نقص الدولار يهدد بإفلاس دول وشركات في آسيا وأفريقيا

نقص الدولار يهدد بإفلاس دول وشركات في آسيا وأفريقيا

31 مارس 2020
حي المال فارغاً في نيويورك (تيفون غوسكون/الأناضول)
+ الخط -


وسط هروب غير مسبوق للدولارات للمراكز المالية الآمنة، تواجه الاقتصادات الناشئة مخاطر التخلف عن خدمة الديون في ظروف إغلاق النشاط التجاري والاقتصادي في نصف الكرة الأرضية تقريباً.

ولا يستبعد خبراء تمويل أن يدخل العديد من دول الاقتصادات الناشئة وشركاتها في دائرة الإفلاس، في حال لم تتمكن الحكومات من السيطرة على الفيروس خلال الشهور المقبلة. 

في هذا الشأن، يقول رئيس استراتيجية الاستثمار بمصرف "جي بي مورغان" الأميركي، إن "أزمة نقص الدولارات هي الأزمة التي لا يريدها الاقتصاد العالمي أن تحدث في هذا الوقت العصيب".

وأضاف: "نقص السيولة الدولارية في الاقتصادات الناشئة يجعل خدمة الديون مكلفة جداً ويمكن أن يسبب ارتفاعاً في التضخم".

ويجاهد العديد من الاقتصادات الناشئة في الوقت الراهن للحصول على الدولارات حتى تتمكن من خدمة ديونها المتراكمة، بينما يزيد الفيروس "كوفيد 19" من معاناتها، فتنهار أسعار النفط والمعادن والمواد الأولية ويقل الطلب عليها في الاقتصادات الكبرى. وهذه السلع هي التي تعتمد عليها الاقتصادات الناشئة في الحصول على العملة الأميركية.

ولاحظت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن العديد من الحكومات تواجه صعوبات جمة في إعادة التمويل، حيث ارتفع العائد على السندات الحكومية التي أصدرتها أنغولا ويحين أجل سدادها في نوفمبر/ تشرين الثاني من أقل من 10% إلى 30% يوم الجمعة الماضي.

كما ارتفع العائد على سندات الدين المصدرة من قبل الحكومة النيجيرية التي يحل أجل سدادها في يونيو/ حزيران العام 2022، من 4.0% إلى 12%، وذلك وفقاً لبيانات "كابيتال إيكونومكس" للاستشارات المالية.
واقترضت الدول الناشئة نحو 122.6 مليار دولار في العام الماضي 2020 وحده، عبر إصدارات "اليوروبوندز"، أو سندات الدين المصدرة بالدولار خارج الولايات المتحدة.

وقال المحلل المالي بمؤسسة "كابيتال إيكونومكس" الأميركية، إدوارد غلوسوب: "الحكومات الناشئة مثقلة بعبء الديون وعبء الكلف الصحية ودعم اقتصاداتها بسبب تداعيات كوفيد 19".

وأضاف: "وبالتالي ربما تفضل تأجيل سداد الديون أو التخلف عن سدادها للمقرضين الدوليين في سبيل تفادي حدوث ثورات سياسية ضدها".

ومن بين الدول التي تواجه احتمالات التخلف عن تسديد الديون كل من زامبيا ونيجيريا والإكوادور، كما تخلفت دول فعلياً عن خدمة ديونها مثل الأرجنتين ولبنان وفنزويلا.

وطلبت مجموعة من الدول الأفريقية في 19 مارس/ آذار الجاري إعفاءها من خدمة ديون تقدر بنحو 44 مليار دولار يحين أجل سدادها خلال العام الجاري، كما طلبت الدول الأفريقية من صندوق النقد والبنك الدوليين مساعدات قيمتها 100 مليار دولار.

ولا تقف أزمة القروض الدولارية عند دول أفريقيا وأميركا الجنوبية، ولكنها تمتد كذلك إلى شركات الاقتصادات الناشئة في آسيا.

وحسب نشرة "نيكاي آشيان ريفيو" اليابانية، الصادرة أمس الإثنين، فإن حجم ديون الأسواق الناشئة بآسيا المصدرة بالدولار والتي يحين أجل سدادها هذا العام تقدر بنحو 115 مليار دولار، فيما يقدر حجم القروض الدولارية التي يحين أجلها في العام المقبل 2021، بنحو 200 مليار دولار.
وفي ذات الشأن، تشير بيانات بنك التسويات الدولية، بنك البنوك المركزية الذي يوجد مقره في بازل بسويسرا، إلى أن إجمالي حجم الديون العالمية التي صدرت بالدولار حتى سبتمبر/ أيلول الماضي بلغ 12.1 تريليون دولار. بينما بلغت ديون الأسواق الناشئة وحدها حتى يونيو/ حزيران 3.7 تريليونات دولار.

ويرى رئيس قسم النقد والاقتصاد ببنك التسويات الدولية، كلوديو بوريو، أن "هذا الحجم من القروض الدولارية مقلق وربما يسبب مشكلة للنظام المالي العالمي بسبب تعاقب دورات الانتعاش والانهيار في الاقتصادات الناشئة".

