مأزق الليرة السورية وجديد قمع الأسد

مأزق الليرة السورية وجديد قمع الأسد

22 يناير 2020
تدهور الليرة السورية ضرب قدرتها الشرائية (فرانس برس)
+ الخط -

في الأنظمة القمعية والمستبدة يتم التعامل مع اضطرابات أسواق الصرف الأجنبي وتهاوي قيمة العملات المحلية مقابل الدولار على أنها قضية أمنية بامتياز، وليست قضية اقتصادية تهدد الأمن القومي للبلاد.

ولذا يتم التعامل مع تلك الاضطرابات وعلاجها بأسلوب أمني بحت قد يفوق الأسلوب الذي يتم التعامل به مع تجار المخدرات وناهبي المال العام وغاسلي الأموال القذرة وتجار الأثار.

مثلاً عندما تتهاوى العملة المحلية لأسباب اقتصادية بحتة تتعلق بفشل مالي، واندلاع حروب وقلاقل، وزيادة المخاطر الجيوسياسية، وتراجع إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، وارتفاع منسوب الفساد وتهريب الأموال، هنا يكون أول رد فعل لصانع القرار في الأنظمة القمعية ليس علاج الأزمة باسلوب اقتصادي عبر ضخ مزيد من السيولة النقدية في الأسواق وتحسين موارد النقد الأجنبي وتنشيط السياحة والصادرات.

بل علاج الأزمة يتم اعتقال تجار العملة وتلفيق القضايا لهم وإغلاق شركات الصرافة حتى ولو كانت مرخصة، وملاحقة موظفي البنوك العاملين في إدارات النقد الأجنبي، وكذا عبر تشديد القوانين والعقوبات لملاحقة المتعاملين في العملات الأجنبية، بل وقد تصل العقوبة إلى حد منع الأفراد من التعامل بالدولار وحيازته من الأصل وقصر التعامل على العملة المحلية.

أحدث مثال على ذلك المرسوم الذي أصدره بشار الأسد، السبت الماضي، ويقضي بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية كوسيلة المدفوعات.

وحسب المرسوم التشريعي يعاقب من يقوم بالتعامل بغير العملة السورية بـ"الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن 7 سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة".

وتضمن المرسوم توجيها للمحكمة بالحكم بـ"مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصرف سورية المركزي".
وبإصدار هذا المرسوم يظن النظام السوري أنه عالج أزمة تهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار دون أن يستفيد طبعا من تجارب الأنظمة الأخرى التي سبقته وعالجت اضطرابات أسواق الصرف بالطرق الأمنية البحتة، واضطرت هذه الأنظمة في النهاية إلى اتخاذ قرارات خطرة منها تعويم عملاتها وتركها للانهيار مخلفة وراءها كوارث مجتمعية وقفزات في أسعار السلع والخدمات وارتفاعا في تكلفة الإنتاج داخل المجتمع وتهاويا لمدرات المواطنين.

نظام الأسد يواجه أزمة اقتصادية ومالية ونقدية معقدة بسبب الحرب الأهلية واستمراره في قتل شعبه لمدة 9 سنوات متواصلة وبمساعدة أنظمة قمعية أخرى في إيران وروسيا والصين، وأدت الأزمة إلى انهيار العملة السورية لترتفع قيمة الدولار من 45 ليرة في العام 2011 إلى الاقتراب من حاجز 1150 ليرة حالياً وبنسبة تراجع تقترب من 1400%.

وبدلاً من أن يبحث الأسد عن سبب الكارثة التي يمر بها سوق الصرف وأدت إلى حدوث كوارث ويعالجها راح يواصل سياسة القمع ضد شعبه حتى ولو جاءت هذه المرة عبر ما سماه مواجهة المضاربات على الليرة ووأد السوق السوداء للعملة، ولم تتطرق إلى مواجهة الأزمة عبر أساليب اقتصادية وفنية.
هذا الطريق سيوصل النظام السوري إلى طريق واحد هو تعويم العملة، وهنا ستشهد سورية كارثة اقتصادية في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد، وسطو الولايات المتحدة على نفط البلاد، ومرور حلفاء الأسد بأزمات اقتصادية حادة، وصعوبة الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية.