4 وزارات وجهاز أمني يتحركون لمواجهة مافيا المضاربة بسيارات الجزائر

30 ابريل 2025
أزمات عديدة واجهت مصانع تجميع السيارات (فاروق بيطاش/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلقت الحكومة الجزائرية تحركاً شاملاً لمواجهة أزمة السيارات بمشاركة أربع وزارات وجهاز الدرك الوطني، بهدف التصدي للمضاربة في السوق المحلية، مع إطلاق منصة رقمية لمراقبة بيع السيارات المصنعة محلياً.

- يعاني سوق السيارات في الجزائر من اضطراب منذ 2015 بسبب قيود على الواردات، مما أدى إلى نقص حاد في العرض. رغم فتح الاستيراد جزئياً في 2023، إلا أن العرض لا يزال غير كافٍ لتلبية الطلب المتزايد.

- يقترح الخبير نبيل جمعة ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة، تشمل كبح المضاربة، دعم الإنتاج المحلي، واستيراداً منظماً يصل إلى 100 ألف مركبة سنوياً لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

أظهر تحرك حكومي بالجزائر شمل أربع وزارات وجهازاً أمنياً، مدى عمق أزمة السيارات في البلاد المستمرة منذ سنوات، في ظل ندرة غير مسبوقة وطلب فاق التصورات، مع تواصل غلق الاستيراد من الخارج، وإنتاج محلي انطلق فعلياً، لكنه ما زال بعيداً عن المأمول. الخطوة الحكومية الجديدة، ضمت أربع وزارات هي الصناعة والتجارة والداخلية ‏والعدل، إضافة إلى جهاز الدرك الوطني وهو قوة تابعة لوزارة الدفاع الوطني، ‏الهدف منها التصدي للمضاربة والسمسرة في المركبات المصنعة محلياً.

وبدا أن ‏التحرك الحكومي حمل طابعاً جدياً وعاجلاً في التعاطي مع هذه الأزمة ‏المتفاقمة، التي أثارت موجة استياء واسعة على منصات التواصل ‏الاجتماعي. وجاء التحرك الحكومي عقب انتشار إعلانات كثيرة لبيع مركبات "فيات دوبلو بانوراما" المصنعة في وهران جديدة بالكامل، بأسعار تصل إلى ضعف قيمتها للوكلاء المعتمدين لدى علامة فيات بالجزائر، في حين أن عملية التسويق بالكاد بدأت، وخضعت لعمليات تسجيل واسعة من طرف المواطنين على منصة رقمية للشركة.

وزارات في مواجهة المضاربين

في هذا السياق، ورد في بيان لوزارة الصناعة الجزائرية أن اجتماعاً تنسيقياً جرى يوم 9 إبريل/ نيسان الجاري، خصص لإطلاق منصة رقمية لمراقبة بيع السيارات المصنعة محلياً ومحاربة المضاربة. ووفق البيان حضر الاجتماع وزير الصناعة سيفي غريب، بمشاركة ممثلي عدد من القطاعات الوزارية والهيئات المعنية، وهي وزارة الداخلية، والجماعات المحلية، والتهيئة العمرانية، ووزارة العدل، ووزارة التجارة الداخلية، وضبط السوق الوطنية، وممثلو قيادة الدرك الوطني.

وخلال اللقاء، حسب البيان، جرى تقييم مدى تنفيذ التوصيات المنبثقة عن الاجتماع الأول المنعقد بتاريخ يوم 7 إبريل/ نيسان 2025، الذي تناول دراسة الإجراءات الردعية العاجلة والكفيلة بالتصدي لظاهرة المضاربة، لا سيما تلك المسجلة بخصوص مركبة "دوبلو بانوراما" للعلامة الإيطالية فيات.
وجدد وزير الصناعة الجزائري التأكيد على عزم الحكومة بكل مؤسساتها، على حماية المستهلك من "ممارسات لوبيات السمسرة والمضاربة"، وضمان شفافية المعاملات في سوق السيارات.

مصنع وحيد للمركبات في الجزائر

في بيان ورد للوزارة ذاتها صدر في العاشر من إبريل/ نيسان الجاري، ورد أن المسؤول الأول عن قطاع الصناعة سيفي غريب، التقى بمسؤولي "فيات" في اجتماع خصص لمناقشة سبل محاربة المضاربة والسمسرة في سوق المركبات المصنعة محلياً، وعلى وجه الخصوص ما تعلق بسيارة "دوبلو بانوراما" التي تنتجها العلامة الإيطالية بمصنعها في وهران غربي البلاد. وخلال هذا الاجتماع، أعلنت شركة "فيات الجزائر"، وفق البيان، "انخراطها الكامل في الجهود التي بادرت بها وزارة الصناعة، من خلال تبني جملة من الإجراءات العملية الرامية إلى ضبط السوق وحماية المستهلك".

ومن أبرز هذه الإجراءات، يوضح البيان، اعتماد "إقرار بالتزام" يوقعه الزبون (العميل) عند الشراء، يتعهّد من خلاله بعدم التورط في أي شكل من أشكال المضاربة أو السمسرة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كما التزم مسؤولو العلامة الإيطالية بالجزائر بتوفير كل المعطيات والمعلومات ذات الصلة للجهات المختصة بصفة دورية ويومية، من أجل محاربة هذه الظاهرة.

من جهته، تحدث وزير العدل، لطفي بوجمعة، في جلسة للبرلمان مؤخراً، بلهجة حادة، متوعداً المضاربين في السيارات المصنعة محلياً. وأعلن الوزير عن حزمة من الإجراءات التي وصفها بـ"الردعية" التي تعمل الحكومة على تفعيلها، بالتنسيق مع وزارة التجارة وجهاز الدرك الوطني، لمواجهة "شبكات مضاربة منظمة"، تستغل حالة الندرة، وتستفيد من فوضى السوق، وانعدام الرقابة على حلقات التوزيع.

