معضلة إعادة فتح الاقتصاد

معضلة إعادة فتح الاقتصاد

16 ابريل 2020
شوارع خالية ومتاجر مغلقة بعاصمة المال نيويورك (Getty)
+ الخط -


يوم الخميس الماضي أعلنت وزارة العمل الأميركية أن 6.6 ملايين مواطن أميركي إضافيين قدموا طلبات، للمرة الأولى، للحصول على تأمينات البطالة خلال الأسبوع الماضي، ليصل عدد من فقدوا وظائفهم خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة إلى 16.8 مليون مواطن أميركي.

وبعد أسبوع ثالث من طلبات الإعانة شديدة الارتفاع من الأميركيين، على أثر أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والجهود المبذولة لاحتوائه، ازداد تصميم الجناح المطالب باستئناف النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة داخل الإدارة الأميركية على تخفيف القيود المفروضة خلال الفترة الأخيرة، والتي منعت ملايين الأميركيين من التوجه إلى أعمالهم، بصورة لم تحدث من قبل.

وبعد إعلان أرقام الوزارة، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته في استئناف النشاط الاقتصادي في أسرع وقت ممكن، وقال وزير الخزانة، ستيفن منوتشن، لمحطة سي ان بي سي إنه يعتقد أن الاقتصاد الأميركي سيكون جاهزاً للانطلاق من جديد بنهاية شهر مايو/أيار القادم.

وقبل أيامٍ قليلة، أعلن بنك الاحتياط الفيدرالي تخصيص مبلغ 2.3 تريليون دولاراً لتسعة برامج لإقراض الولايات والمقاطعات والمدن الأميركية، عن طريق الشراء المباشر لسنداتها، بالإضافة إلى شراء سندات عشرات الشركات متوسطة الحجم ذات المخاطر المرتفعة، ما كان له أن يشتريها من قبل بسبب ارتفاع درجة المخاطر فيها، وقال رئيسه جيروم باول يوم الخميس، في لقاء متلفز مع معهد بروكنغز: "يتعين علينا وضع خطة على مستوى الأمة، لاستئناف النشاط الاقتصادي. نريد أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن".

وفي لقاء مع شبكة فوكس بيزنس، أكد المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي، لاري كودلو، أن الإدارة الأميركية تريد فتح الاقتصاد في أقرب وقت، حتى تضع أميركا قدميها على أول طريق الانتعاش، بعد تضرر الكثير من الشركات الأميركية من وقف عمليات البيع والشراء وتقديم الخدمات في أغلب الأنشطة غير الأساسية. وقال كودلو "دعونا نأمل في استئناف النشاط الاقتصادي خلال فترة أربعة إلى ثمانية أسابيع".

وأعلن كودلو أن "برنامج حماية الأجور"، الذي تم تدشينه يوم الجمعة الماضي، قدم قروضاً لأكثر من 500 ألف شركة صغيرة خلال أربعة أيام عمل فقط. ويأمل البرنامج، الذي يدعمه البيت الأبيض بشدة، في توفير قروض لأكبر عدد ممكن من الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة، والتي يبلغ عددها 30 مليون شركة، توظف 60 مليون عامل، أو ما يقرب من نصف العمالة في القطاع الخاص الأميركي، من أجل توفير السيولة لها خلال الأزمة الحالية، ومساعدتها على الاستمرار في دفع أجور العمالة لديها.

ويعمل ترامب وإدارته في الفترة الحالية على تكوين فريق عمل جديد، تكون مهمته الأساسية الإعداد لاستئناف الشركات الأميركية أعمالها، وتجهيز البيئة المناسبة لعودة ملايين الأميركيين إلى أعمالهم، مع توفير الحماية لهم لتقليل احتمالات إصابتهم بالفيروس.

