استمع إلى الملخص
- أظهرت التدخلات المالية استنزافاً لاحتياطيات العملات الأجنبية، وتراجع الاستهلاك الخاص وارتفاع أسعار المستهلكين، مما يعكس الانهيار الاقتصادي. تحتاج الدولة إلى استثمارات ضخمة لإعادة الإعمار، لكن الدعم الدولي مشروط بإصلاحات سياسية.
- يواجه الاقتصاد اللبناني مستقبلاً مظلماً مع فقدان 166 ألف وظيفة وتقلص متوقع بنسبة 9.2%، مما يؤثر على الخدمات الأساسية. شددت رئيسة المعهد على ضرورة الإصلاحات لتعزيز الشفافية والمساءلة.
نشر معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي تقريراً لخّص أبرز التداعيات التي تركتها الحرب الإسرائيليّة على لبنان على المستويات الماليّة والاقتصاديّة، والذي خلص إلى أنّ الاقتصاد اللبناني دمّر أساساً نتيجة سنوات من الأزمات المستمرّة، بينما يواجه اليوم مستقبلاً مظلماً نتيجة الحرب.
وتشير أرقام التقرير إلى أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في لبنان يُقدر بحوالي 8.5 مليارات دولار، أي ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي. ولم يقتصر الدمار على الجسور والطرق، بل امتد ليشمل أكثر من 100 ألف منزل تعرضت للهدم أو الأضرار الجسيمة، مما ترتب عليه خسائر بلغت 3.4 مليارات دولار.
وأشار التقرير إلى أنّ القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبيئة لم تكن بمنأى عن الكارثة، حيث وصلت الخسائر فيها إلى 5.1 مليارات دولار. وهذه الأضرار الشاملة أدت إلى تعطيل الخدمات الأساسية، مما زاد من معاناة الشعب اللبناني الذي يعيش أكثر من 80% منه تحت خط الفقر. وإضافة إلى ذلك، تسبب انهيار سلاسل التوريد وإغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في ارتفاع معدل البطالة، الذي يُتوقع أن يصل إلى 32.6%، ما يعني فقدان حوالي 166 ألف شخص وظائفهم.
وعلى الصعيد المالي، أظهرت التدخلات المستمرة للبنك المركزي لمحاولة تثبيت سعر صرف الليرة استنزافاً غير مسبوق لاحتياطيات العملات الأجنبية، التي انخفضت إلى 10.3 مليارات دولار فقط بحلول أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي الوقت ذاته، تراجع الاستهلاك الخاص بنسبة 6%، بينما ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 15%، مما يعكس تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي في لبنان.
وبين التقرير أنّ الدولة اللبنانية تواجه صعوبات هائلة في وضع ميزانية واقعية لعام 2025 بسبب انخفاض الإيرادات الناتجة عن الأضرار في الأنشطة الاقتصادية. ويؤكد المعهد أن البلاد بحاجة إلى استثمارات ضخمة تُقدر بأكثر من 15 مليار دولار لإعادة الإعمار، إلا أن هذا الدعم الدولي لن يتحقق دون إصلاحات سياسية شاملة تعزز الشفافية والمساءلة.
ووجد المعهد أن التعافي من هذه الكارثة يتطلب رؤية متكاملة تجمع بين التضامن الوطني والدعم الدولي العاجل. ومع ذلك، يبدو أن الطريق طويل وشاق، في ظل التحديات الهيكلية والسياسية التي تواجهها البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن المعهد استند في تقريره إلى أرقام العديد من الجهات، منها البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وموقع Info-pro المعني ببيانات الشركات.
وفي السياق، صرحت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، ونائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة، لمياء المبيض بساط، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، بأن الاقتصاد اللبناني دُمِّر نتيجة سنوات من الأزمات المستمرة، ويواجه اليوم مستقبلاً مظلماً، حيث تسببت الحرب بين إسرائيل وحزب الله بتدمير البنية التحتية وخلَّفت خسائر تقدر على الأقل بنحو 8.5 مليارات دولار.
ووفقاً لتقديرات البنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فقد تصل الخسائر إلى نصف إجمالي الناتج المحلي، مما يعكس عمق هذه الحرب وخطورتها، ويهدد قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية.
وأكدت أن تدمير سلاسل الإمداد وطرق التجارة زاد من تفاقم الوضع الاقتصادي، حيث أغلقت العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وفقد 166 ألف شخص وظائفهم، مشيرة إلى أن الاقتصاد اللبناني الذي تعرض لانهيار مالي عام 2019، من المتوقع أن يتقلص بنسبة 9.2% هذا العام، مع مزيد من الانكماش في السنوات القادمة. وقالت إن هذا "سيفاقم الانكماش الاقتصادي الحاد، المستمر على مدى السنوات الخمس الماضية، ليتجاوز 34% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2024.
وتابعت أن هذا التراجع الحاد سيفاقم معاناة أكثر من 80% من السكان الذين يُتوقع الآن أن يصبحوا أكثر فقراً وهشاشة، ويؤثر بقدرات الدولة الماليّة وعمل المؤسسات الحكومية وقدرتها على الاستجابة للأزمة. وأشارت إلى أن لبنان لطالما كان يعتمد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية مصادر أساسية للاستقرار الاقتصادي، وهو الآن في مواجهة أزمة خانقة، تهدد بنيته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي الحديث عن إعادة الإعمار، صرحت المبيض بأن البلاد تحتاج إلى استثمارات ضخمة في إعادة الإعمار، تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار على الأقل، ولكن أي مساندة لن تأتي من دون مسار سياسي واضح، يُعيد دور المؤسسات الدستوريّة، ومن دون إجراء إصلاحات شاملة، تشمل إصلاحات في الحوكمة لتعزيز الشفافية والمساءلة.