أحلام حكومة السودان الوردية

أحلام حكومة السودان الوردية

10 سبتمبر 2019
الشارع السوداني في انتظار تحسين أحواله المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -


فشل عمر البشير الذي حكم السودان قرابة 30 عاماً في حل الأزمات العنيفة التي يعاني منها الاقتصاد وفي مقدمتها البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب، والفقر المدقع، وضخامة الديون الخارجية، وعجز الموازنة العامة والسيولة النقدية، وتدني معدل النمو، وانتشار الفساد، إلى جانب الأزمات المعيشية الطاحنة التي تفاقمت في نهاية عهده وأدت إلى اندلاع ثورة شعبية عليه.

لكن وزير المالية السوداني الجديد إبراهيم البدوي خرج علينا قبل أيام بتصريحات وردية يعد فيها السودانيين بالمن والسلوى وحل الأزمات الاقتصادية المستعصية والمتراكمة خلال 200 يوم فقط، أي في أقل من 7 شهور.

وأطلق الوزير على خطته أسماء جذابة منها "خطة إسعافية"، "برنامج إنقاذ"، "برنامج إنقاذي إسعافي"، وقال إن خطته تهدف إلى تحقيق 5 محاور رئيسية، أبرزها تثبيت الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة والجهد المالي.

ورغم مرور بضعة أيام فقط على توليه منصبه، إلا أن الوزير تحدث عن خطة عاجلة لحل الأزمة الاقتصادية ببلاده قائلا إن الحل سيكون عبر معالجة أزمة الاقتصاد الكلي، والتي تتمثل في عجز الموازنة العامة، وارتفاع الأسعار، والتضخم المرتبط بتمرير موازنة بموارد غير حقيقية، وتقوية المؤسسات لإدارة الاقتصاد، والتعاون بين الوزارات الاقتصادية.

كما تحدث عن ميزانية لعام 2020، تعكس أهداف الثورة السودانية المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.


غازل الوزير السودانيين بتلبية احتياجاتهم العاجلة حينما تحدث عن "إجراءات إسعافية وناظمة لتثبيت الأسعار الملتهبة وتوفير وسائل تخفيض تكلفة المعيشة والضائقة الاقتصادية، وخلق وظائف للشباب في المدى القصير، ومعالجة مشكلة السيولة، وإجراء هيكلة للجهاز المصرفي والاستفادة من الطاقات المتاحة لتمويل الموازنة "، وقال إن خطة الإنقاذ تهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي والصرف على التعليم والصحة والتنمية.

لم يقل لنا وزير المالية الجديد كيف سيوفر المال اللازم لتمويل خطة إنقاذه العاجلة والوردية في ظل وجود خزانة عامة خاوية، وضعف موارد البلاد من النقد الأجنبي، ونقص السيولة في البنوك، وضعف حصيلة الصادرات والسياحة وتحويلات المغتربين وهروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء خاصة مع استمرار إدراج السودان في لائحة الإرهاب الأميركية.

كنت أتمنى أن يقصر الوزير خطته قصيرة الأجل على حل الأزمات الطارئة للمواطن، والتعامل السريع مع الوضع المعيشي الطاحن الذي يعيشه السودانيون منذ شهور، أن يتحدث مثلا عن كيفية تدبير وزارته رواتب الموظفين العاملين في الجهاز الإداري للدولة خاصة وأن خزانة وزارة المالية خاوية، أن يضع تصوراً لحل أزمة السيولة الطاحنة التي يمر بها القطاع المصرفي.

ليتحدث وزير المالية عن كيفية احتواء الحكومة الجديدة أزمات رجل الشارع ومنها نقص السيولة لدى البنوك وماكينات الصراف الآلي، وكيفية القضاء على الطوابير الطويلة أمام المخابز واختفاء الخبز والدقيق.

ليقل الوزير للسودانيين كيف سيحل أزمة نقص الوقود خاصة السولار والبنزين، وكيف سيوفر أنبوبة بوتاجاز للأسرة، كيف سيقضي على طوابير السيارات أمام محطات التموين، أن يتحدث عن كيفية تدبير نقد أجنبي لتمويل واردات البلاد من الأدوية والدقيق والغذاء والسلع الغذائية والتموينية، عن كيفية توفير سيولة لإقامة مدارس ومستشفيات ودور رعاية صحية.

ليتحدث الوزير عن كيفية تحسين المعاشات والتأمينات، عن خططه لتلبية أولويات الشباب الذي قام بثورة على الفساد وقبله الغلاء الفاحش والفقر المدقع، لا أن يقفز إلى قضايا من عينة حل أزمات البطالة وعجز الموازنة وغيرها من القضايا الشائكة.

وزير المالية في أي بلد يجب أن يزن تصريحاته بميزان من ذهب، كما هو الحال مع محافظي البنوك المركزية، لا أن يعد بحل أزمات شديدة التعقيد وملفة خلال أشهر قليلة رغم حاجتها إلى سنوات.

المساهمون