6 تحديات كبرى تختبر حكومة لبنان بعد إقرار الموازنة

6 تحديات كبرى تختبر حكومة لبنان بعد إقرار البرلمان موازنة 2020

28 يناير 2020
دياب حضر جلسة الموازنة وحيداً دون وزرائه (موقع البرلمان)
+ الخط -


في حركة خاطفة، استطاع مجلس النواب اللبناني تمرير الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2020 في جلسة واحدة عقدها يوم الاثنين وحضرها 70 نائباً من أصل 128، بينما بدا حسّان دياب، رئيس الحكومة الجديدة التي تفتقد حتى اللحظة لثقة ممثلي الشعب في "ساحة النجمة"، وحيداً في مواجهة البرلمانيين بغياب وزرائه الـ19 عن المقاعد المخصصة لهم بانتظار أن يصبحوا "موثوقين" في جلسة لاحقة.

أما وقد مرّر المجلس الموازنة المثيرة للجدل في أبعادها الدستورية والسياسية وحتى في صلب الأهداف التي رسمتها لها حكومة سعد الحريري السابقة، فإن المهمة التي ارتضى دياب الاضطلاع بها في زمن أخطر أزمة مالية ومصرفية يمر بها البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، دونها مجموعة من التحديات الجوهرية الكبرى.

1- البيان الوزاري

في محطة دستورية لا بُد من المرور بها، تعكف الحكومة حالياً على إعداد بيانها الوزاري (برنامج عملها) للتقدّم بطلب نيل الثقة في مجلس النواب الذي مرّر موازنة 2020 بأغلبية ضعيفة تمثّلت بـ49 صوتاً من أصل 70 نائباً فقط شاركوا في الجلسة ومن أصل 128 نائباً يشكلون مجموع أعضاء البرلمان، نتيجة مقاطعة حزبَي "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، ما يعني أن موازنة حكومة الحريري التي تبنّاها حسّان دياب حظيت بثقة نيابية مترهّلة نسبتها ناهزت 38% فقط.
وسيُعد البيان الوزاري بمضامينه الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، تحدياً أساسياً ستنطلق منه حكومة دياب، مع أن التوقعات تشير إلى أنه سيكون بياناً عملياً أكثر من أي بيان وزاري سابق، وسيكون بياناً يُحاكي الواقع بصيغة قريبة جداً من واقع الأمور وصريحاً إلى أبعد الحدود، حسبما أكد لـ"العربي الجديد" مصدر وزاري يُشارك في صوغ البيان حالياً.

إلا أن الإشكالية الُكبرى في البيان ستنبعث من بُعد سياسي يكمن في الصيغة التي لطالما تضمّنتها، صراحةً أو تلميحاً، البيانات الوزارية السابقة، وهي تلك المتعلقة بثُلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" التي يحرص "حزب الله" على تكريسها دوماً لضمان تغطية "شرعية دستورية" لوضعه وتوجّهاته، وهو أمر دأبت على رفضه المعارضة ومن خلفها الضاغطون في إطار صراع المحورين الأميركي والإيراني، الذي سينعكس جدلاً سياسياً حاداً بين الأفرقاء السياسيين أكان تحت قبّة البرلمان أو في الفضاء العمومي داخل البلد وعلى منصّات الإعلام الإقليمية والدولية، وكل ذلك في لحظة تاريخية تُنذر باشتداد حدّة هذا الصراع مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفاصيل "صفقة القرن".

2- تمويل خارجي طارئ

ستجد حكومة دياب نفسها أمام استحقاقات مالية على مستوى سداد أقساط من دين عام يناهز 90 مليار دولار بالأرقام الرسمية المُعلنة، إلى جانب النفقات التشغيلية لمرافق الدولة، لكن قدراتها ستكون محدودة، خصوصاً بعد التراجع الكبير الذي أصاب إيرادات الخزينة خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وفي ظل عجزها عن تكبيد المواطنين مزيداً من أعباء الضرائب والرسوم في بلد ارتفعت فيه البطالة إلى 50% ونسبة فقر حذّر "البنك الدولي" قبل أيام من أنها ستطاول نصف الشعب اللبناني ما لم يتدارك المسؤولون تدهور الأوضاع أكثر، يتجه دياب فور نيله الثقة المتوقعة في البرلمان إلى القيام بجولة خارجية تنطلق أولاً من دول الخليج، في محاولة للحصول على تمويل عاجل بقيمة 5 مليارات دولار، فيما أشار العديد من الخبراء إلى حاجة لبنان إلى نحو 20 ملياراً كي تستتب أوضاعه على المدى القصير.
كما سيتجه إلى فرنسا لمتابعة وعود المانحين التي توصل إليها مؤتمر "سيدر" في العاصمة الفرنسية والتي تصل قيمتها إلى 11 ملياراً و600 مليون دولار بين هبات (800 مليون) وقروض ميسرة لمشاريع تنموية وبيئية وغيرها.

