أزمة لحوم بإيران... ارتفاع هائل بالأسعار وسط هبوط الريال

أزمة لحوم في إيران... ارتفاع هائل بالأسعار وسط هبوط الريال وتهريب المواشي

21 فبراير 2019
في محل لبيع اللحوم الحمراء في طهران(فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -
تسجّل موجات الغلاء التي تجتاح الأسواق الإيرانية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، أرقاما قياسية جديدة كل يوم. ارتفاع الأسعار لم يستثن أي سلعة، محلية كانت أو أجنبية، وخصوصاً السلع الأساسية بالنسبة للمواطنين.

ووصل الغلاء الفاحش إلى سوق اللحوم، وخاصة اللحوم الحمراء التي شهدت أسعارها تضخماً تدريجياً خلال الأشهر التسعة الأخيرة، لتصل إلى ذروتها منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2018، ما تسبب في وقوع أزمة في هذه السوق على حد وصف وكالات الأنباء الإيرانية، مع انتشار صور تزاحم الإيرانيين أمام محلات بيع اللحوم المدعومة. 

وبحسب آخر المعطيات التي نشرها موقع "مركز الإحصاء الإيراني"، في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، حول أسعار مختلف السلع الضرورية، سجلت أسعار المأكولات والمشروبات في إيران ارتفاعا هائلاً بين 22 ديسمبر/ كانون الأول 2018 حتى 20 يناير/ كانون الثاني 2019، بمعدل 56.1%، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي.

وكان النصيب الأكبر لأسعار اللحوم، حيث شهدت ارتفاعاً بنسبة 75.6%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وحوالي 10% مقارنة بالفترة ما بين 22 نوفمبر/ تشرين الثاني حتى 21 ديسمبر 2018.

وحسب تلك الإحصائيات كان الكيلو الواحد من لحم الغنم يباع في الأسواق الإيرانية بـ 40600 تومان، إلا أنه وصل في 20 يناير/ كانون الثاني 2019 إلى 69671 تومان.

علما بأن المعطيات التي نشرها مركز الإحصاء الإيراني لا تغطي الفترة الواقعة بين 20 يناير حتى اليوم، وإذا ما أخذنا هذه الفترة أيضا بالاعتبار، نجد أن نسبة ارتفاع أسعار اللحوم تصل إلى 110%، حيث ارتفع الكيلو الواحد إلى أكثر من 100 ألف تومان (9 دولارات للكيلو الواحد تقريباً) في الشهر الحالي في بعض المدن، منها طهران.

وتعرف أسعار السلع الضرورية في إيران هذا الارتفاع الهائل، بالتزامن مع إطلاق حكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وعودا للمواطنين الإيرانيين، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على مرحلتين في أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ترتبط بتوفير العملة الصعبة بالسعر الحكومي (4200 تومان لكل دولار) لتوفير السلع الأساسية، والحؤول دون ارتفاع أسعارها.

وبحسب تقرير نشرته وكالة "تسنيم" الإيرانية في الثاني من فبراير/شباط الحالي، فإن حاجة إيران السنوية للحوم الحمراء تقدر بمليون طن، تنتج 75 % منها محليا، وتستورد الباقي من الخارج، بمقدار 280 ألف طن سنوياً، بما يعادل قرابة 1.6 مليار دولار.

كما أن إحصائيات نشرها اتحاد نقابة مربي المواشي في إيران خلال يناير الماضي، نقلتها وكالة إرنا الرسمية، تؤكد أن إيران تنتج سنويا 850 ألف طن من اللحوم الحمراء، منها 500 ألف طن من لحوم الأغنام و300 ألف طن من لحوم الأبقار والعجول.

ومن ناحية أخرى، نقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية، في الشهر الماضي، عن مساعد وزير الجهاد الزراعي، مرتضى رضائي، قوله إن معدل الاستهلاك الفردي السنوي للحوم الحمراء، يشهد تراجعا بعد وصوله إلى 12 كيلوغراماً لكل شخص خلال عام واحد.

في حين أن أرقاما نشرتها صحيفة "سازندغي" التابعة لحزب كوادر البناء، في الرابع من الشهر الحالي، تشير إلى أن معدل استهلاك اللحوم الحمراء للعائلة الإيرانية الواحدة، كان 57 كيلوغراماً عام 2007، وتراجع إلى 41 كيلوغراماً عام 2016.

وفي حين أن المتهم الرئيس في الغلاء الذي يضرب الأسواق الإيرانية، هو الضغوط الأميركية التي عزا إليها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، نهاية الشهر الماضي، معظم مشاكل البلاد الاقتصادية، إلا أن ثمة أسبابا أخرى، تقف وراء ذلك، ولا يمكن تجاهلها.

لكن لا توجد رؤية موحدة بشأن تلك الأسباب بين خبراء الاقتصاد الإيرانيين، وحكومة روحاني، وخصومها السياسيين، اتضح ذلك أكثر عند تناول هذه الجهات، العوامل التي تسببت بارتفاع أسعار اللحوم.

وتتفاوت العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في إيران، بحسب خبراء الاقتصاد الإيرانيين والسلطات المعنية، وأبرزها انخفاض قيمة العملة الوطنية وتذبذب سوق العملات في إيران، وكثرة السماسرة والوسطاء في سوق اللحوم، وتهريب المواشي والأغنام إلى الخارج.

وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت مؤخرا أن السبب الرئيس لارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يعود إلى عمليات تهريب المواشي والأغنام إلى خارج البلد، بعد تراجع قيمة الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار.

وفي هذا السياق، نقل موقع "اقتصاد نيوز" الإيراني، في وقت سابق من الشهر الحالي عن وزير الجهاد الزراعي الإيراني، محمود حجتي، قوله إن عمليات تهريب المواشي إلى الدول المحاورة شهدت تزايداً ملحوظاً بعد ارتفاع قيمة عملات هذه الدول، وانخفاض قيمة الريال الإيراني، مؤكدا أن ذلك تسبب في ارتفاع أسعار اللحوم في البلاد.

وأضاف الوزير الإيراني أنه بالرغم من أن استيراد اللحوم خلال الشهرين الماضين كان ضعفي الفترة المشابهة من العام الماضي، إلا أن تصاعد وتيرة عمليات تهريب الأغنام أدى إلى تزايد الطلب في السوق بشكل مطرد، وتبعا لذلك ارتفعت الأسعار، حسب قوله.

ووجه النائب الإيراني المحافظ، حسين علي حاجي دليجاني، الإثنين الماضي اتهاما للسعودية بدفع مبالغ طائلة لشراء المواشي والأغنام الإيرانية، وتهريبها إلى الخارج عبر الحدود الجنوبية والغربية لإيران.

وذكرت وكالة "فارس" أن حاجي دليجاني قال خلال جلسة لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني الإثنين، إن "الوسطاء يتجولون في القرى والمدن الإيرانية لشراء المواشي والأغنام بأسعار عالية، وتهريبها إلى الخارج، وسمعنا أن السعودية تمول ذلك".

وطالب دليجاني رئاسة المجلس بتخصيص جلسة لمناقشة هذا الموضوع بحضور وزارء الأمن والزراعة والداخلية وقائد قوات الشرطة الإيرانية، معتبراً أن ما يجري يشكل "خطراً كبيراً" على أمن البلاد.

وقدمت صحيفة "فرهيختغان" رواية أخرى لعمليات تهريب المواشي، في تقرير لها بعنوان "التهريب المنظم للمواشي" في السابع والعشرين من الشهر الماضي، بالقول إن المواشي المهربة تعاد إلى الداخل كلحوم مستوردة بأسعار مدعومة حكوميا.

تخالف الشرطة الإيرانية رواية الحكومة حول دور تهريب الأغنام في ارتفاع أسعار اللحوم، إذ يقول نائب رئيس قوات الشرطة الإيرانية، أيوب سليماني، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية أخيرا، إن المواشي المهربة لا تشكل سوى 1 % من اللحوم المستهلكة في البلاد.

لذلك لا تترك "تلك الآثار المزعومة" على الأسعار، واصفا تصريحات المسؤولين بوجود حالات تهريب كبيرة للمواشي إلى الخارج بـ "إشاعات"، معتبرا أن عمليات التهريب ليست مقلقة.

يذكر أن وكالة إرنا التابعة للحكومة الإيرانية قد نشرت خلال كانون الثاني/يناير 2019، تقريرا بعنوان "الأرباح الهائلة لمافيا اللحوم"، قالت فيه إن مليون رأس غنم يتم تهريبها إلى الدول المجاورة لإيران سنويا، وأن الشهور التسعة الماضية سجلت تهريب 926 ألفاً و477 رأس غنم إلى الخارج، ما يحقق ارتفاعا بنسبة 457 %، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، وذلك بحسب تقرير نقلته الوكالة عن لجنة مكافحة تهريب السلع والعملات الصعبة.

كما اعتبر مساعد وزير الجهاد الزراعي للشؤون التجارية، علي أكبر مهرفرد، في تصريحات صحافية، نقلتها وكالة "إيسنا" في التاسع والعشرين من يناير الماضي، أن أحد الأسباب الرئيسة لغلاء اللحوم الحمراء، هو تعدد السماسرة والوسطاء التجاريين "الانتهازيين" الذين يدفعون باتجاه ارتفاع الأسعار، مطالبا بتشديد عمليات الرقابة لمكافحة هذه المخالفات القانونية.

ومن جانب آخر، فرضت مسألة اللحوم نفسها في السجالات السياسية في إيران، فأضيفت كعنوان آخر إلى ملف التراشق السياسي بين الحكومة الإيرانية وخصومها السياسيين.

واعتبر التيار المحافظ أن الغلاء الفاحش في أسعار اللحوم سببه "سياسات فاشلة" لحكومة الرئيس روحاني من خلال الرهان على نتائج الاتفاق النووي.

إذ قال خطيب جمعة طهران، كاظم صديقي، خلال خطبته في السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، إن وصول أسعار اللحوم الحمراء إلى أكثر من 100 ألف تومان يعتبر من نتائج الاتفاق النووي.

وسأل في الوقت نفسه "ما هي الضمانات لعدم زيادة الضغوط على البلاد، إذا ما انضمت إلى مجموعة العمل المالي الدولي "فاتف" حيث تشهد أروقة السياسة في إيران هذه الأيام، انقساما بشأن الانخراط من عدمه في هذه المجموعة؟".

المساهمون