الميزانية السعودية تقود توجهات الإنفاق بدول التعاون

الميزانية السعودية تقود توجهات الإنفاق بدول التعاون

27 ديسمبر 2014
جانب من مشروعات توسعية في الممكلة (فرانس برس)
+ الخط -

أعطت الميزانية السعودية الجديدة لعام 2015، مؤشرات أساسية لتوجهات ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي، التي ستعلن قريباً، لا سيما ما يتعلق بالاستمرار في الإنفاق على مشاريع التنمية، رغم انخفاض أسعار النفط، والغموض الذي يحيط بمستقبل الإيرادات المتوقعة من مداخيل مبيعاته.
وربما يكون الرقم الذي احتسبت به السعودية سعر برميل النفط في ميزانية عام 2015، هو الذي تبحث عنه الأسواق العالمية في العام الجديد، لأنه تحديداً سيكون السعر الذي تستهدفه المملكة للبرميل في العام المقبل، وبالتالي سيعطي مؤشراً مهماً للمتعاملين في أسواق النفط، خاصة المضاربين على صفقات الذهب الأسود في الأسواق الآجلة.
ووردت أرقام متضاربة لتقديرات السعر الذي حسبت به السعودية سعر برميل النفط، تراوحت بين 55 و80 دولاراً للبرميل.
ولكن بما أن الحكومة السعودية لم تذكره كما كانت تفعل في السابق، فإن التكهن ربما لا يكون مفيداً. ويبقى أن أهم المؤشرات التي منحتها الميزانية السعودية للأسواق المحلية، هو مستوى الإنفاق المرتفع، وأن الاقتصاد السعودي لن يتأثر بهذا الانخفاض الطارئ في سعر النفط. وهذا مؤشر مهم للشركات والمصارف والمستثمرين في أسواق المال.
ويلاحظ أن الحكومة السعودية واصلت رصد نفقات كافية لتغطية الزيادة في الصرف على الأعمال التنفيذية للمشاريع، ومنها مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، واستكمال تعويضات نزع ملكية العقارات، والزيادة في الصرف على بعض المشاريع التنموية والخدمية والمساعدات الدولية.
ويمنح هذا المعدل الكبير من الإنفاق مؤشراً مهماً للأسواق، حيث يشير إلى أن المشروعات الكبرى التي تعكف الحكومة السعودية على تنفيذها لن تتوقف بسبب انخفاض أسعار النفط. وهي رسالة مطمئنة للشركات السعودية، وتشير حسب آراء محلليين إلى أن الشركات ستتمكن من الاستمرار في أعمالها التشغيلية من دون توقف، كما أنها مطمئنة للمصارف التجارية والعالمية التي تشترك في منح القروض، حيث إنها تستطيع مواصلة تمويلاتها للمشاريع بدون مخاوف من عدم قدرة الشركات على الإيفاء بالتزامات الديون.
وحسب تعليق مؤسسة "الاستثمار كابيتال" السعودية المنشور على موقعها، فإن الميزانية الجديدة أكدت مواصلة "حركة النمو الاقتصادي، ورفعت حجم الإنفاق الحكومي بنسبة 34% من حجم الاقتصاد السعودي".
وأشارت المؤسسة الاستثمارية إلى أن مواصلة السعودية للإنفاق في الاقتصاد الوطني منذ عام 2007، ساهم في مضاعفة حجم الناتج المحلي، وخلق فرص وظيفية جديدة لأكثر من 1.3 مليون مواطن سعودي.
ويذكر أن وزير المالية السعودي إبراهيم العساف، قد قال خلال مقابلة مع التلفزيون السعودي يوم الخميس الماضي، إن المملكة ستواصل تنفيذ مشروعات التنمية على المدى المتوسط، وإنها قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط خلال تلك الفترة.

رسالة إيجابية

لكن يبقى الأهم من ذلك كله، وحسب قول خبراء في سوق المال السعودي، هو الرسالة الإيجابية التي بعثتها الميزانية السعودية للمستثمرين في سوق الأسهم السعودية، التي هرب منها المتداولون، وشهدت موجة مبيعات ضخمة، في أعقاب الأسابيع التي تلت اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".
ويذكر أن مؤشر "تداول" الذي يقيس أداء الأسهم السعودية، هبط إلى أقل من 6000 نقطة في الأسبوع قبل الماضي، وأثار الرعب في قلوب المستثمرين السعوديين.
وتعتمد جل الشركات السعودية المسجلة في مؤشر "تداول"، في أعمالها وتحقيق أرباحها على تنفيذ العقود الحكومية. ولا يزال النفط يشكل حوالى 80% من الدخل الحكومي، رغم خطوات تنويع مصادر الدخل.
ويشير خبراء "الاستثمار كابيتال" إلى أن العجز في الميزانية المقدر بحوالى 145 مليار ريال في ميزانية العام الجديد، ليس كبيراً، ولا يبتعد كثيراً عن العجز الذي تحقق في ميزانية عام 2009 والبالغ 90 مليار ريال.
ولكن "الاستثمار كابيتال" تتوقع أن ينخفض العجز الفعلي في الميزانية السعودية الجديدة إلى 27 مليار ريال، وسط المؤشرات الإيجابية لارتفاع أسعار النفط في عام 2015 والعوائد التي تجنيها المملكة من استثمارات الفوائض المالية الضخمة المتوفرة لدى مؤسسة النقد السعودي "ساما".
ولدى السعودية احتياطات مالية تقدر بحوالى 800 مليار دولار، يمكن استخدام عوائدها لسد العجز المتوقع في الميزانية.