بيد أن الفضيحة المُثارة في الآونة الأخيرة في أوروبا بخصوص الفساد في ملف النفايات، مصحوبة بإدراج لبنان في مستويات متدنية جداً على مؤشر مدركات الفساد، ستشعل نقاشاً من نوع آخر مع المانحين، لا سيما الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد والبنك الدوليين، بخصوص المشاريع التي تنوي السلطات اللبنانية تمويلها.

هذا من ناحية. ومن ناحية أُخرى، سيجد دياب صعوبة في نيل مساعدة كبيرة وفورية من دول الخليج التي يخضع إمدادها لبنان بالأموال لاعتبارات عدّة ليس أقلّها الاضطراب السياسي الكبير الذي طرأ على العلاقة معها في السنوات الأخيرة، ولا سيما أن الحكومة الجديدة هي تقريباً من طيف سياسي متقارب محسوب على سلطة "حزب الله"، ولا تشارك فيه قوى معارضة مقرّبة من السعودية ودول خليجية أخرى.

3- لجم جموح الدولار

في صدارة القضايا المثيرة للقلق اجتماعياً واقتصادياً في الوقت الراهن، الارتفاع الكبير الذي شهده الدولار الأميركي في سوق الصرافين منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث خسرت الليرة من قيمتها نحو 46%.

ففي حين لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبّتاً على 1507.5 ليرات سعراً وسطياً لدى "مصرف لبنان" المركزي وداخل البنوك، يتم تداول الدولار بحدود 2200 ليرة، والوضع لا يزال كذلك رغم صدور بيان رسمي عن نقابة الصرّافين بالتعاون مع البنك المركزي حدّد 2000 ليرة سقفاً لسعر العملة الأميركية.
صحيح أن تزامن إعلان قرار نقابة الصرافين مع إعلان تشكيلة حكومة دياب من القصر الجمهوري خفّض الدولار إلى 2000 ليرة تقريباً في الليلة نفسها، إلا أن تصريحاً لوزير المالية الجديد الخبير الاقتصادي غازي وزني، أثار القلق مجدداً بعدما قال لتلفزيون محلي إن عودة الدولار إلى سعره الرسمي في سوق الصرافين مسألة صعبة جداً، إن لم تكن مستحيلة.

ومع أن تصريح الوزير يبدو واقعياً ومنطقياً إلى حد ما، باعتبار أن الصرّافين الذين اشتروا الدولار بسعر مرتفع جداً يحتاجون إلى بعض الوقت كي لا يقعوا في خسائر كبيرة، بحيث يكون الخفض تدريجياً في وقت لا تزال سيولة الدولار في القطاع المصرفي محدودة، إلا أن أول تصريح لأرفع مسؤول مالي في الدولة أظهر الحكومة محدودة الإمكانات ولا يُعوّل عليها بفرض ضوابط في الأسواق المالية وكذلك في تلك الاستهلاكية التي ارتفعت فيها الأسعار بين 50% و100% وأكثر في بعض الحالات.

4- مكافحة مزاريب الهدر والفساد

من أجل تعزيز ثقة الداخل والخارج بها، ستحتاج حكومة دياب إلى جرأة كبيرة تُثبت جدّيتها في مكافحة مزاريب الهدر المزمنة، وفي طليعتها ملف مؤسسة "كهرباء لبنان" التي تستنزف من خزينة الدولة سنوياً سُلفات وصلت قيمتها أحياناً إلى مليارَي دولار سنوياً، وشكلت خسائر متراكمة على حساب الدولة والمواطن تشير التقديرات إلى إهدارها ثُلث الديون العامة المستحقة على لبنان.

وفي السياق سيندرج نهج الحكومة في معالجة مسألة التهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود والموانئ الجوية والبحرية والبرية، وهي ملفات أفقدت الدولة مليارات الدولارات على حساب المواطنين والشركات والاقتصاد الوطني ككل، علماً أن غالبية الملفات المرتبطة بالفساد أُحيلت على السلطات القضائية، أو تم تحريكها، بضغط من حراك الشارع الذي انطلق في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ولا يزال مستمراً في شوارع وساحات بيروت والمناطق.

وسيكون المطلوب من السلطات في المرحلة المقبلة التأكيد على استقلالية القضاء ليكون فاعلاً في بت الملفات الشائكة.
5- ترسيخ "فلسفة الإنتاج"

دأب لبنان منذ بداية تسعينيات القرن العشرين على تعزيز القطاعات المصرفية والخدماتية على حساب الإنتاج الوطني، وما تحتاج إليه حكومة دياب ترسيخ فلسفة اقتصادية جديدة تقوم على تدعيم الإنتاج للحد من فاتورة الاستيراد التي تتجاوز سنوياً 20 مليار دولار، مقابل صادرات تقل عن 3 مليارات، ما أنهك كفّة الدولة في ميزان المدفوعات.

6- الأموال "المنهوبة"

على أهمية استرداد مليارات الدولارات التي نهبها السياسيون وأزلامهم على مدى العقود الثلاثة الماضية، من غير المتوقع أن تضغط حكومة دياب في هذا الاتجاه، باعتبار أن هذا أكثر الملفات تعقيداً الذي تواجهه أي حكومة في لبنان.

المساهمون