أمارتيا سين: اقتصادي هندي وفيلسوف يدافع عن العدالة

أمارتيا سين: اقتصادي هندي وفيلسوف يدافع عن العدالة

26 فبراير 2020
أمارتيا سين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد (Getty)
+ الخط -
لا يتردد في الصدح برأيه في القضايا السياسية التي تشغل بال مواطنيه في الهند أو العالم. فـ "أمارتيا سين"، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1988 مهموم بكل ما يتعلق بالعدالة.

هذا ما دفعه، قبل أيام، في سياق التعبئة ضد قانون الجنسية الهندي، إلى التعبير عن رفضه لذلك القانون الذي اعتبره متحيزاً ضد المسلمين في بلده داعيا إلى وحدة المعارضة ضده. رأيه مطلوب في هذا الأمر، كما في القضايا الاقتصادية التي سعى عبر مساره إلى إضفاء مسحة أخلاقية عليها.

لم يكن معروفا حتى لدى الكثير من الاقتصاديين في العالم عندما فاز أمارتيا سين بجائزة نوبل قبل 22 عاما، غير أن من اطلعوا على إنتاجات الرجل اعتبروا أنه مفكر شامل، فهو اقتصادي وفيلسوف، لكنه أكثر من ذلك ذو نزعة إنسانية تبتعد عن برودة التحليل الاقتصادي الذي يوهم بالحياد والموضوعية.

رأى أمارتيا سين النور في 3 نوفمبر 1933، اشتغل بالتدريس ببلده الهند، قبل أن يواصل أبحاثه بالولايات المتحدة وبريطانيا، حيث عرف كفيلسوف مهموم بالعدالة واقتصادي للتنمية، فهو مخترع مؤشر التنمية البشرية الذي اعتمده برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية. لم يكف عن المطالبة بالعدالة، ولم يتردد في التعبير عن مواقف مناهضة للممارسات التي تفضي إلى الإقصاء، وهو ما تجلى في تنديده بقانون الجنسية الأخير بالهند.


عرف بأعماله حول الرفاه والجوع والفقر، التي ساهمت في إعادة البعد الأخلاقي للنقاش الاقتصادي عبر المزاوجة بين التحليل الاقتصادي والتحليل الفلسفي. عندما تحدث عن الجوع أكد على أنه يمكن أن تعرفه بعض المناطق، رغم ضيق المخازن بالسلع، حيث يؤكد على أن المجاعات يمكن أن تكون لها أسباب بنيوية أكثر منها مناخية خاصة في الهند وباكستان.

وعندما يتحدث اقتصاديون عن القدرة الشرائية من أجل تفسير المجاعات، يتحدث أمارتيا سين عن المهمشين، الأكثر فقرا بين الفقراء، فهو يرى أن أولئك الذين لا يستفيدون من أي تضامن عائلي أو ديني أو حتى أخلاقي لا يتمتعون حتى بصحن أرز. إنهم مقصون من كل شيء، فتصيبهم المجاعة، حتى عندما تكون المخازن مملوءة.

مساهمته في دراسة المجاعات، وجدت صدى كبيرا لدى الحكومات في ما يتعلق بطرق الوقاية ومحاربة تلك الظاهرة. فقد كان شاهدا في العام 1943، ولما يتجاوز العاشرة من العمر، على مجاعة ضربت إقليم البنغال، حيث قضى بسببها ثلاثة ملايين شخص.

كان العديد من أصحاب القرار والمراقبين ردوا تلك المجاعة إلى انخفاض الإنتاج من الغذاء، غير أنه أكد في كتاب له حول الفقر والمجاعات الصادر في 1982، والذي تناول فيه المجاعات في الهند وبنغلادش وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، أن المجاعات لا تفسر بالضرورة بندرة الغذاء، بل باختيارات سياسية سيئة. هو يؤكد على الفوارق الناجمة عن آليات التوزيع و"حقوق الولوج للغذاء". ويتصور أن تقليص الفوارق بدأ بتشجيع الرقابة الديمقراطية للحكومات، ويشدد على أن الديمقراطيات لا تعرف المجاعات.

ويؤكد أمارتيا سين على دور الدولة التي تعيد توزيع الثروة وتؤمن الحدود الدنيا من الحقوق للأفراد. هذا ما يجعل مساهمته في إحداث نقلة كبيرة في الكتابات حول الفقر، ويؤثر على مفهوم التنمية كما يتصوره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، على اعتبار أنه كرس مفهوم التنمية البشرية المستدامة، الذي يتعارض مع رؤية المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تكتفي بالتعاطي مع الناتج الإجمالي المحلي.


نظرية الاقتصادي الهندي حول التنمية ألهمت التقرير السنوي الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الذي أضحى يأخذ بعين الاعتبار مؤشرات التنمية البشرية ومؤشرات الخصاص على مستوى القدرات.

يحسب لأمارتيا سين الأب لأربعة أبناء أنه ساهم في بلورة نظرية القدرات، حيث يعتبر أن الفوارق بين الأفراد لا يجب أن ينظر إليها من زاوية الموارد التي يستفيدون منها، بل من زاوية القدرة على تحويلها إلى حريات حقيقية، فالفقر لا يختزل في جانبه المالي، بل يجب التعاطي معه كذلك من منظور حرية المبادرة والقدرة على الفعل.

ويعتقد أنه لا حرية إلا عبر الحرية ومن أجلها، مؤكدا على أن الاستبداد وغياب الفرص الاقتصادية وغيات الخدمات العمومية وعدم التسامح، تمثل عوائق أمام الحرية. يشدد على أنه لا ينهض ضد السوق، بل يعتبره ضروريا، حيث إن غيابه يمثل إنكارا للحرية الأساسية، المتمثلة في تبادل السلع.

يؤكد الاقتصادي المغربي، نور الدين العوفي في الكثير من كتاباته على الدور الذي اضطلع به أمارتيا سين في إعطاء معنى أكثر عمقا لنظرية العدالة، التي تصبح في نظره تلك القدرات التي تتيح للأفراد اختيار شكل الحياة الذي يحلمون به.
فالقدرات التي يتمتع بها الأفراد تقاس بالإمكانيات المتاحة من أجل "التنزيل الفعلي للحقوق الشكلية، أو السلبية (الحق في التعليم، في الصحة، في السكن، في الشغل)، وتحقيقها على أرض الواقع، لتتحول إلى خدمات فعلية يستفيد منها الجميع بنفس الشروط والمواصفات (المدرسة، المستشفى، سوق الشغل، الولوج إلى المناصب، إلى غير ذلك)".

لم يفصل انشغاله بالاقتصاد عن قضايا حقوق الإنسان، فهو يتحدى الرؤية التي تريد أن ترد الجذور التاريخية لفكرة حقوق الإنسان للقيم الغربية، معتبرا أن قيم التسامح والحرية والخوف من الفقر، لم تنفرد بها المجتمعات الغربية، بل لها جذور في مجتمعات أخرى.
تلك قناعة تجعل نهوضه ضد قانون الجنسية منسجما مع قناعات تشبع بها في بلده قبل أن يصبح مرجعا في الدفاع عن العدالة والحرية التي يراها ترجمة للقدرات التي تتاح للإنسان.