لبنان يحاول "التملص" من استحقاق السندات الدولية...والليرة تخسر 68%

لبنان يقترب من "فخ" صندوق النقد الدولي... والليرة تخسر 68% من قيمتها

17 فبراير 2020
خيارات رئيس حكومة "الإنقاذ" حسّان دياب مُرّة (حسين بيضون)
+ الخط -
خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 68% من قيمتها قياساً بسعر الصرف الرسمي حتى بعد ظهر اليوم، عقب تواصل صعود الدولار الأميركي، اليوم الاثنين، بسوق الصرّافين في بيروت، وبلوغه رقماً قياسياً بواقع 2500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، فيما تقترب الحكومة من الوقوع في "فخ" صندوق النقد والبنك الدوليين في محاولة للتملص من سداد سندات "يوروبوند" قيمتها 2.5 مليار دولار تستحق على مدى 3 أشهر.

أحد الصرّافين أكد لـ"العربي الجديد"، أن سعر الدولار في السوق الموازية بلغ حدّه الأقصى، اليوم الاثنين، بواقع 2460 ليرة، بينما سجل السعر الوسطي 2550 ليرة، ما يعني أن الفارق عن سعر الصرف الرسمي البالغ 1507.5 ليرات سعراً وسطياً، أصبح يتخطى 68%، وهو عملياً ما خسرته الليرة اللبنانية من قيمتها منذ بداية الأزمة علناً في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وهذا ما دفع بالمدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، إلى استدعاء نقيب الصرّافين محمود مراد، لاستيضاح أسباب "البلبلة" في السوق الموازية، ونقلت وكالة الأنباء "المركزية" عن مراد قوله: "شرحنا أسباب ارتفاع سعر الدولار. فالهجمة الكبيرة على الشراء أفلتت السوق من عقالها، وما يطمئننا أن الجهات القضائية وضعت يدها على الملف".

وأوضح أن "الهجمة على طلب الدولار الأميركي لا تُصدّق! فالطلب قوي جداً، في حين أن العرض أقل". وعزا السبب إلى "المعلومات المتداولة أن المصارف ستؤمّن الدولار للمودِعين كل 15 يوماً فقط، وكلما خفّ العرض ارتفع الطلب أكثر من دون أن نتمكّن من تلبيته كاملاً، فيصبح الدولار عملة نادرة يرتفع سعرها".

ولفت إلى أن "تطبيقاً على الهاتف الخليوي عزّز الهلع على شراء العملة الخضراء... فلم تعد الأسعار محدّدة من الصرافين، بل عبر هذا التطبيق الذي يسوّق للأسعار بما يؤدي إلى ارتفاعها عند التداول".

وحذر من أن هذا الوضع "يخلق مضاربة ومنافسة بين الصرافين غير المرخص لهم وأولئك الذين يبيعون التجار بأسعار مرتفعة ويشترون بأسعار مرتفعة أيضاً، ما أدى إلى ضرب السوق".

المؤسسات الدولية في قلب الأزمة

في غضون ذلك، ومع اقتراب استحقاقات ديون كبرى على 3 دفعات خلال 3 أشهر، تُجرى مفاوضات على قدم وساق بين حكومة حسّان دياب "التكنوقراطية" وممثلين عن المؤسسات الدولية، بخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، في محاولة لاجتراح مخرج من أزمة سداد ديون هائلة قد لا يتمكن لبنان من الوفاء بها.

وفي هذا الإطار، نقلت محطة "أو.تي.في" التلفزيونية أن وفداً من البنك الدولي سيلتقي دياب بعيداً من الإعلام، مساء اليوم، في السراي الحكومية، وذلك بعدما ترأس دياب بعد الظهر اجتماعاً خُصّص لبحث أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان التي تستهلك أكثر من مليار ونصف المليار دولار سنوياً من إيرادات الخزينة، وذلك بحضور نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر عدره، وزير الطاقة ريمون غجر، وزير الاقتصاد راوول نعمه، ووفد من البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي ساروج كومارجا.

وفي الاتجاه عينه، تندرج سلسلة لقاءات دبلوماسية عقدها وزير المال غازي وزني، اليوم، مع عدد من سفراء الدول الأوروبية والأجنبية لبحث تطوّر الأوضاع المالية التي فرضتها الظروف الراهنة.

واجتمع وزني بكل من سفيرة سويسرا مونيكا شموتز كيرغوز، وسفيرة النرويج ليني ستانسيت، وبحث معهما في الدعم الذي يقدمه كل من البلدين للبنان وشعبه ومؤسساته لتعزيز استقراره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. كما اجتمع بسفير اليابان تاكيشي أوكوبا، وسفيرة أستراليا ريبيكا غريندلاي، وعرض معهما للعلاقات الثنائية بين لبنان وكلا البلدين وسبل تعزيزها في المجالات كافة.

