هذه خسائر الاقتصاد العالمي من انتشار فيروس كورونا

هذه خسائر الاقتصاد العالمي من انتشار فيروس كورونا

10 فبراير 2020
امتدت التداعيات الاقتصادية للفيروس إلى أميركا اللاتينية (Getty)
+ الخط -


تزايدت تداعيات انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين على الاقتصادات العالمية، خاصة مصدري النفط والمعادن والسلع الأولية والخدمات والسياحة.

ويتوقع متابعون لملف الفيروس أن تمتد التداعيات والخسائر إلى التأثير على اقتصادات أخرى متقدمة، لها روابط اقتصادية وتجارية بالصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا.

الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على معدلات النمو الصيني والعالمي، والذي يعاني بالأساس من التباطؤ على خلفية الحرب التجارية التي استمرت طوال العام الماضي، قبل أن تتوصل الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق تجاري مرحلي في وقت سابق من شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

يقول مصرف "آي إن جي" إن "الصين هي محور السوق العالمية للمواد الأولية ، كلما بقيت المصانع مغلقة والقيود مفروضة على الرحلات وقطاع البناء متعثرا، ازدادت العواقب بالنسبة للطلب على المواد الأولية".

الاقتصادات الناشئة أولى الضحايا 

في هذا الإطار، فإن الاقتصادات الناشئة قد تكون أولى ضحايا فيروس كورونا المستجد، إذ تمثّل الصين إحدى أسواقها الرئيسية. 


يشدد كبير الاقتصاديين في شركة "كوفاس" للضمان البنكي جوليان مارسيلي، لوكالة "فرانس برس"، على أن "الصين تمثل اليوم نحو 50 بالمئة من الطلب العالمي على الفولاذ، ويمكن أن تتضرر دول مصدرة مثل روسيا وكوريا الجنوبية أو حتى تركيا، في حال تواصل تراجع الأسعار". 

وتقدر رئيسة قسم الاقتصاد لمنطقة آسيا في مصرف "ناتيكسيس"، آليسيا غارسيا، أن الدول الآسيوية التي توفر المواد الأولية لجارتها الكبرى ستكون أول المتضررين، لكنها تشير، في الآن ذاته، إلى أميركا اللاتينية التي ستكون بين المتضررين من تراجع أحد أبرز شركائها التجاريين. 

وترى غارسيا أن دولا، على غرار تشيلي التي تصدّر النحاس، والبرازيل التي تعد أكبر منتج عالمي للصويا، ستكون بين أشد المتضررين، وكذلك الأرجنيتين. 

تراجع النفط

تراجعت أسعار النفط بنسبة 20% خلال شهر واحد، تأثرا بتراجع الطلب على الوقود، بعد تفشي الفيروس في الصين التي تستهلك أكثر من 10 بالمئة من الإنتاج العالمي للنفط.

يقول كبير الاقتصاديين في شركة "كوفاس" للضمان البنكي جوليان مارسيلي، إن "جميع الدول المنتجة للنفط ستتأثر".

 وقال بنك "إم.يو.إف.جي" الياباني إن فيروس كورونا قد يخفض الطلب الصيني على نفط الشرق الأوسط ويقلص التدفقات السياحية إلى المنطقة، بينما من المحتمل أن تتأثر الواردات بفعل الاضطرابات في سلاسل الإمداد.

وتوقع البنك أن يمتد تأثير هبوط أسعار النفط إلى العجز في الموازنات العامة، ومتطلبات التمويل والتصنيفات الائتمانية.

وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، في مذكرة، أن "وباء كورونا المستجد قد يكبح تزايد الطلب على النفط إذا استمر في الانتشار، ما سيؤدي إلى فائض (في العرض) مع ارتفاع الإنتاج في البرازيل والنرويج والولايات المتحدة".

وتراجع استهلاك الصين النفطي بشكل ملحوظ تأثرا بتراجع الطلب على الوقود بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وحسب أرقام شبه رسمية، فقد وصل إجمالي تخفيض مصافي النفط الصينية، المملوكة للدولة، تكرير النفط الخام إلى 940 ألف برميل يوميا خلال شهر فبراير/شباط الجاري.


السياحة أيضاً

كما اعتبر عدد من الخبراء الاقتصاديين أن السياحة هي أحد الضحايا الرئيسيين لانتشار الوباء، وقال كبير الخبراء الاقتصاديين لدى شركة "كابيتال إيكونوميكس"، نيل شيرينغ، إن "السياح الصينيين ينفقون الكثير من الأموال في الدول الآسيوية، وتبعات حظر السفر ستطاول المنطقة برمتها".

وتمثل الصين أيضا المصدر الأول للسياح، إذ سجلت حوالي 150 مليون سفرة إلى الخارج عام 2018، وفق منظمة السياحة العالمية، وارتفع عدد السياح بمقدار ثلاثة أضعاف خلال عشر سنوات.

وخلال إقامتهم في الخارج، أنفق الصينيون 277 مليار دولار، ما يجعلهم السياح الأكثر إنفاقا، وفق المنظمة ذاتها.

كما يعد الصينيون محرك تجارة السلع الفخمة، حيث يمثل ما ينفقه المستهلكون الصينيون بين 33 و35 بالمائة من قيمة مشتريات السلع الفاخرة على المستوى العالمي، وتختلف الأرقام باختلاف الدراسات.

ورأت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" أن "فيروس كورونا المستجد، الذي ينعكس في شكل إجراءات حظر سفر من الصين وإليها، وحجر صحي في بعض مدن الصين، سيقلص بالتأكيد من إنفاق المستهلكين الصينيين وثقتهم".

الاقتصادات الخليجية

إضافة إلى تأثر الصادرات النفطية الخليجية التي تعد الصين سوقها الأول، فإن الضبابية التي تحيط بانتشار الفيروس أدت إلى زيادة توقعات مديري الصناديق بأن عام 2020 سيشهد تراجعا في إصدارات السندات بالعملة الصعبة من منطقة الخليج مقارنة بالعام الماضي.

وبحسب بيانات رفينيتيف، فقد أصدرت دول الخليج، العام الماضي، سندات دولية برقم قياسي بلغ 87.6 مليار دولار، وهو ما يفوق الـ71.8 مليار دولار في 2018 والمستوى القياسي السابق البالغ 84 مليار دولار.


لكن زيادة في فوارق أسعار فائدة السندات في المنطقة، منذ بداية العام، تشير إلى أن تأثير انتشار فيروس كورونا في الصين على النمو الاقتصادي العالمي، قد يترجم إلى زيادة في تكاليف التمويل لمصدري الديون في الشرق الأوسط، وهو ما يحتمل أن يكبح الاقتراض الجديد.

وقال رفائيل بيرتوني، مدير أسواق الدين لدى شركة "جلف إنفستمنت كوربوريشن"، إن "الضبابية في السوق مؤخرا والفوارق الائتمانية الأكبر بصفة عامة بسبب فيروس كورونا، قد تضيف مزيدا من الضبابية وستشجع مصدري الديون في دول مجلس التعاون الخليجي، سواء الحكومات أو الشركات، على البحث عن مصادر بديلة للتمويل".

وبحسب بيانات رفينيتيف، فقد ارتفعت فوارق سندات الخليج منذ بداية العام. وشهدت السندات الحكومة الدولية للسعودية، المستحقة في 2049، اتساع الفوارق إلى 170 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، مقارنة بـ148.5 نقطة أساس في الأول من يناير/كانون الثاني، وبالمثل، زادت هوامش الدين الحكومي الصادر عن أبوظبي وقطر، وأيضا سندات شركة أرامكو التي يحين موعد استحقاقها في العام 2049.

وقال ريتشارد بريجس، من شركة كريديت سايتس في لندن، "استمر شعور العزوف عن المخاطرة بالأسواق الناشئة الأسبوع الماضي، إذ تتواصل المخاوف حيال التأثير على النشاط الاقتصادي بفعل انتشار فيروس كورونا الجديد".

تراجع النمو العالمي

حسب رأي كبير الخبراء الاقتصاديين لدى شركة "كابيتال إيكونوميكس"، نيل شيرينغ، فإنه "كلما كانت الاضطرابات كبيرة في الصين، ازدادت احتمالات انتشارها في الخارج".

وأوضح مصرف "آي إن جي" الهولندي، في مذكرة، أن "التباطؤ في الطلب الداخلي الصيني سيكون له تأثير واضح على الاقتصاد العالمي، وتحديدا في وقت يحاول التعافي من العواقب التي لحقت به العامين 2018 و 2019 نتيجة الحرب التجارية".


وقالت رئيسة قسم الاقتصاد في مصرف "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، ميشالا ماركوسن، "يمكننا توقع خسارة الصين نقطة مئوية من إجمالي ناتجها الداخلي على مدى عام، وهذا سيقتطع تلقائيا 0,4 نقطة مئوية من إجمالي الناتج الداخلي العالمي"، لكنها وصفت هذا الاحتمال بأنه "غير وخيم نسبيا".

وقال شيرينغ "إن الاقتصاد الصيني هو حاليا أكبر بكثير وأكثر اندماجا بكثير في شبكات الإمدادات الدولية، عن الفترة التي شهدت انتشار فيروس سارس خلال عام 2003، والأزمة المالية العالمية في 2009".

وأوضحت شركة "آليانز" للتأمين أن التباطؤ في الصين، مع ترقب نمو دون عتبة 6% هذه السنة، قبل ظهور فيروس كورونا المستجد، قد ينعكس بالمقام الأول على الدول التي تقيم روابط اقتصادية وثيقة مع الصين، مثل "تايوان وكوريا الجنوبية وهولندا والمجر وإندونيسيا".

ولفت الخبير الاقتصادي لدى شركة "آي إتش إس ماركيت"، فيل سميث، إلى أن التبعات قد تطاول دولا أخرى أيضا مثل ألمانيا، متوقعا "انعكاسات على صادرات الصناعة الألمانية خلال الأشهر المقبلة".

المساهمون