قطر في الذكرى الثالثة للحصار: إنجازات حصّنت الاقتصاد

قطر في الذكرى الثالثة للحصار: إنجازات حصّنت الاقتصاد

05 يونيو 2020
تقدم كبير في تنويع مصادر الدخل (Getty)
+ الخط -
يقول مدير عام غرفة تجارة وصناعة قطر، صالح بن حمد الشرقي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن تجربة الحصار التي تتعرض لها قطر منذ ثلاثة أعوام شكلت عاملاً محفزاً نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات على كافة المستويات، لافتاً إلى أنها برهنت على أن الخطط والاستراتيجيات التي تبنّتها الدولة تسير في طريقها الصحيح. 

وقبل ثلاثة أعوام في 5 يونيو/حزيران 2017، أقدمت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، على قطع علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصاراً برياً وجوياً وبحرياً جائراً، عقب حملة "افتراءات وأكاذيب"، أكدت الدوحة أن هدفها المساس بسيادتها واستقلالها.

وأثبت الاقتصاد القطري صلابة وصمودا خلال الحصار، ما حوّل النقمة إلى نعمة، تجلّت في العديد من الإنجازات الصناعية والتجارية والزراعية والمالية، إلى جانب قفزات في أنشطة الطاقة والغاز وتوسيع الاستثمارات الداخلية والخارجية.

وقد صنَّف تقرير التنافسية العالمية لسنة 2019 قطر كأحد الاقتصاديات الأكثر تنافسية في الدول العربية، إذ حصلت على المرتبة الثانية عربيا و29 عالميا.

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن قطر ستكون من بين ست دول في العالم تحقق فائضاً في موازنة هذا العام، رغم تداعيات جائحة كورونا التي أثرت على اقتصاديات دول العالم الكبرى بشكل لافت.

وأظهر الاقتصاد القطري كفاءة ومرونة في مواجهة الحصار، وحلّت قطر ضمن الـ30 الكبار عالميا في تقرير التنافسية العالمية لعام 2019 الصادر عن منتدى "دافوس" للاقتصاد العالمي. فيما شغلت المرتبة الأولى عربيا وضمن الـ10 الكبار عالميا في أكثر من 20 مؤشرا ضمن تقرير التنافسية.

وتقدمت قطر مركزا واحدا في الترتيب العام لتحتل المرتبة 29 عالمياً، وهو ما يعني تفوقها على 112 دولة في التصنيف الذي يضم 141 دولة حول العالم.
وتبوأت قطر مواقع الصدارة عربيا، وجاءت ضمن المراكز العشرة الأولى عالميا في حزمة من المؤشرات الفرعية ضمن تقرير التنافسية العالمية.

ويقول المتخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي، بمركز الاقتصاد الكلي في جامعة كمبردج البريطانية، خالد بن راشد الخاطر، لـ "العربي الجديد"، إن الحصار فشل وأدى إلى نتائج عكسية. فهدف دول الحصار كان كبح جماح صعود قطر والحد من استقلاليتها ووضعها تحت الوصاية السعودية ووصاية دول الحصار.

ويوضح أنه لتحقيق ذلك كان لابد من كسر قوة قطر الاقتصادية، سواء كان ذلك من خلال الحرب الاقتصادية على قطر ومحاولات ضرب العملة الوطنية الريال وزعزعة الاستقرار المالي والاقتصادي، أو من خلال الحصار بشكله الأوسع، بمحاولة تدمير كل ما يغذي صعود قطر من موارد ويرمز له من مظاهر قوة صلبة كانت أم ناعمة، اقتصادية كانت كثروات قطر الطبيعية، واستثماراتها الخارجية، والخطوط الجوية القطرية، أم إعلامية أو رياضية كتنظيم قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022.

ويؤكد الخاطر، أنه عوضا عن أن يضعف الحصار الرباعي الاقتصاد القطري، أدى إلى تقويته، من خلال اعتماده أكثر على الذات، ومعالجة أوجه الخلل، والحد من الانكشاف على دول الحصار، والتنويع بالضرورة مع شركاء قطر الاقتصاديين، وتقوية علاقاتها الجيواقتصادية، والمضي قدما في بناء اقتصاد قوي بمعزل عن جيران لا يمكن الوثوق بهم، لتجنب التعرض للصدمات وزعزعة الاستقرار الاقتصادي مستقبلًا.

