جائحة كورونا تهدد بتعميق فقر فلسطينيي الداخل

جائحة كورونا تهدد بتعميق فقر فلسطينيي الداخل

07 ابريل 2020
يعاني الفلسطينيون من تضييق الاحتلال على كافة المستويات (الأناضول)
+ الخط -

أكد عدد من المسؤولين ورؤساء السلطات المحلية للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني أن استمرار أزمة كورونا من شأنه أن يهدد الأمن الغذائي والقوت اليومي لعشرات آلاف العائلات الفلسطينية في الداخل.

وجاءت هذه التهديدات في ظل ارتفاع حالة البطالة في الأراضي المحتلة والتي وصلت إلى نحو 25% عموما، مع استفحالها بشكل خاص في البلدات العربية.

وتبين هذا الأسبوع من معطيات رسمية نشرت في صحف الاحتلال الإسرائيلية أن مدينة الناصرة سجلت أعلى نسبة بطالة منذ مارس/آذار الماضي لتصل نسبة البطالة الرسمية والمعلنة فيها إلى 45%، فيما تجاوزت نسبة البطالة 30% على الأقل في كل من مدينة أم الفحم، ومدينة رهط في النقب، ناهيك عن تسجيل معدلات مشابهة في قرى أخرى تعتمد أساسا على العمل في قطاعات تم إغلاقها في كيان الاحتلال بعد خفض النشاط الاقتصادي إلى 15%.

وحذر عدد ممن تحدث إليهم "العربي الجديد" من تفاقم الوضع الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني الشهر المقبل، لحد حدوث عجز عن القدرة على توفير الأسر لقوتها اليومي ومخاوف من انتشار الجوع والعوز، كما قال لـ"العربي الجديد" رئيس بلدية رهط، الشيخ فايز أبو صهيبان، علما بأن رهط هي أكبر مدينة في النقب للفلسطينيين البدو.

ووفقا لما قاله أبو صهيبان، فإن 90% من سكان رهط يعملون أجراء خارج البلدة في مصانع إسرائيلية مختلفة وفي سوق الخدمات، التي تم وقف العمل فيها وفق القرارات الحكومية الأخيرة، مما زاد من نسبة البطالة الفعلية، وليس الرسمية فحسب.

وبحسب أبو صهيبان فإن حقيقة كون العائلات في رهط كثيرة الأولاد، ومقابل وضعها الاقتصادي المتدني، ينذر بخطر حدوث نقص شديد في الطعام والعوز إذا استمرت الأوضاع الحالية.

وأشار إلى أنه اضطر كرئيس للبلدية لتسريح 70% من العاملين في السلطة المحلية في إجازات غير مدفوعة الأجر، وتحول هؤلاء إلى مؤسسة التأمين الوطني لتلقي رسوم البطالة التي تصل فقط إلى 70% من مجمل الراتب العادي.

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تصل نسبة من يعيشون تحت خطر الفقر من العرب الفلسطينيين في الداخل إلى خمسين بالمائة وفق المعطيات الرسمية لمؤسسة التأمين الوطني، من يناير العام الحالي والمسح الرسمي الذي أجرته جمعية الجليل للأبحاث الصحية، وتعلقا بالوضع العام للفلسطينيين في الداخل وفق نتائج العام 2018.

لكن حالة التدهور في الأوضاع الاقتصادية ليس مقصورة على البلدات التي كانت تعرف عموما بأنها فقيرة أو تعاني من بطالة عالية، بل شملت مدنا وبلدات كانت تصنف ضمن تلك التي توجد فيها طبقة وسطى وحركة اقتصادية نشطة.

وتشكل مدينة الناصرة في هذه الظروف مثالا لنتائج عدم توافر اقتصاد فلسطيني متين يمكن له دعم الاقتصاد المجتمعي. فقد أشارت معطيات مؤسسة التأمين الوطني إلى أن مدينة الناصرة من أكثر البلدات تضررا بفعل اعتماد اقتصادها على السياحة والخدمات المرافقة، وفق ما قال لـ"العربي الجديد" سالم شرارة، الناطق الرسمي باسم بلدية الناصرة.

وأوضح شرارة، أن الضربة الرئيسية الأولى التي تلقتها الناصرة جاءت بعدما تبين أن وفدا سياحيا من كوريا الجنوبية، وهو نفس الوفد الذي نقل العدوى لمدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، تجول في الناصرة وزار كنائسها وسوقها العام، فأحدث نشر الخبر حالة من التردد في القدوم لمدينة البشارة.

