من التنسيق إلى الحرب...انقلاب نفطي في علاقات موسكو والرياض

من التنسيق إلى الحرب ... انقلاب بالعلاقات النفطية بين موسكو والرياض

08 مارس 2020
وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك بفيينا (Getty)
+ الخط -


لم تمض ساعات على فشل اجتماع "أوبك +" بالعاصمة النمساوية فيينا والذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين حتى بدأت حرب "كسر عظم" جديدة بين أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم، السعودية وروسيا، حرب بدأت عملياً يوم السبت، بعد أن فشلت الرياض في إقناع موسكو بالموافقة على إجراء خفض كبير في حصص الإنتاج النفطي لوقف تدهور أسعار النفط ومساعدة الأسعار المنهارة بالصعود في وقت تعد السعودية فيه في أمس الحاجة لتمويلات جديدة.

فقد أعلنت شركة أرامكو السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، وحسب مصادر نفطية، عن خصم كبير في أسعار خاماتها إلى الأسواق الرئيسية بلغ نحو 8 دولارات في بعض أنواع النفط، وزيادة انتاجها النفطي إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً بداية من إبريل/ نيسان المقبل. كما قالت السعودية إنها ربما ترفع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يومياً في المستقبل إذا دعت الحاجة لذلك. وذلك ضمن استراتيجية الضغط على الشركات الروسية.

وتفسر هذه الاستراتيجية الجديدة التي بدأت الرياض تطبيقها عمق الخلاف بين موسكو والرياض، كما تعني عملياً انهيار تحالف "أوبك +" الذي بدأ قبل ثلاثة أعوام للتنسيق بين أكبر دولتين منتجتين للنفط على أمل رفع أسعار النفط التي انهارت خلال العامين 2015 و2016.

وهي بالتالي ربما تكون الحرب النفطية الثانية التي تعلنها الرياض ضد كبار منتجي النفط. وكانت السعودية قد قادت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2015 حرب إغراق الأسواق بالنفط على أمل اغتيال ثورة النفط الصخري الوليدة وقتها، لكنها فشلت في ذلك بسبب القروض السخية والتمويلات التي واصلت المصارف الأميركية ضخها في شرايين الشركات الصغيرة العاملة في استخراج النفط الصخري، وكذلك بسبب التقدم الذي حدث في تقنيات " التكسير الهيدروليكي" و"الحفر الأفقي" الذي كانت نتيجته خفض كلفة استخراج البرميل.

ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت السعودية ستنجح في حربها الجديدة ضد الشركات الروسية، وإلى أين ستقود هذه الحرب الجديدة أسعار النفط، لكن مصادر في سوق النفط لم تستبعد، أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوياتها الدنيا التي كانت عليها في بداية العام 2016، حينما تراجع سعر خام برنت إلى مستوى 25 دولاراً للبرميل.

ومنذ يوم السبت خسرت أسعار النفط أكثر من 5 دولارات، حيث تراجع خام برنت إلى 45.27 دولارا مقابل 51 دولارا قبل ظهور الخلاف إلى العلن وفشل اجتماع " أوبك +"، بينما تراجع خام غرب تكساس إلى 41.28 دولارا.

وتعتمد الرياض في حربها النفطية الجديدة ضد موسكو والمنتجين الأخرين، على استراتيجية تتكون من شقين، أحدهما عرض أسعار خاماتها بخصم كبير في الأسواق الرئيسية لضرب الخامات الروسية، والشق الثاني إغراق أسواق الطاقة بالنفط في وقت يتراجع فيه الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي فيروس "كوفيد 19".

بشأن الشق الأول من الاستراتيجية، وحسب نسخة من بيان لشركة أرامكو أطلعت عليه وكالة بلومبيرغ، أعلنت الشركة السعودية خصم أسعار خاماتها للسوق الأميركية بنحو 7 دولارات وللسوق الآسيوية بما يراوح بين 4 و6 دولارات.
كما أعلنت أرامكو خصماً بنحو 8 دولارات للبرميل على خامها الأكثر استخداماً في أوروبا، وهو الخام العربي الخفيف، وبالتالي سيصبح الخام العربي الخفيف السعودي يباع في أوروبا بسعر يقل 10.25 دولارات عن السعر المؤشري لخام برنت.

وفي المقابل فإن خام الأورال الروسي يباع للمصافي في أوروبا بخصم دولارين فقط. وينظر خبراء في أسواق الطاقة إلى هذه الخطوة بأنها ضربة كبرى تستهدف الرياض منها أخذ جزء من حصة الشركات الروسية في أوروبا. وفي ساعة متأخرة من مساء السبت، خفضت المملكة سعر البيع الرسمي لشحنات إبريل/نيسان من جميع خاماتها إلى شتى الوجهات.

في هذا الشأن، قال المدير التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط بشركة "أف جي إي"، لموقع "زيرو هيدج"، إن السعودية تخوض حالياً حرب أسعار شاملة ضد المنتجين الآخرين". وتعد هذه التنزيلات في أسعار الخامات السعودية الكبرى منذ 20 عاماً.

أما بشأن الشق الثاني من الاستراتيجية، فقد أبلغت الرياض بعض تجار النفط، يأنها سترفع الإنتاج من مستوياته الحالية 9.7 ملايين برميل يومياً إلى 10 ملايين برميل يومياً في شهر إبريل/ نيسان المقبل. كما أبلغت السعودية بعض المصادر، بأنها تخطط لرفع إنتاجها إلى 12 مليون برميل يومياً في المستقبل. وقال مدير إحدى شركات التحوط في السلع، وقد طلب عدم ذكر اسمه، "مثل هذه الزيادة تعني إعلان حرب".

ويفسر محللون في أسواق الطاقة أن الاستراتيجية السعودية التي تشبه "الانقلاب السياسي" في علاقاتها مع موسكو، تستهدف ضرب أسواق روسيا ودخلها النفطي وحصة شركاتها في أوروبا وفي أسرع وقت ممكن، على أمل إجبارها على العودة لطاولة المفاوضات وقبول العرض السعودي بخفض أكبر في حصص الانتاج يسمح لأسعار النفط بالارتفاع.
لكن محللين يستبعدون فرص نجاح استراتيجية الضغط على موسكو، ويقولون إنها لا تملك فرص النجاح، وربما يكون مصيرها نفس مصير الحرب التي سبق أن قادتها الرياض ضد النفط الصخري في نهاية العام 2015.

ويشيرون في هذا الصدد إلى أن روسيا حسبت ميزانية العام الجاري 2020 على أساس سعر لخام برنت لدى 56 دولاراً، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين إن سعر 40 دولاراً للبرميل سعر مقبول لدى روسيا. وبالتالي وحسب مصرفيين، فإن انهيار أسعار النفط سيضر بالرياض التي تعاني من مجموعة أزمات مالية في وقت تجد فيه صعوبة في الحصول على تمويلات جديدة من الأسواق العالمية.

ويلاحظ أن السعودية حسبت سعر نفطها على أساس سعر لخام برنت فوق 71 دولاراً، وبالتالي فإن العجز الإنفاقي في الميزانية سيتضاعف وربما تضطر للتراجع عن هذه الاستراتيجية الخطرة. كما أن السعودية تخطط لطرح جديد من أسهم شركة أرامكو في أسواق المال العالمية، حسب ما صرح به مسؤول كبير لوكالة بلومبيرغ قبل أسبوعين. ويلاحظ أن سعرسهم أرامكو تراجع بمعدلات كبيرة في بورصة تداول السعودية.

ووصل سعر السهم إلى 30 ريالاً (8 دولارات) أمس الأحد، بينما كان قد تحدد لدى الطرح في ديسمبر/كانون الأول الماضي بـ 32 ريالاً، وهو بالتالي يتراجع إلى أقل من سعر الطرح.

وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد توقعت في تقرير، السبت، هبوط سعر سهم أرامكو دون سعر الطرح العام الأولي لدى تداول البورصة السعودية، يوم الأحد، وهو ما حدث بالفعل.
وفي مقابل ذلك، تبدو الشركات الروسية مهتمة بالحفاظ على حصتها السوقية أكثر من اهتمامها بأسعار النفط. وهي تصريحات عكسها فلاديمير بوتين في أعقاب اجتماع مع رؤساء الشركات النفطية، حيث قال إن سعر 40 دولاراً للبرميل سعر مناسب.
ويرى محللون أن الشركات النفطية الروسية لديها اتفاقات طويلة الأجل مع السوق الصيني وبأسعار شبه ثابتة في المتوسط، كما تستفيد في أوروبا من عقود الغاز الضخمة التي تربط بين روسيا وسوق الطاقة بدول الاتحاد الأوروبي. 

وبالتالي فربما يكون لديها قدرة على الصمود أكثر مما هو متوفر لدى شركة أرامكو التي تقع تحت الضغط السياسي والتمويلي لدى الحكومة السعودية وتستخدمها في الحصول على القروض الجديدة وجمع الأموال عبر طرح سندات دولية.

أما على صعيد شركات المصافي، فقد هبطت عليها ثروة من السماء لم تكن في الحسبان في ظروف تراجع عملياتها الحالية، إذ إنها ستحقق وفورات ضخمة من تنزيلات الخامات السعودية سواء كان ذلك في آسيا أو أوروبا.

في هذا الشأن، قال متعاملون ومحللون في آسيا، إن التراجع في تكاليف الخام سيدعم على الأرجح هوامش شركات التكرير الآسيوية التي تضررت جراء انخفاض الطلب من تفشي فيروس كورونا.

من جانبه قال تيلاك دوشي، من معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، "يبدو الأمر بمنزلة صدمة سعودية شاملة واستراتيجية ترهيب بهدف زيادة الكميات السعودية والتنافس مع النفط الروسي في فنائهما الخلفي بأوروبا وآسيا".