أما سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه، فأكد خلال لقائه مع الوزير "وقوف فرنسا إلى جانب لبنان"، داعيا الحكومة إلى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

كما التقى وزني المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي أكد "أن الأمم المتحدة ستبذل الجهود اللازمة لدعم لبنان في ظل هذه الظروف"، متمنياً "أن تضع الحكومة اللبنانية إجراءات واضحة لمعالجة الأزمات التي تشهدها البلاد، خاصة على الصعيدين المالي والاقتصادي".

مصدر فرنسي رفيع قال لـ"المركزية" إن فرنسا تريد مساعدة لبنان "لكن على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم من خلال محاربة الفساد، والإيفاء بالتزاماتهم المالية، وإبعاد خلافاتهم السياسية عن الاستحقاقات المالية، وأن تفي الحكومة بالتزاماتها المالية الخارجية، حيث إن الدولة تأخرت كثيراً عن إجراء مفاوضات مع الدائنين".

تفاوض على السندات... بدل القضاء

ونقل رئيس اللجنة التنفيذية لـ"اتحاد المصارف العربية"، جوزف طربيه، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، تضامن المصارف العربية مع بنوك لبنان واستمرارها في التعاطي معها رغم الأزمة.

وقال طربيه: "نقلت تجربة المصارف العربية بالنسبة إلى حالات مماثلة، وركزت على الدعوة إلى تجنب المسارات القضائية في هذه الحالات وولوج مسار التفاوض مع الدائنين بدلاً من المسار القضائي، لأن لا خلاف على مقدار السندات ولا على مواعيد استحقاقها، بل يمكن طلب إرجاء دفعها بسبب الظروف المالية من خلال التفاوض على تأجيل الاستحقاق وليس على أي شيء آخر، وهذا الأمر طبيعي في القضايا المالية".

التقاعد والحماية الاجتماعية

وفيما يستعد اللبنانيون لإجراءات قاسية، على ما يبدو نتيجة السياسات المعروفة لصندوق النقد الدولي، عقدت الهيئات الاقتصادية اللبنانية برئاسة الوزير السابق محمد شقير، جلسة عمل مع رئيس اللجنة النيابية الفرعية المكلفة درس مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية النائب نقولا نحاس، بمشاركة أعضاء الهيئات، وتخللها عرض مختلف جوانب نظام التقاعد الجديد وأهميته في تحقيق الحماية الاجتماعية في لبنان.

شقير أكد دعم الهيئات الاقتصادية لهذا المشروع لما له من "أهمية كبيرة في تحقيق الحماية الاجتماعية للقوى العاملة في لبنان"، مشددا على "ضرورة الحفاظ على أموال المضمونين في صندوق الضمان"، محذرا من "الاستمرار في استخدام الأموال المجمعة للمضمونين في صندوق تعويض نهاية الخدمة لتغطية نفقات وعجز صناديق أخرى في الضمان، خصوصا ان هذه الأموال هي حق للمضمونين لتغطية تعويضاتهم بعد تقاعدهم".

وشدد على "أهمية التعاون بين أفرقاء الإنتاج للتوافق على قانون تقاعد وحماية اجتماعية يحقق النتائج الفعلية المرجوة منه"، مؤكدا في هذا الإطار "ضرورة التركيز على كيفية إدارة النظام الجديد، الذي يجب أن يتمتع باستقلالية وشفافية، وكيفية استثمار أموال هذا الصندوق، وكذلك تأمين الديمومة المالية واستمرار التوازن المالي للنظام الجديد".

تأهّب عمّالي

وعلى الجبهة العمالية، استقبل رئيس "الاتحاد العمالي العام" بالإنابة حسن فقيه، الأمين العام لـ"الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب" بوي آمبيت يوسن والممثلة الإقليمية كريستينا موفوكينغ ومنسق الأنشطة في المنطقة العربية وسيم ريفي.

وشرح فقيه أسباب الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان والنتائج الخطيرة التي يمر بها العمال والموظفون، من صرف من العمل وتخفيض للأجور وتقنين دفع ودائع المواطنين وأجورهم والمحاولات الإنقاذية التي تحاول السلطات السياسية القيام بها.

كما أكد "أن الاتحاد سيعطي فرصة للحكومة الجديدة لمواجهة هذه الأوضاع مع التشديد على أن أي إجراء يمس مصالح وحقوق العمال والفئات الشعبية سيواجهه الاتحاد بكل ما يملك من قوة"، مشيرا إلى "حق الناس في التحرك ضد هذه السياسات من دون الوقوع في الفراغ أو الفوضى".

المساهمون