الخليج في فوهة الحرب النفطية: استنزاف الاحتياطي وتفاقم العجز

دول الخليج الأكثر تضرراً من الحرب النفطية: استنزاف الاحتياطي وتفاقم العجز

25 مارس 2020
توقعات بتفاقم عجز ميزانية السعودية (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد أسواق النفط حالياً أزمة كبيرة نتيجة تهاوي الأسعار لمستويات هي الأدنى منذ بداية الألفية الحالية، وسط توقعات بأن يواصل السعر تراجعه، بسبب الحرب النفطية بين السعودية وروسيا وتفشي فيروس كورونا، ما يعد خطرا كبيرا على اقتصاديات دول الخليج التي تعتمد إيراداتها بشكل رئيسي على عائدات النفط.

وكانت بنوك استثمار عالمية كبرى منها، سيتي بنك وغولدمان ساكس ويو.بي.إس وبنك أوف أميركا، قد خفضت توقعاتها لسعر النفط لأقل من 20 دولارا للبرميل في الشهور المقبلة، كما خفض بنك باركليز، أمس الثلاثاء، توقعاته لسعر النفط لعام 2020، بقيمة 12 دولارا ليصل إلى 31 دولارا لخام برنت و28 دولارا لغرب تكساس الأميركي، مشيرا إلى ضغط نزولي كبير في السوق ناجم عن حرب الأسعار بين روسيا والسعودية واضطراب الطلب بسبب كورونا.

وتأتي الحرب النفطية في وقت يمر العالم بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية، إذ قال صندوق النقد الدولي، مساء الإثنين، إن الاقتصاد العالمي مقبل على ركود عالمي خلال العام الجاري، بنفس الدرجة من السوء مثلما كان الحال أثناء الأزمة المالية العالمية، أو أسوأ.

وبشكل عام، وحسب خبراء اقتصاد ونفط عرب، فإن الأسعار قد تستمر عند مستوى أقل من 30 دولارا للبرميل خلال العام الجاري كما أبلغ هؤلاء "العربي الجديد" ، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي وحاد على دول الخليج المنتجة للنفط، التي تعتمد ميزانيتها على عائداته.

وأشارت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في تقرير حديث لها مطلع الشهر الجاري، إلى إمكانية تخفيض التصنيفات الائتمانية لدول الخليج عن المستويات الحالية. وحسب الوكالة، فإنه في حال لم تتخذ هذه الدول إجراءات عاجلة لمواجهة هذا الانخفاض، فستنفد هذه الأصول الضخمة نتيجة استهلاكها لسد العجز المالي بالميزانيات الناتج عن هبوط الأسعار، وبالتالي ستكون هذه الدول معرضة لخفض تصنيفاتها الائتمانية ومخاطر مالية واقتصادية.

السعودية أكبر الخاسرين

تعد السعودية الطرف الأساسي في حرب الأسعار النفطية، بل هي التي أوقدتها بمنح المستوردين من أوروبا خصومات وصلت إلى 20 دولاراً للبرميل، ومن شرق آسيا خصومات وصلت إلى 7 دولارات للبرميل، وهو الأمر الذي هوى بأسعار النفط لأدنى مستوياتها.

وحسب مراقبين، لـ"العربي الجديد"، فإن الرياض قد تضطر إلى السحب من الاحتياطي النقدي الذي تآكل بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، كما ستضرر ماليتها العامة وسيتفاقم العجز في حال استمرار تهاوي الأسعار.

وبلغ احتياطي السعودية الأجنبي نحو 732.5 في يونيو 2014، وكانت التقديرات تشير إلى بلوغه حاجز ثلاثة تريليونات ريال (800 مليار دولار) خلال 2014، إلا أنه تراجع ليستقر حاليا حول 500 مليار دولار، ولعب تراجع النفط في السنوات السابقة خاصة عامي 2015-2016 دورا في تهاوي الاحتياطي السعودي وهو ما يخشى محللون ماليون تكراره مع الأزمة الحالية.


ويقول مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، مروان سلامة، إن هبوط أسعار النفط يعني مزيدا من العجز في ميزانية المملكة، وكذلك زيادة دينها العام، ولجوءها إلى الخارج للاستدانة بمعدلات أعلى عما هو مخطط له، فضلا عن خلل هيكلها الاقتصادي، من عجز بميزان المدفوعات، وتراجع الاستثمارات والصادرات.

ويضيف سلامة لـ "العربي الجديد" أن تراجع الأسعار سيؤثر بشكل سلبي على إيرادات المملكة النفطية، والتي تشكل الجزء الأكبر من ميزانية السعودية.

ويشير إلى أن السعودية تعاني اقتصاديا في الوقت الحالي بشكل لم يسبق له مثيل، فخلال التاريخ الحديث لم تتوقف حركة السياحة الدينية (العمرة) في المملكة، وهو ما يعني انعدام مورد أساسي للدخل، بالإضافة لتوقف أنشطة الترفيه وحركة الطيران والسياحة بكافة أنواعها، وبالتالي تخسر المملكة معظم مصادر الدخل لديها في أوقات متزامنة.

