تقرير دولي يرهن نجاح قيادة مصر باستمرار الدعم الخليجي

تقرير دولي يرهن نجاح قيادة مصر باستمرار الدعم الخليجي

05 مارس 2014
مصر تواجه العديد من المصاعب الأمنية والاقتصادية
+ الخط -
 

رهَن تقرير لمؤسسة "كارنجي" للسلام الدولي، نجاح القيادة الجديدة في مصر في وضع الاقتصاد على طريق المعافاة، بإعادة إرساء الاستقرار السياسي وتحسين الظروف الأمنية والحصول على مزيد من الموارد المالية من بلدان الخليج الغنية.

وذكرت المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقراً رئيسياً لها، أن الاستقالة غير المتوقّعة للحكومة المؤقتة برئاسة حازم الببلاوي الاقتصادي الليبرالي في 24 شباط/فبراير، تشير إلى مدى استفحال وتعقيد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ إطاحة مبارك قبل ثلاث سنوات.

وقالت في تقرير لها بعنوان "الاقتصاد المصري وسقوط حكومة الببلاوي"، إن أي حكومة مصرية لن تتمتّع بالاستقرار إلا إذا نجحت في معالجة المشاكل الاقتصادية الكثيرة والمترابطة التي تعاني منها البلاد.

وأوضح التقرير الذي نُشر على موقع (صدى) التابع لمؤسسة كارنجي، أن المظاهر الأخيرة للأزمة الاقتصادية تجلت في تصاعد موجات الإضرابات العمّالية التي شملت قطاعات عدّة في البلاد في الأسابيع الماضية.

وأشار إلى أن هذه الإضرابات شملت الأطباء، والصيادلة، وموظّفي النقل العام، وعناصر الشرطة العاديين، والمتقاعدين، وموظّفي البريد، والعمّال في صناعة النسيج وفي العديد من الشركات الأخرى المملوكة من الدولة، وجامعي النفايات؛ ويطالب جميعهم بزيادة رواتبهم وتحسين ظروف العمل.

وجاءت أزمة الشح الشديد في أسطوانات الغاز فضلاً عن الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي في الأسابيع القليلة الماضية لتزيد من الضغوط على الحكومة، وأدّت في نهاية المطاف إلى استقالتها المفاجئة.

وتولت حكومة الببلاوي المسؤولية بعد أيام من قيام الجيش بعزل الرئيس محمد مرسي من منصبه في الثالث من تموز/يوليو الماضي، وقد كُلِّفت، من بين جملة من المهام، بالمهمّة الصعبة المتمثّلة "في التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية التي تشلّ البلاد منذ ثورة 2011"، بحسب التقرير.

وأوضح التقرير أنه "لم تكن إحصائيات الأزمة عندما تسلّمت الحكومة المؤقتة مهامها في منتصف تموز/يوليو الماضي جيّدة، بل كشفت عن اقتصاد في حالة مستمرة من التراجع".

وأشار إلى تدنّي معدّل النمو في إجمالي الناتج المحلي إلى 1.8% خلال السنة المالية 2012-2013؛ وعجز مالي بلغ 14% من إجمالي الناتج المحلي؛ ودين عام متزايد كان يقترب بسرعة من حجم الاقتصاد؛ وعملة وطنية ضعيفة خسرت 12% من قيمتها في مقابل الدولار قبل ستة أشهر.

ولفت إلى تناقُص سريع في احتياطي العملات الأجنبية الذي سجّل آنذاك "مستوى حرجاً" مع بلوغه 14.9 مليار دولار أميركي، بحيث لم يعد يغطّي الواردات سوى لمدّة لا تتعدّى الشهرَين ونصف الشهر.

