المصارف اللبنانية "تُخفي" الدولار وشركات الشحن تؤكد تسليمه

المصارف اللبنانية "تُخفي" الدولار وشركات الشحن تؤكد تسليمه

02 ابريل 2020
أزمة جديدة في صرف الرواتب والمدخرات بالدولار (حسين بيضون)
+ الخط -

 

تستغلّ المصارف اللبنانية أي حدثٍ أو طارئٍ حتى تُسارع الى إقفال أبوابها أو التشدد في إجراءاتها وقيودها بحججٍ مختلفةٍ ومُبتكَرةٍ، عنوانها "ضرورات المرحلة الراهنة والأزمات المستجدّة"، فيما تتقاذف كرة المسؤولية بينها وبين الدولة اللبنانية.

آخر فصول المصارف، تعليق عمليات السحب بالعملة الصعبة، من جراء حالة التعبئة العامة التي أُعلنت في 15 مارس/ آذار الماضي والتي فرضت إقفال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وإغلاق الميناء الجوّي الوحيد في لبنان بعد 4 أيّام وحتى التاسع والعشرين من مارس/ آذار، قبل أن يمدد مجلس الوزراء اللبناني الفترة حتى 12 إبريل / نيسان الحالي.

هذه الذريعة، تمسّكت بها المصارف مع إعادة فتح فروعها كافة، يوم الاثنين الماضي، عند مواجهة المواطنين الذين قصدوا البنوك مع انتهاء مارس/ آذار، وهو موعد قبض رواتبهم الشهرية الموطنة بالدولار، قبل أن يتفاجأوا بأن السحب محصور بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسميّ، أي 1515 ليرة لبنانية تقريباً (باستثناء السحوبات بالدولار لأصحاب التحويلات من الخارج، أي ما يعرف بالـ"Fresh Money"، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدم قدرتهم على الحصول على مبالغ بالدولار ضمن السقوف المحددة من ودائعهم الأجنبية إلا بالعملة الوطنية.

ويؤكد المودعون أن هذه العملية خاسرة ومجحفة وظالمة بحقهم، خصوصاً أنّه للمرة الأولى منذ عام 1992، يتجاوز سعر صرف الدولار 2850 ليرة لبنانية في السوق السوداء، ولا سيما بعد انتشار خبر رفض المصارف منح الدولار للزبائن تبعاً للإجراءات المشددة التي فرضتها التعبئة العامة، واستغلها الصرافون غير الشرعيين في تجاوز صريح لقرارين سابقين من "مصرف لبنان المركزي" و"نقابة الصرّافين" يمنعان تجاوز الدولار سقف 2000 ليرة في حد أقصى، ما يضع المودع أو الموظف أمام خسارة كبيرة إن لم يقبض ماله بالدولار. حتى إن عدداً من المصارف بدأ يمتنع عن إعطاء أصحاب الحسابات الدولارية أموالهم نهائياً ملزماً إياهم بسحبها فقط بالليرة اللبنانية.

مصادر جمعية المصارف التي كانت قد أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ مسألة عدم توافر الدولار ليست بقرار صادر عن مجلس إدارة جمعية المصارف، بل متصلة أساساً بتوجّهات شركات نقل العملة وقراراتها، إذ إن البنوك تستورد الدولار النقدي من الخارج، وهو أمر لم يعُد متاحاً بسبب إغلاق الميناء الجوّي الوحيد في لبنان.

وقالت المصادر إن استعادة النشاط في المطار تعني توافر الدولار مجدداً، وهو تصريحٌ مستغرَبٌ وفق متعاملين في سوق الصرف، على اعتبار أنّ قرار التعبئة العامة استثنى طائرات الشحن، ومن ضمنها الطائرات التي تشحن الدولار.

ومدّد لبنان، يوم الجمعة الماضي، وقف جميع رحلاته الجوية التجارية والخاصة حتى 12 إبريل/ نيسان الجاري، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء، ويستثنى من التعميم الطائرات العسكرية، وطائرات الشحن، طائرات الإسعاف الجوي، الطائرات التي تعبر الأجواء اللبنانية، الطائرات التي تنقل كلاً من البعثات الدبلوماسية المعتمدة في لبنان، أفراد المنظمات الدولية، قوات اليونيفيل والأشخاص العاملين لدى شركات النفط المرتبطة بعمليات الحفر في البلوك رقم 4 بالمياه اللبنانية شمال غرب العاصمة بيروت، الذي يعد أول بئر استكشافية في لبنان.

ميشال مكتّف، مدير وأحد مساهمي شركة "مكتّف لتحويل الأموال"، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن طائرات الشحن توقفت لفترة قصيرة جداً واستأنفت عملها كالمعتاد من مطار بيروت وإليه، حيث إننا سلّمنا الدولار اليوم للمصارف كما فعلنا يوم أمس وقبل ذلك، ونحن مستمرّون بالتسليم، كذلك تسلّمنا الدولار من البنوك التي تريد تحويل الأموال إلى الخارج وعند المزودين، وبالتالي الحركة ليست متوقفة استيراداً وتصديراً، بعكس ما يُشاع، فالدولار متوافر بحسب الطلب وأكثر، وإذا كان هناك من مفلسٍ، فهو الدولة وليس شركات تحويل الأموال الموجودة والمستمرة في تأدية عملها.

