3 أزمات جيوسياسية ترعب الأسواق والمستثمرين ... أخطرها أوكرانيا

3 أزمات جيوسياسية ترعب الأسواق والمستثمرين ... أخطرها أوكرانيا

08 ديسمبر 2021
جانب من اجتماع الرئيسين بايدن وبوتين عبر الفديو كونفرانس حول أوكرانيا (GETTY)
+ الخط -

بينما يعد الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لعقد مؤتمر الديمقراطيات الرأسمالية غداً الخميس، يواجه العالم ثلاث أزمات كبرى تهدد الاستقرار السياسي العالمي، وبالتالي مسار النمو الاقتصادي وأسواق المال والسلع والاستثمار، في وقت يواجه العالم معدلات عالية من التضخم وأزمة طاقة، وغير متيقن من تداعيات المتحور "أوميكرون" على النشاط الاقتصادي.

هذه الأزمات هي، أزمة الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا ومخاطر غزوها من قبل موسكو، وأزمة الضغوط الصينية على جزيرة تايوان التي يمكن أن تقرر بكين ضمها في أيّ لحظة وسط طلعات الطائرات الحربية الصينية المتكررة فوق سماء الجزيرة، وأزمة الملف النووي الإيراني الذي تتعثر محادثاته وتتجه نحو الانهيار واحتمال الرد الإسرائيلي العسكري بضرب بعض المواقع النووية وفقاً للتهديدات الصادرة من تل أبيب.
ويرى محللون أنّ أيّاً من هذه الأزمات يمكن أن تحدث هزة كبرى في "النظام العالمي" الهش الذي يحكم نظم التجارة والاستثمار والأسواق العالمية وحركة السلع والبضائع الاستهلاكية، وربما إنتاج نزاع يتطور خارج حدود السيطرة بين واشنطن وحلفائها في أوروبا وآسيا وبين تحالف "بكين ــ موسكو".

وحتى وقت قريب كان خبراء المخاطر الجيوسياسية يعتقدون أن العالم أصبح أكثر أمناً بعد نهاية " الحرب الباردة" وسقوط الإمبراطورية الشيوعية في موسكو وما تلاها من تحول ديمقراطي رأسمالي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي بشرق أوروبا إلى دول مستقلة ونال معظمها عضوية الاتحاد الأوروبي ودخل في حماية حلف شمال الأطلسي "ناتو".
لكن يبدو أن تقييم مآل سقوط الإمبراطورية إلى انتصار النظام الديمقراطي الرأسمالي ونظام السوق الحر، على النظام الأوتوقراطي السلطوي والإدارة المركزية للاقتصاد والأسواق لم يكن دقيقاً. إذ سرعان ما قلب الطاولة على هذه الأحلام، الصعود الاقتصادي السريع للصين ومشروع "الحزام والطريق" الرامي للتمدد التجاري والاقتصادي في العالم وتحالفها مع موسكو إلى عودة " الحرب الباردة" مجدداً.
على الصعيد الاقتصادي ومخاطر الأسواق والاستثمار يستبعد محللون أن تتطور أزمة أوكرانيا إلى حرب بين موسكو وواشنطن وحلفائها، لكن التوتر الحاصل حالياً على الحدود الأوكرانية والتحشيد العسكري قد يهدد الاستثمار وتسعير الأصول المالية في روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وربما يغري موسكو باستخدام سلاح الطاقة ضد أوروبا في وقت تعاني فيه الأسواق الأوروبية من الضعف الشديد، خاصة أن موسكو اصبحت تقود تحالف "أوبك+" الذي يحدد مستويات المعروض العالمي من النفط، وبالتالي مسار أسعار المشتقات النفطية، كما أنها تهيمن كذلك على صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية، وبالتالي فإن تهديد واشنطن بفرض عقوبات قاسية على روسيا قد لا تردع روسيا عن المغامرة بقضم شرقي أوكرانيا كما حدث مع شبه جزيرة القرم.
لكن، حتى الآن تجاهلت الأسواق المالية في أوروبا والولايات المتحدة أزمة أوكرانيا واعتبرت أن التهديد الأميركي بالعقوبات سوف يردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المغامرة بغزو أوكرانيا.
ومن بين العقوبات المقترحة لردع روسيا ومنعها من المغامرة بغزو أوكرانيا، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فرض عقوبات مالية قاسية ضد المصارف التجارية الكبرى في روسيا، أو حرمان البنك المركزي الروسي من استخدام نظام "سويفت" للحوالات المالية، وحرمان موسكو من تحويل الروبل إلى الدولار والعملات الصعبة الأخرى، وحظر المتاجرة بأصول الديون السيادية الروسية في أسواق المال الغربية.

