أزمة في تمويل حزمة إنعاش الاقتصاد الأميركي

أزمة في تمويل حزمة إنعاش الاقتصاد الأميركي

10 ابريل 2020
الرئيس ترامب مع وزير خزانته ستيفن منوتشن (Getty)
+ الخط -


بعد إقرار أكبر حزمة إنقاذ في تاريخ الاقتصاد الأميركي، بمبلغ يتجاوز 2.2 تريليون دولار، وجد الرئيس دونالد ترامب، ومن ورائه الكونغرس، مشكلة في تدبير المبالغ المطلوبة.

حدث ذلك في وقتٍ يشهد الاقتصاد أكبر عجز في الميزانية وتعاني أغلب البنوك من أزمة سيولة استدعت تدخّل بنك الاحتياط الفيدرالي، من قبل ظهور أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بشهور وحتى الآن، بينما ظروف الأسواق لا تشجع على تقديم أي قروض، حتى لأكبر الشركات في العالم. 

وفي حين اشتملت حزمة الإنقاذ على مبالغ موجهة للأفراد، ولكبرى الشركات المتضررة من أزمة الفيروس وجهود الحد من انتشاره، كانت الشركات الصغيرة، البالغ عددها في الولايات المتحدة 30 مليون شركة، وتوظف أكثر من 60 مليون مواطن، أو ما يقرب من نصف العاملين في القطاع الخاص على، رأس اهتمامات وزارة الخزانة وبنك الاحتياط، ليبدأ بها تنفيذ البرنامج الأضخم لإنقاذ اقتصادات العالم، لا الأميركي وحده.

وبعد أن تم إطلاق "برنامج حماية الأجور"، الذي تقرض البنوك الأميركية من خلاله الشركات الصغيرة المتضررة من الأزمة، يوم الجمعة الماضي، لمساعدتها على الاحتفاظ بسيولتها اللازمة لاستمرار دفع أجور العاملين لديها خلال الشهور القادمة، قال ستيفن منوتشن، وزير الخزانة، على حسابه على تويتر، الثلاثاء، إنه طلب من الكونغرس، بتوجيهات من ترامب، تخصيص 250 مليار دولار إضافية، لمقابلة طلبات الشركات الصغيرة الحصول على قروض تساعدها في الخروج من الأزمة الحالية. وقال ترامب "ستَنْفَذ الأموال التي تم تخصيصها سريعاً، لكن ذلك أمر حسن في هذه الحالة وليس أمراً سيئاً".
وبعد أن أحجمت البنوك الكبيرة عن الاشتراك في البرنامج في بداية الأمر، خوفاً من تعثّر الشركات المقترضة بعد ارتفاع درجة المخاطر فيها، ولارتفاع مديونيات بعضها مقارنة بميزانيتها قبل اندلاع الأزمة، خفف البنك الفيدرالي من القيود المفروضة على البنوك عند الإقراض. كما أعلن الفيدرالي عن شراء بعض القروض المقدمة من تلك البنوك، لضمان توفير السيولة المطلوبة للشركات.

وعلى نحو متصل، عقد ترامب الثلاثاء مؤتمراً عبر الهاتف مع رؤساء البنوك الكبيرة، طالبهم فيه بـ"الاستمرار في عمل كل ما يمكنهم عمله لمساعدة الشركات الصغيرة بالبلاد خلال فترة الوباء". وعبّر ترامب لرؤساء البنوك عن جزيل شكره لاستجابتهم، شاكراً لهم "تبرعهم بعشرات الملايين من الدولارات".

وفي خطاب أرسله البيت الأبيض للصحافيين، وتحتفظ "العربي الجديد" بنسخة منه، أعرب البيت الأبيض عن تقديره لالتزام ملايين الأميركيين بالبقاء في منازلهم لإبطاء انتشار الفيروس، مؤكداً أنهم "يستحقون كل ما يمكن تقديمه من مساعدة"، مضيفاً أن "ترامب طلب من الكونغرس مخصصات إضافية لمساعدة الشركات والعمالة التي لديها".