من جانبه، يقول جيم فينيين رئيس أدوات العائد الثابت في آسيا بصندوق " أكاسا" الاستثماري: "السوق تتحسب حالياً لاحتمالات التخلف عن السداد، وبالتالي يتخوف المستثمرون من مخاطر التمويل وإعادة التمويل، وهو ما يقود إلى ارتفاع الريع على السندات إلى مستويات كبيرة".

والريع هو العائد المالي الذي يحصله المستثمر من القرض، وكلما ارتفعت مخاطر التخلف عن السداد ارتفع الريع على القرض، وبالتالي يلاحظ تواصل ارتفاع الريع على سندات "اليورو بوندز" أو السندات الدولارية في الأسواق الناشئة، سواء كانت صادرة عن الحكومات أو الشركات.

في هذا الصدد، تشير بيانات مؤشر مصرف "جي بي مورغان" لأدوات المال الثابتة، إلى أن عدد السندات التي يزيد عائدها على 10% ارتفع من 150 سنداً في العام 2018 إلى 301 سند في الوقت الراهن. والسند هنا يقصد به الإصدار. ويواصل الريع على السندات الدولارية أو "اليورو بوندز"، الارتفاع بنسب كبيرة بلغت 30% لبعض الشركات في آسيا.

وتتضاعف أزمات دول وشركات الاقتصاديات الناشئة في الوقت الراهن، ليس فقط بسبب عزوف البنوك التجارية عن المخاطرة، ولكن كذلك بسبب تكالب البنوك الغربية على زيادة أرصدتها الدولارية، وارتفاع الطلب على الدولار في أسواق الصرف العالمية، التي تقدر تداولاتها اليومية بنحو 6.6 تريليونات دولار.

وهذا التكالب أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بنحو 7.0%، خلال شهر مارس/ آذار الجاري. وبالتالي فإن ارتفاع الدولار يزيد من حدة أزمة أسواق المال الناشئة والحكومات، حيث إنها باتت تواجه تراجع أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار، وفي ذات الوقت تواجه ضعفاً في الصادرات وانهياراً في أسعارها، وبالتالي تقل حصيلة هذه الدول من الدولارات، حسب خبراء تمويل.

وفي تفسيره لأزمة القروض الدولارية، يقول مدير صندوق ديون الأسواق الناشئة بمصرف "بي أن بي ـ باريبا"، في سنغافورة، إيك بون تاي: "في الوقت الراهن بات الحصول على السيولة الدولارية أمراً ليس سهلاً". وأضاف في تعليقات نقلتها نشرة "نيكاي آيشيان ريفيو": "شركات النفط والمعادن والمناجم التي لديها قروض أعلى بالدولار من بقية القطاعات الأخرى تواجه ضغوطاً أكبر".

وتتفادى البنوك الأميركية، التي تتوفر لها السيولة الدولارية في الوقت الراهن، المخاطرة بما تملكه من سيولة في سوق الإقراض.

وحسب دراسة سبق ونشرتها "العربي الجديد"، ترغب هذه البنوك في الاحتفاظ بالدولارات للمستقبل وسط ظروف "عدم اليقين" الحالية واحتمال طول الفترة التي ستأخذها البلاد للسيطرة على فيروس كورونا وحجم الدمار الذي من المتوقع أن يتركه الوباء على الاقتصاد الأميركي.

ويقدر بنك التسويات الدولية حجم السيولة المتوفرة لدى المصارف الأميركية بنحو 1.3 تريليون دولار. ورغم أن تلك المصارف لديها خطوط ائتمان مفتوحة مع البنك المركزي الأميركي للحصول على الدولارات، إلا أنها ترغب في الاحتفاظ بالدولارات ومراكمتها على أمل المتاجرة بها في سوق المال في حال تيقنت أن سوق "وول ستريت" وصلت مؤشراته إلى قاع الانحدار، وبالتالي ستبدأ رحلة الصعود.

ويرغب العديد من المصارف الكبرى مثل "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" و"سيتي غروب" في العودة لشراء أسهمها التي باتت رخيصة حالياً في السوق المالي.

وتشير دراسة أميركية صدرت في نيويورك، الأسبوع الماضي، إلى أن أسهم المصارف الأميركية انخفضت بنسب تراوح بين 40 و50%. 

ويضاعف إحجام المصارف التجارية الأميركية عن ضخ الدولارات في سوق سندات الدين بالدول الناشئة، من أزمة نقص الدولارات. 

ويلاحظ أن البنوك المركزية بالاقتصادات الناشئة ليست لديها خطوط اقتراض عبر "صفقات تبادلية" مع مصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي"، يمكنها من مبادلة عملاتها المحلية بالدولارات مثلما هو الحال في أوروبا وكندا واليابان.

ويقول محللون، إن معظم الاقتصادات الناشئة تعتمد حالياً على احتياطاتها الدولارية وسوق "انتربانك "، أو الاقتراض قصير الأجل بين البنوك التجارية الذي بات ضعيفاً في وقت تهرب المصارف التجارية وشركات التمويل من آسيا وأفريقيا ودول الخليج إلى مراكز مالية عالمية في نيويورك ولندن وزيورخ.

دلالات

المساهمون