبا بتكوين محفظة تمويل لتصدير الماشية.

ويتابع: "هناك حاجة حقيقية لصادراتنا، لكنها لا تستطيع المنافسة بسبب ضآلة حجم إنتاجيتها، وارتفاع كلفة الإنتاج وتذبذبه وطرق التسويق الضعيفة، حيث كان صادر الماشية في حدود مليار دولار العام الماضي، ويمكن أن يرتفع إلى أربعة مليارات دولار إذا تمت معالجة المشاكل الراهنة".

وسبق لوزارة الصناعة والتجارة أن أكدت أن المشكلة تكمن في المنتجين والمصدرين، وقالت إنها تسعى خلال المرحلة المقبلة لحلها باستجلاب شركات عالمية تشتهر بإنتاج السلع، لتفتح فروعاً لها داخل السودان وتعطي من التسهيلات ما يمكنها من إنتاج السلع بكلفة أقل، ولحل مسألة عجز الإنتاج الذي قد يفوق في بعض الأحيان الاستهلاك والفائض معاً، بالإضافة إلى توفير فرص لتدريب كوادر سودانية، سواء أكانوا فنيين أم رجال أعمال لتطوير نماذج الإنتاج.

ومن بين السلع التي تشهد ارتفاعاً في الصادرات محصول الكركدي، الذي يتزايد الطلب العالمي عليه، لأنه تم اكتشاف العديد من المزايا الصحية المتعلقة به على المستوى الطبي وصناعة العقاقير، لكن المصدرين، وفق الوزارة، يفتقرون لثقافة الترويج.

تطوير المنظومة الزراعية
ويرجع الاقتصادي عباس الأمين، في حديث مع "العربي الجديد"، الخلل الذي يعاني منه الميزان التجاري في السودان منذ سبعينيات القرن الماضي إلى أن ميزانية الدول يتم وضعها حسب ما يتوفر من أرقام يتم البناء عليها لرسم السياسات الاقتصادية، وعندما تصدر الدولة قانون يصبح ملزماً، إلا أنه في السودان لا تلتزم الحكومات عادة بالقوانين.

ويضيف: "علينا أن نعرف ما هو الصادر المطلوب زيادته وكلفة إنتاجه، والأسواق التي يستهدفها وإمكانية الاعتماد على القطاع الخاص في التصدير". ويتابع "على مستوى اتفاقيات التجارة الدولية، فإن دعم الصادر ليس حراً بل هو محدد بقانون يواكب تطور الأسواق العالمية، لذا يجب أن يتم تحديد صورة واضحة للإنتاج التقليدي، وحجم مساهمة الدعم فيه، وآلية تطويره، ومواءمته مع الطلب العالمي، وصولاً إلى التصدير".

وفي حين يرى خبراء زراعيون أنه لا يمكن الاعتماد فقط على عوامل المناخ لتحقيق إنتاجية تنافس في السوق العالمية، يؤكد على ضرورة دراسة التغييرات المناخية وتأثيرها على المزروعات، وتوفير آليات تحقق ثبات الأسعار، وتكثيف الأبحاث الزراعية لمعرفة اتجاهات الطلب العالمي لتحديد حجم الإنتاج المستهدف. ويشدد على أن زيادة الصادرات، تقوم على توسيع رقعة الأراضي الزراعية لرفع الإنتاج المحلي، بالتزامن مع تطوير المنظومة الزراعية وإدخال التقنيات الحديثة، والرصد العلمي للأسواق الدولية.

وأقرت غرفة الصادرات في السودان بوجود معوقات تواجه التصدير، فيما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية وضرائب أرباح الأعمال والقيمة المضافة ورسم دمغة التمويل. وطالبت على لسان أمينها العام وجدي ميرغني بإعلان سياسة تشجيعية للصادرات وتحقيق استقرار السياسات المالية والنقدية، فضلاً عن إعفاء الصادر الصناعي من ضرائب أرباح الأعمال أسوة بالنشاط الزراعي، وكذلك من ضريبة القيمة المضافة التي تظهر في خدمات وإعفاء مدخلات الإنتاج والصادر من الرسوم والجمارك والتمويل.

ودعت غرفة الصادرات إلى إنشاء مراكز لتعبئة صادر الخضر والفواكه وتمويل استيراد مواد التعبئة والعمل على توجيه مشروعات التنمية إلى المشاريع المرتبطة بمناطق الإنتاج. وطالبت بتطوير الطرق الزراعية وجر المياه، إضافة إلى زيادة مخصصات الصرف على القطاع الزراعي والمبيدات في الميزانيات خاصة بالبحوث. وكذا إنتاج البذور وتحسين المراعي والإسراع في تطوير أسواق المحاصيل لدخول البورصات الإلكترونية الدولية. وشددت على أهمية الاستمرار في سياسة تمويل القطاع الخاص والقيام بمشاريع تطويرية في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني الموجه إلى التصدير.