وواصلت قطر، أكبر منتج ومصدّر للغاز الطبيعي المسال، بنسبة تصل إلى 30 في المائة من الإنتاج العالمي للغاز، مشاريعها التوسعية والإنتاجية وخططها الاستثمارية، وبدّدت أي أثر محتمل للحصار، وتجلّى ذلك عندما أعلنت "قطر للبترول"، بعد أيام من فرض الحصار، وتحديدا مطلع يوليو/تموز 2017، عن خطة لرفع الطاقة الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليوناً إلى 100 مليون طن سنوياً، وذلك بإضافة خط إنتاج رابع للغاز الطبيعي المسال، ومضاعفة الطاقة الإنتاجية لمشروع تطوير الغاز من القطاع الجنوبي لحقل الشمال، من ملياري قدم مكعبة في اليوم إلى 4 مليارات قدم مكعبة.

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت "قطر للبترول" زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى 126 مليون طن سنوياً بحلول 2027.

ورغم الحصار الجائر، فإن دولة قطر ما زالت تؤمّن 40% من احتياجات الإمارات من الطاقة. وبحسب الرئيس التنفيذي لقطر للبترول، سعد بن شريده الكعبي، فإن صلاحية العقد القاضي بتزويد الإمارات بالغاز القطري تمتد إلى عام 2032، وإن قطر ستواصل إمداد الإمارات بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، تديره شركة "دولفين للطاقة"، يمتد على مسافة 364 كيلومتراً من راس لفان في قطر إلى أبوظبي في الإمارات، وما بعدها إلى سلطنة عمان.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن قطر ستنجح في أفق عام 2020 في تمويل كامل موازنتها الحكومية من إيرادات استثمارات جهاز قطر للاستثمار. وبحسب تصنيف معهد صناديق الثروة السيادية الأميركي، فإن جهاز قطر للاستثمار، يعد عاشر أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم.

وكشف الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، منصور بن إبراهيم آل محمود، خلال مشاركته في منتدى "دافوس" الاقتصادي، مطلع العام الجاري، أن حجم أصول الجهاز الحقيقية يبلغ 1.2 تريليون ريال (329.6 مليار دولار).

وقد واصل الصندوق السيادي القطري استثماراته الداخلية وكذلك في الأسواق الكبرى، خاصة في القارتين الأميركية والأوروبية، وتقدّر استثمارات الجهاز فيهما بـ 135 مليار دولار، بالإضافة إلى نحو 30 مليار دولار في آسيا، من ضمنها 10 مليارات دولار في الصين، و13 مليار دولار في روسيا.

ويستثمر الصندوق القطري أمواله في شركات وبنوك عالمية كبرى، منها "دويتشه بنك" و"باركليز" و"بنك أوف أميركا" و"كريدي سويس" السويسري و"فولكسفاغن" للسيارات، وهذه الاستثمارات توفر عوائد ضخمة لقطر.

وعلى صعيد الناقل الجوي الوطني، وصلت زيادة العائدات السنوية (2018 - 2019) إلى 14% وبلغت 48 مليار ريال، تعادل 13.2 مليار دولار، رغم أن دول الحصار منعت الطائرات القطرية من التحليق فوق أجوائها أو تشغيل أي رحلات إلى مطاراتها، ومنعتها من استخدام الممرات الجوية الدولية فوق أجوائها، الأمر الذي أثر سلباً على عمليات "القطرية" بتقليص عدد الممرات الجوية التي تستخدمها من 18 ممراً إلى ممرين فقط، فيما انخفض عدد الرحلات اليومية إلى ما دون 600 رحلة، وفقا للرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية، أكبر الباكر.

وتسير نسب الاكتفاء الذاتي في قطر وفق الخطط الموضوعة لها، وستحقق قفزة نوعية في الأرقام بنهاية 2021؛ لأن المشاريع التي أُطلقت في بداية انطلاق الاستراتيجية أصبحت على وشك الإنتاج، بحسب مدير إدارة الأمن الغذائي في وزارة البلدية والبيئة القطرية، مسعود جار الله المري.