كما واجه الاقتصاد المصري تدهوراً في التصنيف الدولي للديون السيادية المصرية الذي خفضته الوكالات المتخصّصة خمس مرات منذ انطلاقة ثورة يناير الشعبية في العام 2011؛ فضلاً عن زيادة التململ لدى الشعب المصري الذي ضاق ذرعاً بارتفاع الأسعار، وانتشار البطالة في صفوف الشباب، وزيادة مستويات الفقر المدقع.

هذا ما كان عليه المشهد الاقتصادي في البلاد لدى تسلّم الحكومة المؤقتة مهامها خلال الصيف الماضي، لكن على الرغم من ذلك، كانت للحكومة انطلاقة جيّدة لاسيما بفضل حزمة المساعدات العاجلة التي قدّمتها السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وبلغت قيمتها 12 مليار دولار (رُفِعت لاحقاً إلى 15.9 مليار دولار) في شكل ودائع نقدية وهبات وسفن محمّلة بالوقود والغاز، بحسب التقرير.

وقال التقرير: "سرعان ما ظهر التأثير الإيجابي للمساعدات التي تعهّدت دول الخليج بتقديمها دعماً لتغيير النظام في 3 تموز/ يوليو الماضي في مصر، وذلك على جبهات عدّة".

وأشار إلى أن الودائع النقدية في البنك المركزي المصري، والتي بلغت نحو ستة مليارات دولار أميركي من مجموع المساعدات، ساعدت على تثبيت قيمة الجنيه المصري المتراجع.

كما ساهمت شحنات الوقود والغاز، التي بلغت قيمتها أربعة مليارات دولار، في التخفيف من حدّة أزمة النقص الواسعة التي شلّت البلاد خلال الأشهر الأخيرة من حكم مرسي.

وأتاحت الهبات (ومعظمها من الإمارات) للحكومة التخطيط لحزمة محفّزات ثانية بقيمة 4.9 مليارات دولار، لاسيما في شكل مشاريع استثمارية عامة، بعدما جرى تمويل حزمة أولى من المحفّزات بقيمة 4.1 مليارات دولار عبر إنفاق ما يُعرَف بوديعة حرب الخليج، وهي عبارة عن وديعة مع فائدة حُفِظت في حساب خاص في البنك المركزي المصري منذ حرب الخليج الأولى.

وكان الهدف من حزمتَي المحفّزات التي تصل إلى نحو 3.5% من إجمالي الناتج المحلي، إطلاق تحوُّل في السياسة سعياً إلى تطبيق سياسة مالية توسّعية الهدف منها وقف التدهور الاقتصادي وتأمين بعض السلع والخدمات العامة.

ولهذه الغاية، تم تطبيق سياسة نقدية عمدت إلى خفض الفوائد الرسمية ثلاث مرات، بمعدّل إجمالي بلغ 1.5 نقطة مئوية، بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، دعماً لسياسة الحكومة التوسّعية التي اشتملت أيضاً على تطبيق "قانون جديد للحد الأدنى للأجور" يطال موظفي القطاع العام، اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2014، فضلاً عن زيادة بنسبة 50% في تسديدات نهاية الخدمة لصندوق الضمان الاجتماعي، وفق التقرير.

"لكن المعونة المادية التي أمّنتها المساعدات الخليجية السخية، والكبيرة إلى درجة استثنائية، والتي لا تترتّب عنها عملياً أي تكاليف، لم تعمِّر طويلاً".

وقال التقرير: "كانت المساعدات غير كافية لتلبية الاحتياجات المالية المتزايدة للبلاد أو طلبات المصريين الذين نفدَ صبرهم والذين اعتبروا في استطلاعات الرأي الأخيرة أن حكومة الببلاوي ضعيفة وأداءها بطيء".

وتعرّضت حكومة الببلاوي لانتقادات لاذعة لأسباب متعدّدة، أبرزها قانون الحد الأدنى للأجور الذي يُثير إشكالية بعد الاستعجال في إقراره وتطبيقه، والذي أدّى إلى تفاقم المشاكل بدلاً من العمل على إيجاد حلول لها، وخير دليل على ذلك الإضرابات العمّالية الأخيرة؛ حسب التقرير.

