مساع اقتصادية لإنقاذ أوروبا من براثن كورونا

مساع اقتصادية لإنقاذ أوروبا من براثن كورونا

02 يونيو 2020
الركود في بعض الدول ستكون له أبعاد تاريخية(فرانس برس)
+ الخط -
يعيش هذه الأيام العمل الأوروبي المشترك أزمة على المستوى الاقتصادي، بفعل وضع بعض الدول عراقيل أمام مشروع مالي لإنقاذ دول الاتحاد الأكثر تضررا من جائحة كورونا.
وبسبب مواقف معارضة من مجموعة دول، النمسا والسويد والدنمارك وهولندا، ويطلق عليها اليوم اسم "المتقشفة الأربع"، وجدت رئيسة المفوضية، أورسولا فون ديرلاين، نفسها مضطرة للتدخل لتمرير المشروع الذي بموجبه سيتم ضخ 500 مليار يورو كمنح في شرايين الاقتصادات المتعثرة، ونحو 250 مليارا مخصصة على شكل قروض.

فون ديرلاين اعتبرت الأربعاء الماضي في 27 مايو/أيار، أمام البرلمان الأوروبي، أن إعادة وقوف الاقتصادات الأوروبية على قدميها مجددا أمر حيوي وطارئ. وفتحت الأبواب أمام نقاش حول زيادة في موازنة الاتحاد للسنوات السبع القادمة، لمواجهة آثار الجائحة.

وتثير معارضة بعض الدول الأوروبية لسياسة المنح وزيادة الموازنة سجالا وضغوطا في الكواليس، وخصوصا الموقف الدنماركي، بحسب اعتراف رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن، الجمعة الماضي، بأنها تواجه ضغوطا أوروبية، وبالأخص ألمانية لتغيير موقفها.

وفي حين ترى الدول الأربع أن المبالغ المقترحة يجب أن تكون على شكل قروض وليست منحاً غير مسترجعة، يرى الحليفان الألماني والفرنسي، صاحبا أكبر اقتصادات منطقة اليورو، وبدعم إيطالي، أن المبلغ حيوي لعودة القارة إلى سابق عهدها، وإلا فستجد أوروبا نفسها تعود إلى البداية.

فون ديرلاين أبدت مخاوفها من السجال وانقسام المواقف، إذ سجلت أن "نموذجنا الأوروبي المشترك، الذي بني عليه الاتحاد الأوروبي خلال 70 سنة لم يواجه مثل هذا التحدي التاريخي".

وأضافت أن "المشروع الأوروبي المشترك يجثو على ركبتيه، والسوق الموحدة، التي اعتبرناها أمرا مسلما به، يجب أن يقفا على ساقيهما مرة أخرى".

في كلامها الموجه لممثلي شعوب الاتحاد في برلمانهم المشترك تجد فون ديرلاين أن "الأزمة كبيرة وتضطرنا لاتخاذ خطوات استثنائية.. فالركود في بعض الدول ستكون له أبعاد تاريخية".

والسؤال الذي يوسع السجال المالي-السياسي يتعلق أيضا بموازنة الاتحاد بعد خروج بريطانيا، حيث يجد معارضة من بعض الدول الـ27، وهو تحد آخر لرئيسة المفوضية ودول أخرى تساندها في منطقة اليورو.

لكن السجال الساخن والطارئ يتعلق الآن بأموال إعادة تحريك عجلة اقتصاد الدول المتضررة.
ومن بين ما هو مقترح للتعجيل بخطوات تبني المشروع وتخصيص الأموال في الخطة الإنقاذية، تسوية تجمع بين اعتبار الـ500 مليار مزيجا من منح وقروض، ولكن هذا يجد معارضة في باريس وبرلين وروما وغيرها، باعتبار أنه جرى تخصيص 250 مليارا على شكل قروض.
الموازنة سجال متجدد

على دول الاتحاد الاتفاق على موازنة السنوات السبع القادمة، بانتهاء إطارها الحالي مع نهاية العام، ودخول الموازنة الجديدة مع مطلع 2021. وسجال الموازنة الأوروبية ليس جديدا، وليس أسهل في زمن جائحة كورونا، مع معاناة كل دولة على حدة، فقد شهدت دول الاتحاد نزاعات سابقة حول الموازنة مع إيطاليا، ومشاغبة مالية وسياسية من قبل دول كالمجر وبولندا.
وما من شك في أن أوروبا تعاني من الخروج البريطاني، بثقلها المالي في موازنات الاتحاد، وهذا لا يخفف الأعباء عن الدول الـ27، وبالأخص أكبر الاقتصادات الأوروبية، كبرلين وباريس، ودول الشمال الثرية، التي تمارس عليها ضغوط للقبول بالمنحة المالية وزيادة نسبة مساهمتها في الموازنة.

