تصاعد أزمة السودان... إغلاق مصانع وسط ارتفاع في الأسعار

تصاعد أزمة السودان... إغلاق مصانع وسط ارتفاع كبير في الأسعار

26 يناير 2020
الندرة قد تطاول الخبز والوقود (فرانس برس)
+ الخط -
اشتدت وتيرة الأزمة الاقتصادية في السودان، ما دفع بعض مصانع الأغذية إلى الإغلاق وسط ضبابية المشهد وتصاعد الأسعار، وفي ظل عدم وجود خطة حكومية واضحة تشير إلى حلول مقبلة. واقع يدفع معاناة المواطنين من غلاء الأسعار وجشع التجار، نحو التصاعد، ويهدد بارتفاع نسب البطالة في البلاد.

وقال صاحب أحد المصانع لـ"العربي الجديد": "أغلقنا أبوابنا، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تطورات، لأن كل المؤشرات تؤكد أننا نراكم الخسائر لارتفاع تكلفة الإنتاج والعمالة، وإذا عدنا إلى العمل، فسيكون وفق أسعار جديدة، أعلى من المعتمدة حالياً".

وتخوف مواطنون من تصاعد الأسعار في ظل ثبات الرواتب، ما يدفع نسبة التضخم نحو الصعود، بالتزامن مع تحذيرات من أن الفوضى الحالية تسبق انهيار كامل للاقتصاد السوداني. وشهدت أسعار السلع ارتفاعاً كبيراً. ووصل جوال السكر زنة 50 كيلوغرام إلى 2500 جنيه، والزيت المعد للطعام زنة 36 رطلاً إلى 2200 جنيه وكرتونة الصابون إلى 254 جنيهاً، و120 جنيهاً لكيلو العدس، وكيلو الدقيق صار بـ60 جنيهاً. وانتقلت عدوى ارتفاع الأسعار إلى المطاعم والمقاهي، في وقت أغلق فيه بعض المطاعم أبوابه لندرة الخبز وارتفاع الإيجارات واستحقاقات اليد العاملة.

وتوقع خبراء ومختصون حدوث انهيار اقتصادي قبل شهر مارس/ آذار المقبل، في حين أن البلاد رهنت تحسن وضعيتها المالية بنجاح مؤتمر "أصدقاء السودان" المزمع عقده في إبريل/ نيسان المقبل. وتنتظر الحكومة الانتقالية المؤتمر لدعم السودان عبر منح وقروض ميسّرة، في حين أن خطة وزارة المالية خلال موازنة العام الحالي أُحبطت بعد رفض شعبي لرفع الدعم عن السلع. وقال خبراء إن كل الاجتماعات المقبلة ستفشل وتضع البلاد على "كف عفريت" لجهة أنها مبنية على "توقعات معلقة" لا ترتبط بخطط مدروسة النتائج.

وتركز الحكومة الانتقالية على الحصول على تمويل من الدول والمنظمات لموازنة عام 2020، وفقاً لتأكيدات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، إبراهيم البدوي، الذي أوضح أن الحكومة قدمت عشرين مشروعاً للموازنة لتمويلها من قبل "أصدقاء السودان".

وأكد الخبير الاقتصادي خالد التجاني النور أن الوضع الاقتصادي لا يحتمل التجاوزات التي تحدث الآن، وتوقع الانهيار الاقتصادي الكامل خلال ثلاثة أشهر. وقال إنه "إذا لم يقدم مؤتمر المانحين دعماً حقيقياً للسودان ولم يرفع الدعم حتى إبريل/ نيسان، ستحدث كارثة".

وأقرّ المحلل المالي هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" بتراجع متواصل لأداء القطاعات الحقيقية الرئيسية مثل الزراعة والصناعة، ما أدى إلى ظهور اختناقات كبيرة في الإنتاج زادت من الاعتماد على الاستيراد، خاصة المواد الغذائية، وقلصت من حجم الصادرات، ما أدى إلى المزيد من الطلب على النقد الأجنبي، علماً بأن عائد صادرات الذهب لا يتعدى 1,2 مليار دولار في العام، ما يعادل نحو 18% فقط من فاقد صادرات النفط.

ودعا إلى تنفيذ سياسات الاقتصاد الكلي الملائمة والإصلاحات الهيكلية ذات الأهمية كإصلاح الدعم بالانتقال من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج مع تحسين بيئة الأعمال لدعم الاستثمار الخاص المنتج. وكذا، زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في البنية التحتية بغية دعم التعافي وزيادة إمكانات النمو الاقتصادي للحيلولة دون تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد.

وأضاف فتحي أنه "مما لا شك فيه، أن الأزمة الاقتصادية الحالية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي كلها عوامل أثرت بجميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي بالمستوى المعيشي للمواطنين". وقال: "بدا هذا الأثر واضحاً على الموازنة العامة للدولة من خلال ارتفاع نسب العجز خلال السنوات السابقة، فقد انخفضت الموارد نتيجة تقلص الضرائب الناجمة عن انخفاض حجم النشاط الاقتصادي".