أسعار النفط

تقدر أوساط نفطية غربية، أن تواصل أسعار النفط ارتفاعها في العام المقبل 2015، بعد توقف مسلسل الانهيار في منتصف الشهر الجاري.
وبنيت هذه التوقعات على النمو القوي المتوقع للاقتصاد الأميركي في العام الجديد والمقدر بحوالى 5.0%. ومعروف أن الاقتصاد الأميركي أكبر مستهلك للنفط، وبالتالي فالتقديرات تشير إلى أن الطلب النفطي سيرتفع تدريجياً مع امتصاص الأسواق للفائض النفطي المقدر حالياً بين 700 ألف ومليون ونصف المليون برميل.
ومن المؤشرات الإيجابية التي تبعث الآمال على إحتمال ارتفاع أسعار النفط  في العام المقبل انخفاض عدد الحقول الجديدة لآبار النفط الصخري في أميركا.
وفي أول مؤشر على تأثير تدهور الأسعار على شركات إنتاج النفط الصخري الأميركي، قالت شركة "بيكر هيوز"، كبرى شركات حفر الآبار والهندسة النفطية، إن معدلات حفر الآبار النفطية الجديدة انخفض في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بحوالى 29 حقلاً إلى 1546 حقلاً. وهذا المعدل هو الأقل منذ يونيو/حزيران الماضي.  وإضافة إلى هذا المؤشر، هنالك مؤشر إيجابي آخر وهو، خفض بعض شركات النفط الأميركية لإنفاقها الرأسمالي للعام الجديد 2015، حيث أعلنت شركة "كونكوفيليبس بتروليوم" عن خفض إنفاقها بحوالى 20%، كما خفضت شركة "أويسس بتروليوم" إنفاقها هي الأخرى. وهذه البيانات تدل على أن الفائض النفطي في طريقه إلى الانحسار في العام المقبل 2015.
وبالتالي فالتوقعات تشير إلى أن أسعار النفط ربما ترتفع فوق 70 دولاراً في النصف الثاني من عام 2015، وتسمح بذلك للعجز الفعلي في الميزانية السعودية بالانخفاض إلى مستويات قريبة من 27 مليار ريال، حسب تقديرات مؤسسة "الاستثمار كابيتال".

مؤشرات دول التعاون

يبدو أن الاقتصاد السعودي، بحجمه الضخم وما ينطوي عليه من سيولة فائضة كبيرة، يقود إلى درجة كبيرة، توجهات اقتصاديات دول مجلس التعاون التي تتشابه من حيث اعتمادها على مداخيل النفط في إنعاش الأسواق.
والدولة الوحيدة الاستثناء في ذلك ربما تكون دولة قطر التي تعتمد في إيراداتها المالية على الغاز الطبيعي أكثر من اعتمادها على النفط.
وبالتالي، فإن الميزانية السعودية، باستمرارها في الإنفاق المرتفع ، تعطي موجهات إلى دول التعاون الأخرى أن الانهيار الطارئ في أسعار النفط يجب ألا يؤثر في مستويات الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية والنمو الاقتصادي.
ومثل هذه التطمينات ستنهي حالة الذعر، غير المبررة، التي اجتاحت الأسواق الخليجية خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والأيام العشرة الأولى من العام الجاري. ويلاحظ أن أسواق الأسهم السعودية والخليجية تجاوبت بدرجة كبيرة مع الميزانية السعودية وحققت إرتفاعات كبيرة منذ إعلان الميزانية يوم الخميس الماضي.
وحسب محللين، فإن ما حدث من انهيار في أسعار الأسهم الخليجية خلال الفترة الأخيرة، لم يكن مبرراً، حيث إن وزن الشركات النفطية في مؤشرات قياس الأسهم الخليجية ليس كبيراً، كما هو الحال في الأسهم الأميركية التي تشكل الشركات النفطية نسبة كبيرة من مؤشراتها.
ويلاحظ أن معظم الشركات النفطية الكبرى بدول التعاون، ليست مسجلة للتداول في أسواق المال الخليجية، التي يقدر حجمها بحوالى تريليون دولار.
ويفسر مراقبون الذعر الذي ضرب أسواق المال الخليجية خلال الفترة الماضية، أنه حدث نتيجة مخاوف المستثمرين في أسواق الخليج من تقليص الحكومات الخليجية معدلات الإنفاق في الميزانيات. وهو تفسير صحيح، لأنه فور إعلان السعودية إستمرارها في الإنفاق الضخم تحركت مؤشرات أسواق المال الخليجية مرتفعة وعادت نفسيات المستثمرين إلى الطمأنينة.
ولا يستبعد مراقبون للاقتصاد الخليجي، أن تحذو دول مجلس التعاون الأخرى حذو السعودية في زيادة معدلات الإنفاق في الميزانيات الجديدة، خاصة أن معظمها تتمتع بمراكز مالية قوية، ولديها صناديق سيادية تستثمر مجتمعة حوالى 2.7 تريليون دولار في الأسواق العالمية والمحلية.

أرقام الميزانية

وفي وقت سابق الخميس، أقرت الحكومة السعودية ميزانية 2015، ورفعت الإنفاق المقدر إلى مستوى أكبر من المقدر في موازنة 2014.
كما قالت الحكومة السعودية إنها ستمول عجزاً متوقعاً من الاحتياطيات المالية الضخمة، وهو ما يبدد المخاوف بشأن تأثر اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم بهبوط أسعار الخام.
ووفقا للموازنة التي أعلنتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني، تتوقع الوزارة أن تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريال (حوالى 229.3 مليار دولار) العام المقبل، ارتفاعاً من 855 ملياراً في الموازنة الأصلية لعام 2014.

المساهمون