واصطدمت محاولات الحزب الجمهوري بقيادة وزير الخزانة لتوفير المزيد من المليارات، بجهود مضادة قام بها الديمقراطيون في الكونغرس، من أجل توفير المزيد من المليارات أيضاً، ولكن في إطار خطة متكاملة لمساعدة الحكومة الفيدرالية على مواجهة آثار الوباء. 
وبعد إسراعه في تمرير ثلاث حزم خلال الشهر الماضي لإنعاش الاقتصاد وتعويض الأفراد والشركات المتضررة، أصبح الكونغرس أكثر تردداً في الموافقة على مزيد من الإنفاق، بينما انتشار الفيروس مازال مستمراً في البلاد.

وقالت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب "أي مبالغ إضافية لمساعدة الشركات الصغيرة لابد أن تكون مصحوبة بزيادة في المبالغ المخصصة للولايات وحكوماتها المحلية".

ورغم تأكيد ترامب على رغبته في توفير الأموال المطلوبة للشركات الصغيرة هذا الأسبوع، أكدت بيلوسي في لقاء مع محطة "ان بي آر" الإذاعية الأميركية، أن "خطة الحزب الجمهوري لن تمر في مجلس النواب، حيث إن أعضاءه غادروا واشنطن، وأي تصويت عن بعد سيمكن إيقافه بواسطة الأعضاء الديمقراطيين". وقال ترامب "أتمنى أن نحصل على موافقة الحزبين، فلا يوجد لدينا وقت للألعاب الحزبية".

وبعد أن توقع مكتب الموازنة التابع للكونغرس، قبيل اندلاع أزمة الفيروس، أن يسجل عجز الموازنة الأميركية مستوى قياسياً يتجاوز تريليون دولار، اضطر الكونغرس إلى الموافقة على توجيه تريليونات الدولارات الإضافية لإصلاح ما أفسده الفيروس، من خلال بدائل ثلاثة متاحة أمام الخزانة للاقتراض، يعرف منوتشن أن أحلاها في الوقت الحالي مر.

البديل الأول هو الاقتراض من البنوك، التي يعرف الجميع أنها تعاني من نقص سيولة واضح على المدى القصير، والثاني هو الاقتراض من البنك الفيدرالي، المتخمة ميزانيته بما اشتراه وبما تعهّد بشرائه من السندات، لضمان عدم حدوث أزمة مالية، على غرار ما حدث في 2008، ليبقى البديل الأخير أمام الخزانة، وهو ما يعرف بـ"التمويل بالتضخم"، ويقصد به طباعة مليارات الدولارات. ويحدث كل ذلك، في وقت وصل فيه الدين الأميركي العام إلى أعلى مستوياته في التاريخ، متجاوزاً 24 تريليون دولار. 
وفي دراسة نشرها معهد السياسة الاقتصادية الثلاثاء، وشارك في إعدادها ثلاثة من أهم باحثيه، أكد المعهد أن أكبر خطأ حدث في حزم الإغاثة والإنعاش السابقة كان تخصيص الكثير من المساعدة لعمليات الإنقاذ المالي للشركات الكبيرة، رغم عدم توفر ضمانات كافية لاحتفاظ تلك الشركات بالعمالة.

وقال الباحثون "وافق المشرعون على أكثر من 450 مليار دولار من المساعدات المالية المباشرة لهذا الغرض، مع وجود احتمالات كبيرة للحصول على قروض مدعومة من البنك الفيدرالي، رغم أن هذه المساعدات (باستثناء شركات الطيران) لم يظهر ارتباطها بالحفاظ على العاملين العاديين في كشوف المرتبات".

وفي مقالٍ حديث له، نشره يوم الأربعاء، قال دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز أبحاث السياسة والاقتصاد، والأستاذ الزائر في جامعة أوتا، "يبدو أن كورونا سيلقّن واضعي السياسات لدينا درساً في الدين وعجز الميزانية".

دلالات

المساهمون