كما أنّ هنالك مقترحات تمت مناقشتها في واشنطن تتناول فرض عقوبات مالية وحظر شخصيات روسية نافذة من الدائرة الداخلية للرئيس فلاديمير بوتين. ولكن يثار السؤال: هل هذه العقوبات يمكن أن تردع روسيا إذا كانت ترغب فعلاً في ضم أوكرانيا بالتقسيط وابتلاع شرقي أوكرانيا الذي يفضل التحالف معها على دول الاتحاد الأوروبي.
من الناحية المالية، فإنّ موسكو ربما تستغل التحالف الاستراتيجي مع بكين لمقايضة "الطاقة مقابل الدولارات" خصوصاً أنّ الصين بحاجة ماسة للطاقة في الوقت الراهن، كما تتوفر لديها أكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطات الأجنبية.
ويرى محللون أن بكين تطمع في دفع موسكو نحو زعزعة النظام الرأسمالي الغربي في الوقت الراهن، ولديها هي الأخرى أطماع في ضم جزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي.
حسب التقييم الأميركي للتحشيد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، قال مدير المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" على هامش قمة الرؤساء التنفيذيين التي عقدتها الصحيفة يوم الإثنين، إنّ مكالمة بايدن مع بوتين ستكون فرصة للتأكيد على ثمن لجوء روسيا إلى القوة العسكرية ضد أوكرانيا.

وأضاف بيرنز، أنه لا يقلل أبداً مما سماها شهية بوتين للمخاطر في موضوع أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ ذلك يثير قلق بلاده. وأضاف أنهم لا يعلمون ما إذا كان الرئيس الروسي قد قرر استخدام القوة ضد أوكرانيا أم لا. وحسب بيان البيت الأبيض بعد الاجتماع الذي استمر لساعتين عبر"الفديو كونفرس" بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين أمس الثلاثاء، فإن بايدن أوضح لنظيره الروسي الكلفة العالية التي ستدفعها روسيا في حال العدوان على أوكرانيا. وأبلغه إنّ "الولايات المتحدة والحلفاء سيردون بإجراءات اقتصادية قوية وتدابير أخرى في حالة التصعيد العسكري في أوكرانيا". 

وإلى جانب أوكرانيا يبدو أن أكثر النقاط الملتهبة في صراع النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي العالمي يتركز حالياً حول تايوان التي تعد جزيرة صغيرة في المساحة والحجم الاقتصادي، لكنّها جزيرة استراتيجية من ناحية موقعها في بحر الصين الشرقي الذي تمر به معظم التجارة إلى حلفاء الولايات في اليابان وكوريا الجنوبية، ومن ناحية التقدم التقني والتفوق العسكري.
وتطالب بكين الولايات المتحدة بالاعتراف بـ"الصين الواحدة" التي تعني سيادة بكين على تايوان. وتعتبر الحكومة الصينية بناء على استراتيجية "الصين الواحدة" أنّ تايوان مقاطعة تابعة لحكومة البرّ الصيني وذات حكم ذاتي فقط، وبالتالي يجب على واشنطن عدم الاعتراف الدبلوماسي بها كدولة مستقلة أو تسليحها.
من جانبها، تواصل واشنطن التعامل مع تايوان كدولة مستقلة وقلعة ديمقراطية يجب الدفاع عنها في وجه الحكم الأوتوقراطي الصيني.

وعلى الرغم من أنّ عدد سكان تايوان لا يتعدى 23 مليون نسمة، ولا يتجاوز حجمها الاقتصادي 600 مليار دولار وفق بيانات البنك الدولي، كما أنّ حجم تجارتها مع الولايات المتحدة لا يتعدى 85 مليار دولار، فإنّها تقع على أهم الممرات التجارية في العالم، كما أنّها واحدة من أهم قلاع تقنية "الشرائح الإلكترونية" في العالم.

على صعيد ملف المفاوضات النووية الإيرانية التي جرت بين طهران وأميركا عبر وسطاء من أوروبا وروسيا في فيينا، فإنّ المحادثات تتعثر بسبب رفض طهران أيّ شروط جديدة تحد من ترسانتها الصاروخية، أو ترتيب علاقاتها مع دول الجوار التي ترى واشنطن أنها تهدد أمنها.
وهذا التعثر يهدد بإغلاق المحادثات بين أميركا وإيران، وربما يقود إلى تشديد الحظر المالي والاقتصادي أكثر على صناعة النفط والغاز في إيران وصادراتها. ومثل هذا الاحتمال يرى محللون أنّه سيصب في مزيد من ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي وزيادة معدل التضخم وغلاء السلع.
وبالتالي، يتخوف المستثمرون من انفجار أيّ من الأزمات الثلاث خلال الأشهر المقبلة التي ستظهر فيها حقيقة تأثير المتحور "أوميكرون" على الاقتصاد العالمي، وعما إذا كان ذا تأثير مخفف أم لا، كما ستتضح فيها خطط مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي لرفع معدل الفائدة على الدولار.
ويرى محللون أنّ هذه الأزمات تأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى مزيد من موارد الطاقة التقليدية. ووفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز" أمس الثلاثاء، أكد المديرون التنفيذيون لـ"إكسون موبيل" و"شيفرون" و"هاليبرتون" في مؤتمر بمدينة هيوستون تكساس الأميركية، أهمية الحاجة إلى مواصلة توريدات النفط والغاز عالمياً حتى مع انتقال العالم إلى أنواع أنظف من الوقود.

المساهمون