اضطراب مزمن منذ 2015

يشهد سوق السيارات في الجزائر تذبذباً واضطراباً مزمناً منذ عام 2015، بعد إجراءات حكومية لضبط الواردات وكبح نزيف النقد الأجنبي. وعمدت السلطات حينها لتسقيف الواردات بمنح حصص محددة سلفاً لكل علامة، بعدما بلغت الفاتورة ذروتها عامي 2013 و2014 باستيراد أكثر من 600 ألف سيارة جديدة بما يزيد عن ستة مليارات دولار. واعتباراً من 2017، أوقفت الحكومة استيراد السيارات الجديدة، وأطلقت مشاريع جديدة لتركيب وتجميع المركبات لعدة ماركات عالمية، على غرار رينو الفرنسية، وهونداي وكيا الكوريتين، وفولكس فاغن الألمانية، وسوزوكي اليابانية.

لكن حسب مراقبين، فإن تركيب وتجميع السيارات في الجزائر مني بالفشل بدليل وجود العديد من أصحاب المشاريع في السجن بتهم فساد، وعدم بلوغ نسب الإدماج التي استهدفتها السلطات، وهي المشاريع التي وصفت حينها بـ"نفخ العجلات"، في إشارة إلى جلب المركبات شبه مكتملة من الخارج وتركيب العجلات فقط في الجزائر.

وفي عام 2023 فتحت السلطات الاستيراد جزئياً لأول مرة منذ 2016، واستمر الأمر إلى منتصف 2024، حين توقفت العملية دون إشعار مسبق من السلطات وجرى استيراد ما يفوق 200 ألف مركبة جديدة. وتقول سلطات البلد العربي إنها تفاوض 13 ماركة عالمية للسيارات لإقامة مصانع تركيب وتجميع في البلاد، على غرار هيونداي الكورية الجنوبية، و"غريت وول الصينية"، وعلامات أخرى.
طلب يفوق 500 ألف مركبة

حاليا يوجد مصنع واحد للسيارات في البلاد يعود للعلامة الإيطالية "فيات"، حيث ينتظر أن تبلغ طاقته الإنتاجية هذا العام أكثر من 60 ألف مركبة جديدة، على أن تصل إلى 90 ألفاً في 2026 وهي طاقته القصوى. في هذا السياق يرى الخبير المالي والاقتصادي، نبيل جمعة، أن الإجراءات الحكومية الأخيرة، التي شملت أربع وزارات إلى جانب جهاز الدرك الوطني، تعكس تحركاً على أعلى مستوى لكبح جماح المضاربة والاحتكار في سوق السيارات، الذي تحول إلى واحد من أبرز مظاهر الاختلالات الاقتصادية في الجزائر.

ويؤكد جمعة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الإجراءات قد تساهم في الحد من الظاهرة نسبياً، لكنها لا تمثل حلاً جذرياً، مشيراً إلى أن تعزيز الرقابة الأمنية والإدارية على الأسعار، والضغط على الوكلاء والمصنعين لاحترام الشفافية في القوائم، قد يؤدي إلى تراجع نسبي في أسعار السيارات الجديدة.
لكن الخبير الاقتصادي يلفت إلى أن العرض لا يزال ضعيفاً، والإنتاج المحلي في بداياته، ولا يمكنه حالياً تغطية الطلب السنوي الهائل الذي يتجاوز 500 ألف مركبة، في وقت ما زال فيه الاستيراد محدوداً للغاية، بفعل التراخيص الصارمة والقليلة.

وشدد جمعة على أن قاعدة العرض والطلب هي الفيصل، ما يعني أنه "طالما لا يواكب العرض الطلب الحقيقي، ستبقى الأسعار مرتفعة، والمضاربة ستظل تجد منافذ لها". وحتى مع التحكم في القنوات الرسمية، يبقى سوق السيارات المستعملة مرتفع الأسعار، باعتبار أن المواطن "مضطر لشراء ما هو متاح"، حسب تعبيره.

ويرى محدثنا أن التحركات الحالية "مهمة وتبعث برسائل طمأنة"، لكنها تبقى غير كافية ما لم يرفع العرض، عبر تسريع وتيرة الإنتاج المحلي الحقيقي، وليس عبر التركيب فقط، وفتح باب الاستيراد "بطريقة مدروسة".

ثلاثة سيناريوهات ممكنة

يقترح جمعة ثلاثة سيناريوهات لمواجهة أزمة السيارات في الجزائر التي استفحلت معها ظاهرة المضاربة والسمسرة. السيناريو الأول، وفق المتحدث، يقتصر على كبح المضاربة دون رفع العرض، ما قد يؤدي فقط إلى تراجع طفيف في الأسعار الرسمية، مع استمرار السوق السوداء، وابتكار حيل جديدة لشراء المركبات.

أما السيناريو الثاني، فإنه يجمع بين كبح المضاربة ورفع طفيف للاستيراد عبر منح تراخيص إضافية لوكلاء حقيقيين وتسهيلات جمركية، ما قد يؤدي إلى انفراج تدريجي وتحفيز المصنعين المحليين، مع نتائج تبدأ بالظهور خلال 12 إلى 18 شهراً، وفق الخبير المالي والاقتصادي. السيناريو الثالث، حسب جمعة، يشمل كبح المضاربة، ودعماً حقيقياً للإنتاج المحلي، واستيراداً منظماً لما يصل إلى 100 ألف مركبة سنوياً، مع توسعة القاعدة الصناعية، بما يسمح باستعادة التوازن بين العرض والطلب في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، ويكسر شوكة المضاربة بشكل فعال.

المساهمون