وأشار إلى المماطلة في معالجة المنظومة غير الفعّالة في دعم الغذاء والمحروقات والتي استنفدت، خلال السنة المالية 2013، نسبة 30% من موازنة الحكومة وبلغت حصّتها 9% من إجمالي الناتج المحلي المصري".

وعلى صعيد الاقتصاد الكلّي أيضاً، ذكر التقرير أنه "لا تزال الأرقام الرسمية الأخيرة تُظهر أن الاقتصاد يعاني من أزمة حادّة، ويبرز ذلك من خلال المؤشّرات".

وأوضح أن هناك بطئاً في معدّل النمو، مع زيادة الإنتاج بنسبة 1% فقط في الربع الأول من السنة المالية الحالية 2013-2014؛ التي تبدأ في يوليو/تموز، وارتفاع نسبة البطالة التي تصل حالياً إلى 13.4%، مع الإشارة إلى أن 70% من العاطلين من العمل هم من فئة الشباب، كما أن 82% منهم متعلِّمون.

وأشار إلى وجود ارتفاع مستمر في مستوى التضخّم الذي يبلغ حالياً 11.4%، بما يؤدّي إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الأسر ذات الدخل المنخفض، ولاسيما على الفقراء الذين يشكّلون 25% من سكّان البلاد المتزايدة أعدادهم.

كما أن هناك ارتفاعاً شديداً في الدين العام الداخلي والخارجي على السواء، والذي بلغ بحلول نهاية العام 2013، 268 مليار دولار (نحو 107% من إجمالي الناتج المحلي)؛ والعجز المالي الذي يتوقّع المراقبون الدوليون (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) أن يظل فوق 10% على الرغم من الجهود المعلنة التي تبذلها الحكومة لخفضه.

وذكر التقرير أن سوق العملة السوداء عاد من جديد، حيث يجري تداول الدولار حالياً بسعر أعلى بـ 6% من سعر التداول الرسمي على الرغم من التدخل المستمر من البنك المركزي المصري.

وقال إن التحديات نفسها ستعترض الحكومة المؤقتة الجديدة بقيادة ابراهيم محلب، وستواجه أيضاً الرئيس المصري الذي سيُنتخَب في الربيع المقبل.

ورهَن التقرير "تمكّن القيادة الجديدة للبلاد من وضع الاقتصاد على طريق المعافاة"، بنجاح جهود الحكومة الجديدة والرئيس المقبل أو فشلهم في إعادة إرساء الاستقرار السياسي وتحسين الظروف الأمنية في الداخل بعد كل الفوضى التي عانت منها البلاد في الأعوام الثلاثة الماضية، ولاسيما منذ إطاحة مرسي، والتي كانت السبب الأساسي خلف التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد حالياً.

كذلك علق التقرير نجاح القيادة الجديدة بالحصول على مزيد من الموارد المالية من بلدان الخليج الغنية وسواها من المانحين المحتملين، والتي تشكّل حاجة ماسّة لسد ثغرة التمويل الكبيرة والمتفاقمة التي تعاني منها مصر.

وتساءل عما إذا كانت القيادة الجديدة في مصر ستطبق سياسات اقتصادية متوازِنة اجتماعياً لإعادة إرساء التوازن المالي على مستوى الدولة، وإجراء إصلاح هيكلي للاقتصاد الذي يرزح منذ وقت طويل تحت وطأة القيود والمعوّقات بمختلف أشكالها.

وكان وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي قد قال يوم الثلاثاء إنه لا يمكنه تجاهل مطالبة "الكثير" من المصريين له بالترشح للرئاسة، وإن الأيام القادمة ستشهد إنهاء الاجراءات اللازمة للترشح، وذلك في أوضح اشارة حتى الآن إلى عزمه على خوض الانتخابات.

دلالات

المساهمون