شمّاعة كورونا الواطئة

شمّاعة كورونا الواطئة

03 ابريل 2020
دمشق اتخذت الفيروس ذريعة لتبرير فشلها اقتصادياً (فرانس برس)
+ الخط -
على الأغلب أنّ ما بعد كورونا ليس كما قبله، وربما لن يغيب شبح هذا الوباء، قبل انهيارات اقتصادية كبرى، لأسعار وشركات وحتى دول، ما يعني ترتيباً جديداً للكبار وتبدّلاً لمواقع وتصنيفات للأقطاب والتكتلات، وحتى لأغنياء العالم وأباطرته.

كما من المتوقع أن يعري الوباء، قبل أن تزول آثاره، اقتصادات ريعية هشة، تعتمد بثرائها على الثروات الباطنية، كما سيحدث لدول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية التي دخلت نادي العشرين خاصة، بعد تهاوي سعر برميل النفط إلى عتبة 25 دولاراً، وهي بطلة التصدير بنحو 10 ملايين برميل يومياً.

ورأينا، وسنرى أكثر، تحميل تهمة التباطؤ الاقتصادي، الذي ينذر بركود وربما إفلاس وتهاوٍ، لفيروس يتفشى ويحصد الأرواح ويزيد من الأعباء والتكاليف على الدول، لحالات نال الوباء من أرقامها ونسب تطورها بالفعل، وحالات أخرى جاءها عذر الفيروس من السماء، لترمي عليه كامل حمولات فشلها وسوء إدارتها الاقتصادية.

فأن تخشى الولايات المتحدة من كورونا على ناتجها المحلي، ففي ذلك مشروعية بعد أن تعدى اقتصادها الـ20 تريليون دولار، ووازى ربع الناتج المحلي العالمي.

وأن تنسب الصين تراجع النمو للوباء، فلها كل الحق، فهي صاحبة أعلى النسب العالمية وقد سجّل اقتصادها، العام الماضي، نسبة نمو بلغت 6.2%. وأن تشكو تركيا تراجع الصادرات جراء تفشي الفيروس، فلها بشكايتها دليل الـ160 مليار دولار العام المنصرم، وكذا إيطاليا إن حمّلت كورونا تراجع عدد السياح، فهي من جذبت عام 2019 نحو 100 مليون سائح بإنفاق فاق الـ50 مليار دولار.

وأما أن نسمع تلك الأعذار عن "سورية الأسد"، على سبيل المثال، فذاك سيدفعنا لتقليب دفاتر ما قبل كورونا، والتساؤل هل بالفعل أثر الفيروس على الأرقام الاقتصادية، أم اتخذته دمشق ذريعة لتبرير فشلها، لتحمله وزر تراجع أرقام الصادرات وتهاوي سعر العملة ونسب البطالة والفقر وعجز الموازنة، والتي أدخلت، جميعها، النظام السوري موسوعة "غينيس" على مدى تسعة أعوام سابقة لظهور الفيروس؟

ولأن جلّ المخاوف في سورية الأسد، اليوم، على وقوع الموازنة العامة بعجز مالي جراء وباء كورونا وتعطيله عجلة الاقتصاد ودورة النمو، نفيد من يهمهم الأمر والمروجين، أن حجم الموازنة العامة بسورية تراجع من 18 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 8 مليارات دولار العام الجاري، والموازنة ومذ كانت مشروعاً، قبل أن يقرها البرلمان ويصدرها نظام الأسد بمرسوم، تضمنت عجزاً بنسبة 35%، أي نحو 1400 مليار ليرة سورية، والكلام لمعاون رئيس هيئة التخطيط بدمشق وليس لمتآمر معارض يحاول توهين نفسية الأمة.

وأما الناتج المحلي الإجمالي، فقد تراجع من 60 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 10 مليارات دولار عام 2019، وكذا لبقية المؤشرات، من تراجع الإنفاق الحكومي وزيادة الدين العام ونسبة البطالة والفقر والنمو السلبي وخسائر الميزان التجاري، وكل ذلك قبل كورونا وهدية ووهان الصينية.

خلاصة القول: جاء الفيروس، على إيلام نتائجه، بمثابة طوق نجاة لدول وأنظمة مستبدة، ليس لتحميله مسؤولية تفقير شعوبها وتبديد ثرواتهم فحسب، بل ولتأخذ من الوباء "سبوبة" للتسوّل، فتمد اليد للدول والمنظمات المانحة بذريعة مواجهة كورونا.

ولعل المثال الأبلغ جسده نظام بشار الأسد، إذ تكتّم على وصول الفيروس وعدد الإصابات، إلى أن جاءته إشارة مليارات محمد بن زايد بمواجهة الوباء، ووعود فلاديمير بوتين برفع العقوبات، فأعلن عن تفشي كورونا وبدأت سبّحة الوفيات تكر وصيحات تحميل الوزر لكورونا تتعالى، وكأن الفيروس شماعة واطئة جاءت لتعليق أخطاء سوء الإدارة وتوزيع واستثمار الثروات، أو دابة قصيرة تُحمّل عليها جرائم الفاشلين.

المساهمون