وكان الاتحاد بالأصل يعاني، قبل تفشي كورونا، أثناء التفاوض على الموازنة، تحت ضغوط دول اسكندنافية وهولندا والنمسا وإيطاليا وغيرها للتخفيض لا الزيادة، لكن يبدو أن الوباء وخروج بريطانيا يفرضان واقعا جديدا، تأمل من خلاله المفوضية زيادة مساهمة الدول من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي إلى 1.74% لمواجهة تحديات مستقبلية.

وسيناريو زيادة الموازنة يُعقد مطلب تخصيص 500 مليار يورو كمنح، و250 مليارا كقروض من قبل المفوضية، فهذه الإجراءات الأوروبية، التي انطلقت من برلين وباريس بالأساس، يراد منها تمكين الدول، من خلال المفوضية، التقدم بطلب الحصول على دعم وطلب قروض من سوق رأس المال.

والقروض لا خلاف كبير حولها، إنما قصة منح أموال "مجانية" من دون استرجاعها هي العقبة الكبرى، التي تعارضها أربع من دول الاتحاد، وهو ما تحاول المفوضية تذليله من خلال ضغوط للتوصل إلى تسوية بشأنه، ولهذا تدخل رئيسة المفوضية على الخط اليوم.

وما يزيد الأمر تعقيدا أن رئيس الوزراء الإيطالي، الذي توافق بلاده على سياسة المنح المالية، هدد بمعارضة الـ250 مليارا المخصصة كقروض، إذا لم يجرِ تمرير 500 مليار على شكل منح، وهو موقف يتفق فيه الإيطاليون مع موقف فرنسي يقضي بأنه لن تعطي باريس موافقتها على سياسة الإقراض إذا لم يترافق المشروع مع منحة 500 مليار على الأقل لإنقاذ السوق الأوروبية المتعثرة.

وبمعنى آخر ستكون أوروبا على موعد مع مفاوضات قاسية جدا، إذا لم تتوصل إلى تسوية، حين تبدأ المفاوضات الرسمية في منتصف يونيو/حزيران، لتمرير الحزمة الإنقاذية المقترحة.


صراع على 500 مليار يورو

رغم أن بعض الدول ترى المبلغ المقترح متواضعا، وتتحدث عن أن الحاجة تفوق 3 آلاف مليار يورو، إلا أن أخرى، وبالأخص في شرق أوروبا ووسطها، مثل المجر والتشيك وبولندا، ترى أنه من غير العادل تخصيص صندوق منح مالية للدول المتعثرة بسبب كورونا "وهي أصلا كانت متعثرة قبل كورونا"، بحسب الموقف المجري، كما نقله التلفزيون الدنماركي الخميس الماضي، في معرض استعراضه لهذه الأزمة.

وهناك دول مثل إسبانيا وإيطاليا ستكون المستفيدة الأكبر من سياسة المنح المالية، باعتبار اقتصادات الدولتين الأكثر تضررا نتيجة الجائحة.


ورغم أن بودابست ستستفيد أيضا من هذه الأموال، إلا أن مراقبين يصورون موقف المجر "مناكفة" خلطت السياسة بالمال لتخفيف الانتقادات والضغط على رئيس الوزراء فيكتور أوربان.

وإلى جانب إيطاليا وإسبانيا، فإن ليتوانيا وسلوفاكيا ستستفيدان من تقسيم الـ500 مليار يورو، إلى جانب فرصة التقدم للحصول على قروض من نحو 250 مليارا، وهو ما تؤكد مدريد وروما أنهما ستفعلانه لإنقاذ وضع اقتصادي شبه منهار في البلدين، وهو ما يعارضه بعض دول شرق القارة، وعلى رأسها المجر.

أيضا، ينزعج قادة بعض الدول الأصغر حجما من إيطاليا وإسبانيا، كون المبالغ ستوزع بحسب عدد سكان الدول "وبشكل موثق عن حاجة الاقتصاد للدعم"، بحسب ما ذهبت المفوضية الأوروبية في السجال المندلع منذ إبريل/نيسان الماضي.​

دلالات

المساهمون