وأكد المري، في حوار مع "التلفزيون العربي" أخيرا، أن قطر كانت لديها استراتيجية للأمن الغذائي قبل الحصار الجائر، ولكن كانت بمعطيات مختلفة، وبعد الحصار تطلّب الأمر وضع استراتيجية جديدة، وضعت حسب المعطيات الجديدة.

وأشار إلى أن قطر قبل أزمة الحصار كانت تستفيد من موارد جيرانها من صناعات وعلى رأسها الألبان، كتكامل خليجي، وكان هناك بعض الصناعات القطرية الموجودة في الدوحة، ولكن ليست بهذا الحجم.

ولفت إلى أن قطر بعد الأزمة عملت على تنويع مصادر الاستيراد، وتحقّق ذلك في فترات قياسية؛ نتيجة لما تتمتع به الدولة من وضع اقتصادي جيد، بالإضافة إلى الأذرع الاستثمارية كشركة حصاد الغذائية، والخطوط الجوية القطرية.

ويؤكد مدير عام غرفة تجارة وصناعة قطر، صالح بن حمد الشرقي، على الدور الحيوي الذي قام به القطاع الخاص، ولعب منذ اليوم الأول للحصار، دورا بارزا في تأمين حاجة السوق من المواد الغذائية المختلفة، وبأسعار مناسبة وبوقت قياسي، من خلال استثمار العلاقات التجارية والاقتصادية التي تربطهم مع مختلف دول العالم سابقا.

ولفت إلى دور غرفة تجارة وصناعة قطر في التواصل مع نظرائها بمختلف الدول وتنسيق اللقاءات والزيارات بين الوفود الأجنبية والجانب القطري. هذا، بالإضافة إلى تنظيم الغرفة زيارات لأصحاب الأعمال القطريين إلى دول شقيقة وصديقة، أهمها سلطنة عمان والكويت وتركيا وغيرها.

وتجاوز عدد الشركات الجديدة التي تأسست في ظل الحصار 47 ألف شركة، وبلغ عدد المنشآت الصناعية المسجلة العاملة والمرخصة مع نهاية عام 2019 نحو 1464 منشأة صناعية بمختلف القطاعات الصناعية الاستهلاكية والتحويلية مقارنة بنحو 1333 منشأة في منتصف عام 2017 وبنحو 1171 بنهاية عام 2016، وفقا للشرقي.

وحول مدى تأثر مشاريع مونديال قطر 2022 بالحصار، يقول الشرقي لـ "العربي الجديد" إن أيا من مشاريع المونديال لم تتأثر بالحصار، بل بالعكس ارتفعت وتيرة تسليم المشاريع وأنجز العديد منها قبل موعدها المحدد، وذلك بفضل إجراءات توفير خطوط شحن بديلة عبر دول شقيقة وصديقة مثل عُمان والهند وتركيا وغيرها، والاستفادة من مطار حمد الدولي وميناء حمد في توفير احتياجات الدولة بشكل كامل.

وبالفعل، جرى تدشين اثنين من استادات المونديال هما استاد خليفة الدولي، واستاد الجنوب، كما سيشهد العام الجاري الإعلان عن جاهزية ثلاثة استادات أخرى هي استاد المدينة التعليمية، واستاد الريان، واستاد البيت، على أن يجري افتتاح الاستادات الثلاثة المتبقية قبل وقت كافٍ من انطلاق المنافسات.

كذا، أثبت القطاع المالي والمصرفي القطري، صموداً قوياً في وجه الحصار، وحققت جميع المصارف العاملة في قطر أرباحاً.

ويقول الخبير المالي والمصرفي قاسم محمد قاسم، لـ "العربي الجديد"، إن القطاع المصرفي القطري يتميز بأنه منظم بدرجة عالية حتى قبل الحصار، وأن رسملته مرتفعة ويتمتع بدرجة عالية من السيولة ويسنده اقتصاد قوي، ودولة متفاعلة صمدت أمام أسوأ التحديات وساندت قطاعها المصرفي ودافعت عن عملتها الوطنية.

ويرى قاسم أن القطاع المصرفي تأقلم مع الحصار ونجح في تجاوز آثاره في وقت قياسي، ولم يشهد المودعون أي نقص في السيولة، كما أن الوسط التجاري لم يصادف أي مشاكل في تسوية التزاماته بالعملات الأجنبية، واستمرت التعاملات كالمعتاد من دون آثار تُذكر.

المساهمون