يضع ترامب، رجل الأعمال والمطور والسمسار العقاري، عينه على انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، ولا يريد أن يدخل الانتخابات وهناك العشرات من الملايين الأميركيين يطلبون الحصول على إعانات البطالة، وأكثر من 60% من الاقتصاد معطل، ومئات الشركات على وشك الإفلاس.

يعرف ترامب أن إصلاح هذه الأحوال قبل موعد الانتخابات يتطلب إعادة فتح الاقتصاد قبلها بستة أشهر على الأقل، وهو ما جعله يعمل على توفير اختبارات الكشف عن الفيروس، وتأمين الرعاية الصحية بالمجان لجميع الأميركيين في ما يتعلق بهذا الفيروس، وتأكيده استمرار حصول العمال على أجورهم حال اضطرارهم للمكوث بالمنزل بسبب الإصابة به، أو بسبب مخالطة من أصيب.

تعهد ترامب بتوفير كافة معدات الوقاية، وتسهيل وسائل الانتقال، وفرض وجود مساحات تفصل بين العمال في أماكن عملهم، وكل هذا في بلدٍ أجرى أكبر عدد من الاختبارات في العالم، بواقع ثمانين اختباراً لكل عشرة آلاف مواطن، ولم تتجاوز نسبة الوفيات فيه 1.5% ممن أصيبوا بالفيروس.

لكن في بلدٍ آخر مثل مصر، لم يتم إجراء الاختبار فيه لأكثر من خمسة مواطنين من بين كل عشرة آلاف مواطن، ويتكدس فيه العمال في وسائل مواصلات، أغلبها غير آدمية، عند ذهابهم إلى أعمالهم، ولا يتمتع أغلبهم بتأمين صحي يسمح بتغطية تكاليف الكشف عن الفيروس، أو العلاج منه، ويكون العامل فيه مهدداً بالفصل حال تغيبه عن العمل بسبب الإصابة به، بالإضافة إلى ضعف البنية الأساسية الصحية وقلة عدد المستشفيات، الأمر الذي تسبب في وفاة 7.5% ممن يصابون بالفيروس.

هناك يطالب الملياردير المشاكس نجيب ساويرس بعودة النشاط الاقتصادي، ونزول المواطنين للعمل، مؤكداً أن استمرار إغلاق الشركات والمحال سيتسبب في مشكلات كبيرة للاقتصاد، بينما يقلل زميله في نادي المليارديرات وعملاق العقارات حسين صبور من خطورة نزول العمال واستئناف النشاط الاقتصادي قائلاً "وما المشكلة في وفاة البعض من أجل إنقاذ الاقتصاد"؟ 

لا أحاول القول إن ترامب وإدارته ملائكة، لكن النظام الذي يحاسب صاحب القرار، ولا يسلب الحزب المعارض حقه في إبداء الرأي والإدلاء بدلوه في كل ما يهم البلاد والعباد، ويجعل أمرهم شورى بينهم، هو الذي وفر الحماية للمواطنين، وهو الذي سيفرض إجراءات مشددة للمباعدة الاجتماعية، مع توفير الرعاية الصحية المجانية للمصابين بالفيروس، قبل استئناف النشاط الاقتصادي، في الولايات المتحدة. ولن يؤدي غياب كل ذلك إلا لزيادة تجني رجال الأعمال على الطبقة العاملة، وإجبارهم على النزول للعمل قبل زوال خطر انتشار الفيروس، أو تهديدهم بفقدان الوظائف لو لم يتم استئناف عمل الاقتصاد بكامل قوته.

هي معضلة كبيرة، ويزيد من تعقيد الأمور أنه في كثير من الأحيان، يكون لدى الطبقة العاملة دافع قوي للخروج للعمل، وغض النظر عن مخاطره، من أجل توفير لقمة العيش للأسر الفقيرة، ويقوى الدافع مع انخفاض مستويات الدخل، وارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي، ممن يتعذر تعويضهم أو توفير برامج الحماية لهم، في واحد من أسوأ مظاهر التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، الذي تزداد حدته في دولنا العربية.

المساهمون