300 مليار ليرة سورية تصل من روسيا إلى دمشق

14 فبراير 2025
بنك سورية المركزي في دمشق، 18 يناير 2025 (إرتسين إرتورك/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسلم مصرف سورية المركزي 300 مليار ليرة سورية من روسيا، كجزء من عقد لطباعة العملة، وسط ضغوط اقتصادية وارتفاع قيمة الليرة أمام الدولار، مما أثر على صرف رواتب العاملين.
- يعكس استلام الأموال المطبوعة أبعادًا سياسية واقتصادية، حيث تعتمد سورية على الدعم الروسي، وتعتبر العلاقة مع روسيا مهمة بسبب دورها في مجلس الأمن، مع ترتيبات معقدة لطباعة العملة في الخارج.
- يواجه الاقتصاد السوري تحديات بسبب الأزمات والعقوبات، ومع تخفيف العقوبات الأميركية، هناك مؤشرات على نية الاتحاد الأوروبي رفع بعض القيود، لكن الانتعاش مرهون بالمساعدات والاستقرار السياسي.

تسلم مصرف سورية المركزي اليوم الجمعة، 300 مليار ليرة سورية اليوم الجمعة، قادمة من روسيا الاتحادية، مؤكداً أن هذا المبلغ هو الذي تم نقله من موسكو و"لا صحة للأنباء المتداولة حول أرقام أكبر". واعتبر أن "المبلغ الذي وصل اليوم هو من حق سورية والشعب السوري، وهو جزء من عقد موقع بين النظام المخلوع وروسيا، وكان يجب أن يصل قبل نهاية العام الماضي، كما ينص العقد على دفعة أخرى سيتم إرسالها في وقت لاحق قد تكون بمبلغ أكبر من المرسل حالياً"، علماً أنه جرت العادة في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد طبع الأوراق النقدية السورية في روسيا.

وكان المكتب الإعلامي في مصرف سورية المركزي قال في تصريح صحافي أمس: "نؤكد وصول مبالغ مالية من فئة الليرة السورية قادمة من روسيا إلى سورية عبر مطار دمشق الدولي، لكن الأرقام المتداولة حول حجم وكميات هذه الأموال غير دقيقة على الإطلاق، ونشدد على ضرورة الاعتماد على المعلومات الرسمية وتجنب الانسياق وراء الشائعات".

يأتي ذلك فيما تشهد الأسواق السورية، منذ مطلع العام الجاري، ضغطاً كبيراً على العملة السورية، حيث شهدت جميع الأسواق قلة كبيرة في حجم العرض من جهة الليرة السورية التي ارتفعت قيمتها أمام الدولار بسبب قلة المعرض. وسجل سعر صرف الدولار بين 9000 و10000 ليرة سورية في البلاد. ويعاني مئات الآلاف من العاملين في الجهات الحكومية للشهر الثاني على التوالي من غياب رواتبهم الشهرية، بسبب عدم عمل الصرافات التي يتم سحب رواتبهم منها بسبب غياب العملة السورية.

وربط الباحث السياسي محمد المصطفى ما بين تسلم شحنة الأوراق المالية من روسيا وسياسة الحكومة الجديدة وقال في حديثه لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد، قطع العلاقات مع روسيا هو أمر سياسي في المقام الأول، وقد يكون له أبعاد عسكرية لاحقًا، وذلك لأن بناء الجيش السوري وهيكلته، سواء من حيث العتاد، أو المعدات، أو الدعم اللوجستي، يعتمد بشكل أساسي على روسيا باعتبارها جزءًا من المعسكر الشرقي".

أضاف المصطفى "الأمر الآخر أن روسيا تُعد واحدة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وبالتالي فإن العلاقة معها تكتسب أهمية كبيرة لأي حكومة سورية، خاصة في حال واجهت عقبات معينة داخل المجلس، ومن هنا، فإن تحويل روسيا من خصم إلى حليف، أو على الأقل إلى جهة محايدة، قد يكون له تأثير سياسي مهم، بحيث لا تتخذ موسكو مواقف عدائية تجاه دمشق". وأشار المصطفى إلى أنّ تسلم دفعة الأوراق النقدية التي أعلنها البنك المركزي السوري، تحمل بعداً سياسياً بالدرجة الأولى، وعنه تتفرع بقية الجوانب بما فيها الاقتصادي، لتبقى السياسة هي العنصر الأشد أهمية. 

بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور ياسر الحسين في حديثه لـ"العربي الجديد" أن استلام البنك المركزي السوري دفعة من الأموال السورية المطبوعة في روسيا في فبراير/ شباط 2025 قد يكون مرتبطاً باتفاقيات سابقة بين البلدين، وذلك لأن عملية الطباعة تحتاج إلى وقت وفقًا لما يلي: "تتم اتفاقيات طباعة العملة وفق ترتيبات سياسية واقتصادية معقدة، وتتطلب إجراءات دقيقة لضمان عدم الإضرار بالاقتصاد المحلي".  وتابع الحسين "فيما يلي أبرز الخطوات التي تمر بها هذه الاتفاقيات، الاتفاق السياسي والاقتصادي، حيث يتم توقيع اتفاقيات ثنائية بين الحكومات أو البنوك المركزية في الدولتين، وغالبًا ما تكون ضمن تعاون أوسع يشمل دعمًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا، وفي حالة سورية وروسيا، يعود الاتفاق إلى شراكة طويلة الأمد تشمل المساعدات المالية والتجارية. أيضًا "اختيار الشركة الطابعة، كون معظم الدول لا تطبع عملتها محليًّا، بل تلجأ إلى شركات متخصصة في دول أخرى، وتمتلك روسيا شركات طباعة حكومية، مثل "Goznak"، التي تقوم بطباعة العملات لعدة دول حول العالم، تتم الطباعة وفقًا لمواصفات الأمان الخاصة بكل عملة لمنع التزوير".

ومن الخطوات التي أشار إليها الحسين، تحديد الكميات والمواصفات، ويتفق الطرفان على الكميات المطلوبة من الفئات النقدية الجديدة بناءً على حاجة السوق والسياسات النقدية، ويتم تحديد مواصفات الأمان، مثل العلامات المائية، والألياف الفسفورية، والتصاميم التي تمنع التزوير. ومن الخطوات التي يتم مراعاتها، تكاليف وطرق الطباعة، كما أشار الحسين، كون طباعة العملات ليست مجانية، حيث يتم دفع تكاليف الطباعة والتأمين والنقل، وتدفع بعض الدول نقدًا، بينما تستخدم دول أخرى نظام المقايضة أو الديون طويلة الأجل. أما  في حالة سورية، فقد تكون هناك ترتيبات خاصة نتيجة العقوبات الدولية على النظام المصرفي.

أما الخطوة الخامسة التي أشار إليها الحسين هي شحن الأموال المطبوعة عبر طرق آمنة، غالبًا باستخدام طائرات شحن عسكرية أو رحلات خاصة، فعند الوصول، يتم تسليمها إلى البنك المركزي، الذي يبدأ بتوزيعها على البنوك المحلية. والخطوة الأخيرة التي لفت إليها الحسين، هي ضخ الأموال في الاقتصاد، فبعد تسلّم الأموال، يبدأ البنك المركزي بضخها تدريجياً في السوق وفقًا للسياسات النقدية المعتمدة.

ويترتب على طباعة العملة في الخارج مخاطر، كما أوضح الحسين، منها، زيادة التضخم، إذا لم تتم السيطرة على الطباعة، فقد تؤدي إلى انخفاض قيمة العملة، أيضًا السيادة الاقتصادية، كون الاعتماد على دولة أخرى لطباعة العملة يجعلها تتحكم جزئيًّا في السياسة النقدية، أخيرًا خطر التزوير أو التسريب، فقد يتم تسريب نسخ غير رسمية أو مزيفة إلى السوق.

ويعاني الاقتصاد السوري أزمات عميقة خلّفتها سياسة التدمير الممنهج التي اتبعها نظام الأسد البائد، بالإضافة إلى السرقات التي طاولت المصرف المركزي قبيل هروب عصابة بشار الأسد إلى روسيا وبعض دول الخليج العربي. ويرى اقتصاديون أن وضع الليرة سيظلّ غير مستقر حتى تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران وتبدأ الاستثمارات بالتدفق إلى البلاد، وهو أمر مرتبط بالاستقرار الأمني والسياسي وتشكيل الحكومة المتوقع الشهر المقبل، فضلاً عن رفع العقوبات الدولية وإعلان مؤتمر لإعادة إعمار سورية. ويقول هؤلاء إن الإمكانات المتاحة والعائدات الممكنة للحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع لا تكفي لضبط الأسواق، بما في ذلك سوق النقد، وتحريك عجلة الاقتصاد.

وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في تقرير لها قبل خمسة أيام، أن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه تحديات كبيرة، إذ يجب على حكومته اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الاستقرار وتجنب أزمة سياسية جديدة، وأشارت الصحيفة إلى أن "خزينة الدولة شبه فارغة، مما يجعل أي انتعاش اقتصادي مرهوناً بالمساعدات الخارجية، التي لا تزال مقيدة بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد".

وبعد التخفيف الجزئي للعقوبات الأميركية، الذي أُعلِنَ الشهر الماضي ويستمر لمدة ستة أشهر، يعتزم الاتحاد الأوروبي إزالة المصارف السورية من قوائم العقوبات، إضافة إلى رفع بعض القيود عن مصرف سورية المركزي، كما تزايدت المؤشرات على نية الاتحاد الأوروبي إزالة العقوبات الأوروبية عن سورية، خاصة بعد تلقي الرئيس أحمد الشرع تهاني من الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ودعوته لزيارة باريس وبرلين.

المساهمون