ويوضح أن هناك تقارير تتحدث عن أن السعودية قد تشهد ارتفاع العجز في موازنتها لعام 2020 مقارنة بالتقدير السابق عند 6.4% مع احتساب متوسط أسعار النفط عند 40 دولارا للبرميل.

وأضاف: "إذا كان متوسط الأسعار 30 دولارا للبرميل فسيقفز العجز إلى 22.1%".

وتابع سلامة: "سيكون الخيار الأفضل بالوقت الحالي هو الاستدانة الخارجية، عن طريق طرح سندات وصكوك دولية لسد العجز".

وحسب تقديرات سابقة لصندوق النقد الدولي، فإن السعودية تحتاج إلى 85 دولارا لسعر برميل النفط لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات وعدم تحقيق عجز في الموازنة العامة، وهو ما يستحيل تحققه مع الأسعار المنخفضة الحالية.

تفاقم عجز الكويت

وفي الكويت، من المتوقع أن تؤثر أزمة تهاوي أسعار النفط بشكل كبير على الميزانية العامة للدولة، خاصة في ظل اعتماد الحكومة على إيرادات النفط بنسبة 95% كمصدر أساسي للدخل بالميزانية، وفق بيانات رسمية.

يقول الخبير النفطي الكويتي، خالد الأربش، لـ"العربي الجديد" إن ميزانية الكويت مربوطة بسعر نفط تقديري عند 55 دولارا للبرميل وبسقف إنتاج يبلغ 2.7 مليون برميل، ووفقا لهذه العوامل فإن أرقام الميزانية الحالية قد اختلفت بشكل كبير.

ويشير الأربش إلى أنه في حال بقاء أسعار النفط عند مستوى 30 دولارا للبرميل خلال الميزانية الجديدة 2020 /2021 والتي تبدأ مطلع إبريل/ نيسان المقبل، فإن الكويت يمكن أن تواجه الأزمة برفع إنتاج النفط إلى مستوى 4.9 ملايين برميل من المستوى الحالي لكي تغطي الإيرادات المقدرة على سعر 55 دولارا، وهذا الأمر فيه استحالة في الوقت الحالي.

ويضيف أنه في حال تم بناء السيناريو على 40 دولارا، فإن الكويت أمام مقترح زيادة الإنتاج إلى مستوى 3.7 ملايين برميل (أي زيادة عن المستوى الحالي بمليون برميل)، وهذا فيه نوع من الاستحالة أيضاً، لافتاً إلى أن الإيرادات المتوقعة وفقا لهذا السيناريو تبلغ 39.5 مليار دولار، ليرتفع عجز الميزانية إلى أكثر من 27% من عجز الميزانية القادمة البالغ 30 مليار دولار.

وحول أصول الكويت المالية الضخمة وصندوقها السيادي الذي يصنف كرابع أكبر صندوق سيادي بالعالم وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية، أوضح الأربش أن الكويت في الوقت الحالي لا يمكنها السحب من هذا الصندوق، حيث تم تحصينه بعدم السحب منه إلا بقانون خاص لذلك.

ويضيف أنه في ظل الأوضاع الحالية، سيكون أمام الكويت أمران لا ثالث لهما لمواجهة تهاوي النفط وتفاقم العجز، أولهما السحب من الاحتياطي العام للدولة والذي أوشك على النفاد، والأمر الآخر هو إصدار سندات دولية والاستدانة من الخارج لسد العجز بالميزانية.

انكماش اقتصاد الإمارات

ولم تفلت الإمارات من تداعيات الحرب النفطية على اقتصادها، إذ يتوقع أن يتضرر اقتصادها بشكل كبير خلال الفترة المقبلة.

وقال المدير العام لمركز البحوث الخليجية في الكويت، سالم الفيلي، لـ "العربي الجديد" إن الاقتصاد الإماراتي سيعاني بشكل واضح وكبير هذه المرة، حيث لن تتمكن الدولة من مواجهة انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي والتجاري الناتج عن مخاوف وباء كورونا، مشيراً إلى أن الناتج المحلي للدولة من المتوقع أن ينكمش ويتحول بالسالب بنهاية العام الجاري نتيجة الأوضاع الحالية.

ويشير الفيلي إلى أنه على الرغم من انضمام الإمارات للسعودية في حربها النفطية ضد روسيا برفع إنتاجها النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً، إلا أنها لن تتحمل التبعات الاقتصادية لهذا القرار الذي سينعكس بالسلب على أسعار النفط، ما سيؤدي إلى تفاقم العجز المالي بميزانيتها. ويضيف أن أرقام التضخم بالإمارات سترتفع بنسب كبيرة خلال العام الجاري.

وحسب مراقبين، ستنعكس الحرب النفطية على باقي دول الخليج، ومنها قطر، ولكن بدرجة أقل لأن لديها مصدرا آخر مهما للدخل وهو الغاز، كما ستضرر سلطنة عمان أيضا من تهاوي أسعار النفط، إذ تنتج نحو مليون برميل يوميا.

المساهمون