الدولار القوي وترامب المرتبك

الدولار القوي وترامب المرتبك

03 مارس 2019
الدولار القوي يضعف الصادرات الأميركية (Getty)
+ الخط -

تحرص معظم دول العالم على أن تكون عملتها الوطنية قوية أمام عملات البلدان الأخرى لأسباب عديدة، منها مثلاً أن بعض الدول تعتبر أن قوة العملة من قوة الاقتصاد، وأن العملة مرآة الاقتصاد، وأن تذبذب العملة يعكس قوة أو ضعف المؤشرات الاقتصادية بالدولة مثل معدلات النموّ والتضخم والبطالة والصادرات وغيرها.

وتدرك أسواق المال والمستثمرين أنه إذا ما ضعفت عملة دولة ما، فإن هذا يعني وجود مشكلة جوهرية داخل الاقتصاد، مثل عجز حادّ في الميزان التجاري، أو عجز في ميزان المدفوعات، تراجع ملحوظ في إيرادات النقد الأجنبي، هروب أموال ضخمة من داخل البلاد، اضطرابات في سوق الصرف.

بل إن بعض الدول النامية وفي مقدمتها الدول العربية تعتبر أن قوة العملة الوطنية تعادل احترام علم البلاد، وأن تراجع هذه العملة هو بمثابة امتهان لكرامتها الوطنية، وهذا غير صحيح، لأن بعض الدول تحرص على إضعاف عملتها الوطنية إذا كانت هناك فرصة كبيرة لأن يؤدي هذا الضعف إلى زيادة إيراداتها الخارجية من النقد الأجنبي، وخاصة من قطاعات: السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المغتربين، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في الصين خلال السنوات الماضية.

وتمارس بعض الدول ضغوطاً شديدة على دول أخرى، في حال إذا ما وجدت أن ضعف عملاتها يضرّ بصادراتها، ومن هنا رأينا ما يطلق عليه اسم حرب العملات التي تشتعل من حين لآخر بين الدول، وخاصة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، أميركا والصين.

ورأينا كذلك الضغوط الأميركية الشديدة على الصين لدفعها نحو تقوية عملتها اليوان، لأن ضعف اليوان يضرّ بالصادرات الأميركية للصين.
وتاريخياً تحرص معظم الحكومات الأميركية على تطبيق سياسة الدولار القوي، لكن مع قدوم دونالد ترامب للحكم لم تعرف الأسواق العالمية، وخاصة أسواق الصرف، ماذا يريد الرئيس الأميركي القادم من مجتمع رجال الأعمال بالضبط، هل يريد دولاراً قوياً أو ضعيفاً، فقد تغيرت مواقف ترامب بشأن الدولار عدة مرات منذ توليه منصبه، مثلاً في بعض الأوقات قال إنه يريد دولاراً قوياً، ليناقض رأي وزير خزانته ستيفن منوشين، الذي يميل إلى الدولار الضعيف.

وفي أوقات أخرى أبدى ترامب رغبته في دولار ضعيف ينافس اليوان الصيني والين الياباني، قائلاً إن الدولار القوي مقابل العملات الرئيسية الأخرى لا يساعد اقتصاد بلاده على تحقيق معدل النموّ المستهدف وهو 4% سنوياً.

بل إن الرئيس الأميركي ضغط على بعض الدول ومنها الصين ومنطقة اليورو، كي لا تخفض قيمة عملاتها أقل من المستوى الحالي، وأعرب مرات عن أسفه لقوة الدولار وخاصة مع رفع أسعار الفائدة عليه، وكتب ترامب على تويتر في يوليو/ تموز الماضي أن أوروبا والصين "تتلاعبان" بعملاتهما وذلك في اطار سياسة الضغط عليهما واتهامهما بشن حرب عملات.

لكن السياسات الاقتصادية والنقدية الأميركية جاءت بما لا تشتهي سفن ترامب، حيث أكسبت هذه السياسات الدولار مزيداً من القوة، فقد رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة على الدولار أربعة مرات في العام 2018، وهو ما منحه قوة لا يريدها ترامب.

ورغم تلميحات محافظ البنك جيروم باول بالتأني في اجراء زيادات جديدة في أسعار الفائدة خلال العام الجاري، إلا أن احتمال الرفع لا يزال قائما، وهو ما يجذب المزيد من المستثمرين نحو الاستثمار في العملة الأميركية، وبالتالي تزيد قوته.  
ومن هنا جدد ترامب انتقاده للبنك المركزي الأميركي اليوم الأحد، لكن غلّف انتقاده بمزيد من الغموض الذي يثير أسئلة أكثر مما يطرح من إجابات، حيث قال: "أريد دولاراً قوياً، لكن أريده دولاراً مفيداً لبلدنا لا دولاراً قوياً لدرجة تمنعنا من التعامل مع الدول الأخرى".

رسائل ترامب المتناقضة تجاه عملة بلاده تربك أسواق العالم، خاصة أسواق الصرف، كما تربك البورصات وأسواق الأسهم التي تأثرت سلباً بسياسة الدولار القوي الذي ارتفع بنسبة 4.5% في العام 2018، وهي زيادة أضرّت بأسواق المال في حي وول ستريت الشهير.

كما أضرّ الدولار القوي بالشركات الأميركية الكبرى التي تعتمد في مبيعاتها على الصادرات الخارجية، بل إن المنتجات الأميركية باتت الآن أغلى في الأسواق الدولية بسبب قوة الدولار، ما يشكل مصدر قلق لشركات التكنولوجيا والاتصالات العملاقة مثل آبل وغيرها.

المساهمون