وتابع فتحي: "نلحظ تراجع أداء بعض المنشآت والشركات العامة والخاصة، وكذلك انخفاض الإيرادات الأخرى للخزينة العامة، وأهمها إيرادات الصادرات خاصة". وشرح أن هناك معطيات عديدة تؤكد صعوبة حصول السودان على دعم مالي دولي في القريب العاجل بسبب مقصلة الديون الخارجية التي تعرقل أي توجه لمد يد العون للاقتصاد المأزوم.

وأكد أنه لا تنمية ولا عدالة اجتماعية من دون نظام سياسي ديمقراطي يقوم على الشفافية والمشاركة والمساءلة، فالحديث عن أزمة وندرة السلع والخدمات الأساسية في السودان قضية متفرعة، خاصة أن المشكلة ليست ناتجة من خلل معين في إدارة المنظومة، لكنها متعلقة بعدم وجود نقد أجنبي لشراء هذه الضروريات من الخارج، وهذه هي الأزمة بالأساس.

أما الاقتصادي الفاتح عثمان، فقال لـ"العربي الجديد" إن الاقتصاد السوداني لن ينهار بسرعة، ولكن إن فشل المؤتمر الاقتصادي الذي يفترض أن ينعقد في مارس/ آذار في الاتفاق على رفع الدعم السلعي "فمن المؤكد أن الجنيه سيواصل الانهيار أمام الدولار، لكن هذه المرة قد يتخطى حاجز 200 جنيه قبل نهاية العام الحالي. بالتالي ستعجز الحكومة عن توفير الخبز والكهرباء والوقود، وستدخل البلاد في أتون الندرة الشاملة مع تضخم جامح ابتداءً من العام المقبل".

وأضاف: "كل الإصلاحات التي تشترط إلغاء الديون تتطلب رفع الدعم السلعي لتتمكن الحكومة من تسيير الموازنة".

وتهاوى سعر العملة السودانية رغم الحملات التي تشنّها السلطات المحلية لمحاربة السوق السوداء التي وصل فيها الدولار إلى 100 جنيه لأول مرة في تاريخه.

ورغم تراجع الحكومة عن رفع دعم عن السلع لخطورته في الوقت الراهن، إلا أن وزارة المالية رهنت استمراره بمخرجات المؤتمر الاقتصادي. وشدد وزير المالية إبراهيم البدوي، على ضرورة الانتقال من سياسة الدعم السلعي "المحروقات والقمح" إلى سياسة دعم المواطن مباشرة عبر سياسة الدعم الأساسي شبه الشامل، وقال: "لن نستطيع تحقيق استقرار اقتصادي إن لم ننتقل إلى الدعم المباشر"، مشيراً إلى أن 65% من الشعب السوداني تحت خط الفقر.

ورفضت قوى الحرية والتغيير رفع الدعم التدريجي عن البنزين والمازوت التي تضمنتها ميزانية 2020 المقدمة من وزير المالية، ووصفتها بـ"الكارثية". وبعد مداولات طويلة، تمّ الاتفاق بين الحرية والتغيير ووزير المالية على إلغاء رفع الدعم في الربع الأول من العام، وأن يُحال القرار النهائي على مخرجات حوار مجتمعي ومؤتمر اقتصادي تقدم فيه رؤى ومقارنات بين رفع الدعم والبدائل الأخرى لزيادة إيرادات الموازنة.

وصف الخبير الاقتصادي السوداني حسن السنوسي لـ "العربي الجديد" أزمة الاقتصاد السوداني بـ "غير المألوفة". وأشار إلى أنه في العام 2011 عانى الاقتصاد السوداني من ركود تضخمي بوجود سلع متاحة وأسعار عالية. وفي 2018 عانى من ركود مع تضخم وندرة السلع، مشيرا إلى وجود سماسرة يتاجرون بقوت المواطن ويرفعون الأسعار.

ورأى نصر الدين شلقامي رئيس جمعية حماية المستهلك أن تذبذب الوضع الاقتصادي يؤدي إلى المزيد من الأعباء المعيشية التي تطاول المواطنين. وقال إن ضبط الأسعار مسألة ضرورية، تتطلب إجراءات سريعة. وتسود حالة من الخوف والقلق وسط العاملين في الأسواق بسبب إغلاق عدد من المتاجر أبوابها.

وقال التاجر اسحاق الضو لـ"العربي الجديد" إن الكثير من التجار خرجوا من السوق وأغلقوا محالهم نتيجة لركود الأسواق. أما محمد مختار صاحب بقالة فأكد أن "حركة الشراء توقفت تماما في الأيام الأخيرة، الكل يشكو من الغلاء". ودافع التجَار عن أنفسهم نافين ما يشاع عنهم بأنهم يتلاعبون بالأسعار ويستغلون الأوضاع الراهنة. إذ أكد تاجر تجزئة على أن البائعين يشترون السلع من تجار الجملة الذين يعرضونها بأسعار مرتفعة.

المساهمون