روسيا: تدني أسعار النفط وتمدد كورونا يرسمان آفاقاً قاتمة

روسيا: تدني أسعار النفط وتمدد كورونا يرسمان آفاقاً قاتمة

30 مارس 2020
بوتين في منعطف كورونا وحرب النفط (Getty)
+ الخط -
مع تبدد الآمال في التعافي السريع لأسعار النفط، وانحسار خطر تفشي فيروس كورونا الجديد، تتزايد التوقعات بدخول الاقتصاد الروسي في مرحلة ركود خلال العام الجاري 2020، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت الحكومة تطمح في تحقيق نمو يبلغ نحو 2 في المائة.

وثمة مؤشرات على أن الاحتياطات الدولية الروسية الضخمة البالغة حالياً نحو 551 مليار دولار ستجنب روسيا مخاطر الانكماش كونها تمكن الحكومة من الوفاء بكافة الالتزامات الاجتماعية وإنقاذ الروبل من الانهيار في الأفق القريب.

وبحسب الأرقام الواردة في موقع المصرف المركزي الروسي، فإن الاحتياطات الدولية الروسية تراجعت من 581 مليار دولار في 13 مارس/ آذار الجاري، إلى 551.2 مليار بحلول 20 مارس/ آذار، وسط محاولات للسيطرة على سوق الصرف وعدم انزلاق الروبل إلى الهبوط.

يقدر مدير مركز بحوث مجتمع ما بعد الصناعية، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، خسائر روسيا جراء انهيار أسعار النفط بنحو 150 مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، مرجحاً أن تمكن الاحتياطات النقدية، الاقتصاد الروسي من الصمود، لكنه حذر من استنزافها خلال بضع سنوات.

ويقول إنوزيمتسيف لـ"العربي الجديد": "بلغت قيمة الصادرات الروسية من النفط الخام والغاز والمشتقات البترولية 267 مليار دولار في عام 2019 مع متوسط سعر 67.2 دولاراً لبرميل خام برنت، لكن تراجع السعر إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل سيحرم روسيا من إيرادات بقيمة 150 مليار دولار حتى نهاية 2020، ما سيؤدي إلى تراجع اقتصادي كبير يقدر بين 4 و4.5 في المائة".

ويتوقع الخبير الاقتصادي الروسي أن يوجه تدني أسعار النفط ضربة ثلاثية إلى الاقتصاد الروسي، موضحا أنه سيؤثر على سعر صرف الروبل الذي يتوقع أن يتراجع إلى نحو 90 روبلا للدولار الواحد مع حلول الصيف، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم إلى ما بين 7 و9 في المائة هذا العام.

كذلك ستقدم المصارف في الظروف الجديدة على رفع أسعار الفائدة، مما سيقلص مشتريات العقارات والسيارات وغيرها، وسيقلص تدني أسعار النفط أيضا حجم البرامج الاستثمارية للشركات الكبرى، مما سيتسبب في خسائر في حدود 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سيتم تعويضها جزئيا فقط من الميزانية والاحتياطات، وفق إنوزيمتسيف.

وحول التداعيات طويلة الأجل، في حال بقاء أسعار النفط دون مستوى 30 دولاراً للبرميل، يقول: "بحلول نهاية العام الجاري قد يبلغ عجز الموازنة 3.5 تريليونات روبل (45 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الحالي)، مما سيؤدي إلى تقليص ميزانية عام 2021 وموجة جديدة من تراجع الطلب، وفي حال بقاء الأسعار متدنية، سنشهد إغلاق مئات آلاف الشركات والمنشآت التجارية، وموجة هجرة الشباب والمواطنين النشطاء من البلاد".

ويقلل إنوزيمتسيف من واقعية عودة أسعار النفط حتى إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل في ظل زيادة الإنتاج الأسترالي والأميركي في العقد الجديد والتوقعات بعودة فنزويلا وإيران إلى السوق العالمية في مرحلة ما، وتحول النفط إلى "فحم جديد" ووقود غير نظيف بيئيا، إذ لن يستخدم كثيرا في أوروبا والولايات المتحدة بحلول عام 2035.

ومع ذلك، يرجح إنوزيمتسيف ألا تحل كارثة اقتصادية سريعا، مشيرا إلى أن العواقب الاقتصادية يمكن تداركها ولكن مع استنزاف الاحتياطات المالية الروسية بحلول عام 2023 أو 2024.

وتترافق خسائر النفط مع الأضرار الناجمة عن فيروس كورونا الجديد. ورجح خبراء اقتصاد استطلعت صحيفة "إر بي كا" الروسية آراءهم مؤخرا أن يسهم أسبوع العطلة الذي أعلن عنه الرئيس، فلاديمير بوتين، حتى 5 إبريل/ نيسان المقبل، لمنع انتشار وباء كورونا الجديد، في تراجع الاقتصاد الروسي هذا العام.

وقدّر كبير المحللين بالمصرف الاستثماري "بي كا إس بريميير"، أنطون بوكاتوفيتش، فاتورة العطلة الحالية وحدها بنحو 20 مليار دولار أو ما يصل إلى 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، قائلاً للصحيفة الروسية: "لا يمكن وصف العطلة بأنها تقليدية، لأن توقف الصناعات، لا سيما التحويلية منها، لن تعوضه زيادة الطلب الاستهلاكي مثل الإقبال على المطاعم ودور العرض السينمائي والفعاليات الترفيهية والمشتريات الكبرى".

وخلال العطلة الاضطرارية، تقرر إغلاق الحدائق العامة وجميع المتاجر باستثناء محال المواد الغذائية والصيدليات، بينما سيقتصر عمل المطاعم والمقاهي على بيع الوجبات والمشروبات لتناولها خارج المطعم، مما سيهوي حتما بأعداد روادها.

وإلى جانب إعلانه عن تأجيل الاستفتاء على "تصفير" عدد ولايته الرئاسية والعطلة لمدة أسبوع، كشف بوتين في كلمة إلى الأمة يوم الأربعاء الماضي، عن حزمة من الإجراءات لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي كورونا، بما فيها صرف معونة شهرية إضافية للعائلات ذات أطفال دون الثالثة من العمر، وتأجيل دفعات أقساط القروض الاستهلاكية والرهن العقاري لمن يتراجع دخله بنسبة تزيد عن 30 في المائة، وفرض ضريبة الدخل بنسبة 13 في المائة على عوائد الودائع المصرفية في حال فاق الرصيد مليون روبل (حوالي 13 ألف دولار).

كذلك حذّر بوتين، خلال مشاركته في قمة مجموعة الدول العشرين عبر الفيديو، الخميس الماضي، من أن جائحة كورونا قد تتسبب في اضطرابات ذات نطاق أكبر من الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، وستضع "بصمة على التنمية العالمية لفترة طويلة"، على حد قوله.

المساهمون