وإذ يشدد مكتّف على تقاذف مسؤوليات واتهامات بين الدولة والمصارف ورمي بعضها على شركات الشحن لتحميلها مسؤولية ما يحصل، يلفت إلى أنّ المشكلة الحقيقية تكمن اليوم في انعدام ثقة اللبناني بالعملة الوطنية، وكذلك بالدولة اللبنانية، وهذه هي الهاوية الكبيرة، مشيراً إلى أنّ من يملك الليرة اللبنانية، سواء نقداً أو مودَعة في البنك، يسعى لبيعها مقابل عملة صعبة، وخصوصاً الدولار لحماية نفسه من التدهور، بعدما انعدم الطلب على الليرة التي تراكم المزيد من الخسائر وارتفع بالنسبة إلى الدولار مهما زاد سعره.

ويضيف أنّ تعثّر الدولة اللبنانية تجاه الدائنين وحملة السندات الدولارية، أدى بدوره إلى انعدام ثقة المواطن بها، فيما لم نلمس بعد أي خطة اقتصادية واضحة وجدية وطارئة قادرة على إحياء السوق المتدهور، لافتاً إلى أنّ أزمة فيروس كورونا الجديد وقبلها انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لا شيء لناحية الانعكاسات السلبية على الوضعين الاقتصادي والمالي، مقارنة بطريقة إدارة الدولة للبلد منذ ثلاثين عاماً وحتى اليوم.

الحلّ الوحيد بالنسبة إلى مدير وأحد مساهمي شركة "مكتّف لتحويل الأموال"، يتمثل بإعادة بناء الوطن اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، بتشجيع اللبناني على الاستثمار في لبنان، ما يفتح مجالاً لليد العاملة اللبنانية كي تعمل في بلدها وتعتاش منه، لا من الفوائد والهبات والمساعدات الدولية، أو حتى من البترول والغاز الذي قد لا نراه قبل أعوام طويلة، مقابل وقوف الدولة إلى جانب المستثمر ومساعدته من خلال إعفائه من الأعباء والضرائب وتوفير الكهرباء للمواطن اللبناني والمياه والاتصالات والإنترنت والبنى التحتية وغيرها من المستلزمات التي تنعش الطبقة اللبنانية القادرة على إحداث لمعةٍ وبناء الاقتصاد الوطني، وغير ذلك فهو مجرد كلام في الهواء.

ويرزح لبنان تحت عبء دين عام يُعادل أكثر من 170 في المائة من ناتجه المحلّي، وبذلك يُعدّ من أكثر الدول مديونيّة في العالم. وأعلنت الحكومة اللبنانيّة في 23 مارس/ آذار أنّها ستتوقّف عن سداد كلّ مستحقّات سندات اليوروبوند بالدولار الأميركي. وجاء هذا بعد تعليق لبنان سداد سندات دوليّة بقيمة 1.2 مليار دولار كانت تستحقّ في 9 مارس/ آذار، للمرّة الأولى في تاريخ البلاد.

وكان "العربي الجديد" قد نشر، في فبراير/ شباط الماضي، تقريراً مفصلاً عن استحقاقات الدَّين العام المترتبة على الدولة اللبنانية، ولا سيما سندات "اليوروبوند" التي تشكل نحو 30 في المائة من مجموع الدين العام المُعلن رسمياً، والذي بات يناهز حالياً 90 مليار دولار، بينما تشكل سندات الخزينة الصادرة بالليرة نحو 63 في المائة من إجمالي الدين العام، في حين أن النسبة الباقية تتوزع على قروض ميسّرة بالدولار واليورو ممنوحة للبنان من دول ومؤسسات متعدّدة الأطراف.

كذلك يعاني من أسوأ أزمة اقتصاديّة منذ الحرب الأهليّة (1975-1990)، تفاقمت الآن أكثر مع انتشار فيروس كورونا الجديد. وحذّر المدير العام لوزارة المال، آلان بيفاني، من أنّ الوباء سيؤدّي "إلى مفاقمة تدهور الأوضاع الاجتماعيّة". وقال إنّ 45 في المائة من اللبنانيين هم في حالة فقر، و22 في المائة يعانون فقراً مدقعاً. وتوقّع أن يزيد الانكماش الاقتصادي بنحو 12 في المائة هذا العام، وأن يصل التضخم إلى 25 في المائة. وحتى قبل انتشار الفيروس، ارتفعت الأسعار واضطرّت شركات عدّة إلى خفض رواتب موظّفيها أو فصلهم، أو حتّى الإغلاق.

المساهمون