سورية: قرارات متضاربة لضبط الدولار

سورية: قرارات متضاربة لضبط الدولار

13 فبراير 2020
تدهور الليرة رفع أسعار السلع (فرانس برس)
+ الخط -

 

في إطار التخبط الذي تعيشه مؤسسات النظام السوري المالية لمعالجة التدني المتواصل في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والذي يؤدي إلى غلاء فاحش في أسعار المواد الأساسية، أصدرت المؤسسات التابعة للنظام في الأيام الأخيرة جملة قرارات وتعليمات قالت إنها تستهدف معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة في مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

ومن هذه القرارات ما صدر عن "مصرف سورية المركزي" بأن المصرف سيقوم بتسليم الحوالات الواردة عبر شركات الصرافة بسعر تفضيلي يبلغ 700 ليرة سورية للدولار، بعد أن كان حدده بسعر 435 ليرة للدولار طيلة السنوات الماضية، برغم أن السعر تجاوز في السوق حاجز الألف ليرة للدولار.

وكان المصرف المركزي أعلن في وقت سابق نيته شراء الدولار من المواطنين بسعر 700 ليرة سورية دون وثائق، أي دون سؤال صاحب العلاقة عن مصدر الدولار، وكان ذلك الإعلان بمثابة نقطة تحول حيث يتم التعامل بهذه التسعيرة الجديدة للمرة الأولى ليصار إلى اعتمادها حالياً في تعاملات المصرف.

لكن في المقابل، فإن صفحة وزارة الداخلية التابعة للنظام، تكثف في الآونة الأخيرة نشر الأخبار التي تتضمن القبض على أشخاص بتهمة تصريف العملات الأجنبية بحجة محاربة المتعاملين بغير الليرة السورية، تنفيذاً للمرسوم التشريعي الذي أصدره رئيس النظام بشار الأسد في وقت سابق.

وقد أثارت هذه القرارات المتناقضة سخرية واسعة حتى من جانب الموالين للنظام الذين يتساءلون عن كيفية التوفيق بين الدعوات الملحة للمواطنين لإيداع الدولار في مؤسسات النظام دون السؤال عن مصدرها، وبين القبض على كل من يتعامل بالدولار، أو يكون بحوزته أي مبلغ بالدولار.

ويلفت هؤلاء إلى أن الكثير من التعاملات مع مؤسسات النظام يتطلب التعامل بالدولار مثل دفع مبلغ البدل النقدي لعدم الخدمة العسكرية، أو السفر للخارج، وهذا لا يستقيم مع تجريم كل من بحوزته دولار أو عملات أجنبية، حسب مراقبين.

وتعتمد أغلبية السوريين في مختلف المناطق على الحوالات المالية التي تأتيهم من الخارج بشكل أساسي، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ورجحت مصادر مطلعة، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن يسعى النظام الباحث عن العملة الصعبة بأي طريقة، إلى "تسوية مع التجار وأصحاب مكاتب التحويل، يدفعون بموجبها مبالغ مالية للنظام مقابل عدم عرضهم أمام المحاكم الاقتصادية، على غرار ما حصل مع بعض رجال الأعمال الموالين للنظام بمن فيهم قريب رئيس النظام رامي مخلوف، ومحمد حمشو، وسامر فوز، وطريف الأخرس، وغيرهم.

وأشارت المصادر إلى محاولة إجبار رجال الأعمال السوريين في الخارج، وحتى المغتربين واللاجئين الذين يرسلون بعض المال لذويهم في الداخل، على الالتزام بالتحويل عبر الشركات المرخصة بالسعر الرسمي، وهو ما سوف يوفر لخزينة النظام ملايين الدولارات، بسبب الفارق بين سعري المصرف والسوق. ورغم الإجراءات المشدّدة، لم يفلح النظام في وقف نزيف العملة المحلية، إذ تجاوز سعرها 1000 ليرة مقابل الدولار.

وكان المصرف المركزي قرر إغلاق 14 مؤسسة صرافة "لم تؤد الدور المطلوب منها خلال الفترة السابقة في دعم استقرار الليرة السورية، بحسب بيان للمركزي أكد أنه بصدد إعادة النظر في الجدوى الاقتصادية وبفعالية استمرار مؤسسات الصرافة كافة، "بناءً على الدور المنوط بكل منها في دعم الاقتصاد الوطني والتعاملات المالية وتعزيز الثقة بالليرة السورية".

وفي نهاية العام الماضي، أعلن عدد من شركات الحوالات المالية الداخلية توقفه عن العمل، بناء على أوامر من مصرف سورية المركزي، دون معرفة مدة الإغلاق أو سببه، وبعد أيام، أوضحت هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أن سبب الإغلاق هو "معلومات تفيد بتورطها في تنفيذ حوالات خارجية غير مرخص لها القيام بتنفيذها، ومجهولة المصدر بشكل يخالف القوانين".

ووصل عدد شركات ومكاتب الصرافة التي ألغي ترخيصها منذ عام 2007 حتى الآن إلى 90 شركة ومكتباً تقريباً، بنسبة 66% من أصل 133 حصلت على ترخيص للعمل، أي ما يعادل الثلثين، بحسب إحصائيات المصرف المركزي الذي دعا أيضا المواطنين الى الإبلاغ عن استلامهم أية حوالة خارجية عن طريق شركات الحوالات المالية الداخلية، خاصةً الشركات التي تم اتخاذ إجراءات بحقها، بزعم تمويلها للإرهاب بحسب ما ذكرته وسائل إعلام موالية.

وفي إطار هذه القرارات المتخبطة أيضا، قررت حكومة النظام عدم إجراء أي معاملة بيع لأي عقار، إلا عن طريق إيداع الثمن في البنك، في حساب المشتري. كما قررت في وقت لاحق ضرورة الإفصاح عن ثمن العقار بدل عبارة "الثمن المتفق عليه" كما كان يرد سابقا. ويرى متابعون أن هذه القرارات تخالف الدستور السوري المعمول به حاليا والذي ينص على حرية التملك والتصرف.