وبحسب شرارة، فإن نسبة البطالة الحقيقية أعلى مما نشر بكثير، إذ إن مئات من العاملين في الخدمات المساندة لقطاع السيادة فقدوا أعمالهم، ولكونهم مستقلين، فإنه لا يتم بالضرورة اعتبارهم عاطلين عن العمل، وهو ما ينطبق على أصحاب عشرات المصالح التجارية والسياحية في المدينة.

ولا يختلف وضع مدينة أم الفحم، عن وضع الناصرة، فمع أنها ليست مدينة سياحية إلا أنها تشكل مركزا تجاريا واقتصاديا لقرى المثلث المحيطة بها، وحتى قرى مرج بن عامر. وقد ارتفعت البطالة في المدينة منذ مارس/آذار من 9% إلى 30% خلال شهر واحد.

وقال المحامي وسام قحاوش، وهو رجل أعمال وشغل في السابق منصب القائم بأعمال رئيس البلدية، إن اقتصاد أم الفحم يعتمد أساسا على محال وأعمال تجارية واقتصادية عائلية. وقد تضرر هذا القطاع بفعل قرار وقف النشاط الاقتصادي العام إلا للمجالات الحيوية، ما يزيد من تدهور الأوضاع في المدينة، رغم أنها تملك شريحة اجتماعية قوية، من الطبقة الوسطى إلا أن التدريج الاقتصادي الاجتماعي للمدينة متدن، ونسبة الفقر فيها قد تتفاقم.

وأشار قحاوش إلى أن المجتمع البلدي في أم الفحم يتسم بقوة التكافل الاجتماعي، وتنشط لجان إغاثة وزكاة ومبادرات اجتماعية محلية بشكل تلقائي لمنع تدهور عائلات إلى حالة العوز. ولفت إلى أنه من 67 محلا تجاريا في المجمع التجاري الذي يشارك في ملكيته، أغلقت ولم يبق مفتوحا إلا صيدلية. والحال ينطبق على مراكز الحركة الاقتصادية في المدينة باستثناء محال المواد الغذائية وبعض الورش الصغيرة لأصحاب المهن، والتي تسجل بدورها هبوطا وتراجعا في طلبات العمل.

وأبرز قحاوش تحرك جمعيات الإغاثة والمراكز الجماهيرية لجمع المؤن الغذائية، مشيرا إلى أن المدينة حاليا ليست في وضع طارئ، لكن يجري العمل تحسبا لنتائج وتداعيات استمرار الأزمة، وسط نشاط عدد من الجمعيات الأهلية لتوفير مخزون من المواد الغذائية والأساسية لتكون جاهزة لتوزيعها على الأسر المتضررة.

في المقابل، قال الخبير الاقتصادي، أمين فارس، ابن مدينة الناصرة، إن استمرار أزمة كورونا وعدم عودة الاقتصاد إلى نشاطه السابق، يعني أن الوضع الاقتصادي عند الفلسطينيين في الداخل سيزداد تدهورا، وخصوصا إذا طالت الأزمة خلال شهر رمضان وشهري مايو/أيار ويونيو/حزيران.

من جهته، قال غازي عيسى مدير عام جمعية الإغاثة 48 لـ"العربي الجديد"، تعقيبا على هذه المعطيات: "نشهد في لجنة الطوارئ وجمعية الإغاثة ازديادًا ملحوظًا في أعداد المتوجهين لطلب المساعدة لأن مجتمعنا العربي يعيش ظروف بداية أزمة اقتصادية كبيرة لا نعلم مداها. وستأخذ تبعاتها بالتفاقم والتأثير على شرائح جديدة خرجت لإجازة دون راتب وستنضم إلى مئات آلاف العاطلين عن العمل مع الأخذ بالحسبان أنها قد لا تعود للعمل قريبًا".

وأضاف عيسى: "لقد قدمنا أكثر من 14 ألف طرد غذائي، ونحن على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد مع العلم أن هذه الأزمة ستؤثر علينا بشكل مباشر، لذا فإن دورنا في المرحلة القادمة سيقتصر بالأساس على المساهمة في التخفيف عن الحالات الصعبة التي تحتاج إلى أمان غذائي أساسي، ولن يكون بمقدورنا تلبية الاحتياجات التي تُقدم لنا لأن الأعباء كبيرة جدًا".