الدخول الاجتماعي.. الشارع الجزائري يتأهب في شهر المدفوعات الاستثنائية

الدخول الاجتماعي.. الشارع الجزائري يتأهب في شهر المدفوعات الاستثنائية

07 سبتمبر 2019
توقعات بعودة الزخم للحراك الجزائري (Getty)
+ الخط -
لم يسبق أن عاشت الجزائر وضعاً معيشياً واقتصادياً مضطرباً في شهر سبتمبر/ أيلول الذي يُعرف بفترة "الدخول الاجتماعي"، كما يحصل هذا العام. إذ يشهد هذا الشهر عودة العمال والموظفين إلى شغلهم بعد الإجازات، والتحاق التلاميذ بمدارسهم، واستعداد الأسر لمدفوعات استثنائية من أقساط وتحضيرات للمؤن الشتوية ووسائل التدفئة. 

وينذر شهر الدخول الاجتماعي للعام 2019 المنتظر على امتداد الأسبوعين المقبلين، بمؤشرات ساخنة، تذكيه نار الجبهة الاجتماعية المكوية بغلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية، يضاف إليها غموض المشهد الاقتصادي بسبب ضبابية المشهد السياسي. فالجزائر، بعد أكثر من ستة أشهر من الحراك لا تزال تبحث عن مخرج من نفق الانسداد السياسي الذي خلفه سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة.

مخاوف سياسية واقتصادية

ويأتي الدخول الاجتماعي هذه المرة، غير مسبوق في تاريخ الجزائر، في ظل غياب رئيس مُنتخب للبلاد، ورغم تطمينات رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، تبقى العديد من المخاوف تهدد بإفشال الدخول الاجتماعي حسب ما يراه بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين، الذين أكدوا أن الحكومة ستكون في ورطة، لأنها اعتادت مخاطبة الرأي العام باسم توجيهات رئيس البلاد الغائب هذه المرة.

واعتبروا أن مجال مناورة الحكومة ضيق للغاية، لأن رئيس الحكومة بحكم الدستور هو منسق بين أعضاء الجهاز التنفيذي، بينما الدخول الاجتماعي يتطلب عقد مجلس للوزراء برئاسة رئيس البلاد المُنتخب للفصل في الملفات الاجتماعية والاقتصادية.

وفي السياق، قال الخبير السياسي جمال مغراوي إن "الفراغ الدستوري الذي تعيشه الجزائر منذ أشهر بدأ يؤثر على الحياة اليومية للمواطن بعدما كان تأثيره على مؤسسات الدولة فقط، وبدأ يولد ضغطاً على الشارع الجزائري المتخوف على مستقبله وعلى وظيفته وكل ما حققه من مكتسبات". وأضاف مغراوي لـ "العربي الجديد" أن "الدخول الاجتماعي يأتي هذا العام ملغماً، ويمكن أن يكون شرارة انفجار جديدة للشارع الجزائري".

ويعد ملف الضغط الاقتصادي الناتج عن مخاطر تدهور قيمة الدينار، وغياب موارد مالية تشتري بها الحكومة السلم الاجتماعي، عوامل ستزيد من الضغط على الحكومة عشية الدخول الاجتماعي والمدرسي هذا العام الذي انطلق الجمعة في السادس من سبتمبر/أيلول.

وزاد ما تشهده البلاد من حراك شعبي، توتر الجبهة الاجتماعية هذه السنة، وسط نقص الإيردات النفطية التي كانت تغطي ضعف الأداء الحكومي، والتقلبات التي تمر بها الجزائر.

واعتبر أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر عبد الوهاب كسكاس أن "الدخول الاجتماعي يصاحبه هذه السنة زخم شعبي وسياسي كبير، ما يجعله محطة فارقة ونوعية، خاصة إذا عرفنا أن الجزائريين بدأت تتملكهم قناعة أنهم لم يحققوا الكثير من الإنجازات السياسية على أرض الواقع إذا استثنينا خلع بوتفليقة وفتح ملفات الفساد".

وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "النظام ومن يمثله من مؤسسات يريد الالتفاف على الحراك وتمرير أجندات رسمية مركزة فقط على إجراء انتخابات رئاسية من دون ضمانات. وهو جو سياسي ينبئنا بأن الدخول الاجتماعي سيعرف فيه الحراك تجذراً فعلياً وربما الذهاب بسرعة أكبر للمطالبة بما خرج الجزائريون من أجله في 22 فبراير/ شباط وهو القطيعة مع نظام سياسي تحول إلى خطر فعلي على مصالح المواطنين والدولة".

غضب عمالي

من جهتها، دخلت النقابات على خط الضغط على الحكومة المؤقتة، حيث توعد العديد منها بالعودة إلى الاحتجاجات خلال الدخول الاجتماعي، في حال بقيت مطالبها من دون تسوية، ويتعلق الأمر بقطاعات استراتيجية مثل التعليم والصحة والصناعة، وكذا البلديات وحتى قطاع المالية والبنوك، وتتقاطع مطالبهم في جملة من النقاط في مقدمتها مسألة الأجور والقوانين التي تحمي الوظائف، وتتمسك نقابات بقرار شل القطاعات بداية الدخول المدرسي.

وقبل أيام معدودة من الدخول الاجتماعي، أطلق العديد من النقابات بيانات تؤكد فيها أنها لن تسكت وستواصل الاحتجاج.

وكشف إلياس مرابط رئيس النقابة الجزائرية لممارسي الصحة العمومية (تكتل النقابات المستقلة) أن "خيار العودة للاحتجاج غير مستبعد بسبب المسار الحالي الذي لم نكن نتمناه، وبالتالي يجب الآن الضغط أكثر على السلطة الفعلية أو من يمثلها حتى توجِد حلولا تُرضي العمال".

وأضاف النقابي الجزائري لـ "العربي الجديد" أن "النقابات ستضغط بالشارع حتى تلبى مطالب العمال ونتمسك بمقاطعتنا لدعوات الحكومة المؤقتة، فلحد الساعة لا يوجد نقابة مستقلة تجتمع مع الوزراء وتتفاعل أو تتعامل معهم، بالرغم من الدعوات المتكررة لحضور الاجتماعات والندوات، وهذا من منطلق دعمنا للعمال كنقابات مهنية في الوظيفة العمومية والقطاعات الاقتصادية".

من جانبه لفت صادق دزيري رئيس نقابة عمال التربية والتكوين لـ "العربي الجديد" إلى أن "عودة النقابات المستقلة لاستعمال لغة التصعيد واردة جدا في الأيام المقبلة لعدة أسباب، ربما أولها سياسي، بسبب مماطلة السلطة الحاكمة اليوم في الاستجابة لمطالب الشعب الجزائري الذي نعد جزءا منه، والسبب الثاني اقتصادي اجتماعي، فالعامل الجزائري يعيش اليوم ظروفا معيشية صعبة تتميز بالغلاء وضعف القدرة الشرائية، في وقت تكشف قضايا الفساد المفتوحة أمام القضاء، حجم الأموال المنهوبة واحتكار أقلية لخيرات البلاد لسنوات طويلة".

جمود حكومي

ومع بداية الدخول الاجتماعي الذي يتميز بعودة العمال إلى مناصب شغلهم، رفقة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة، تقف الحكومة المؤقتة عاجزة عن مواجهة الغضب الشعبي والعمالي الرافض لها، في ظل انعدام الحلول وشح الموارد المالية، حيث اكتفت بتهيئة المدارس والجامعات، واتخاذ إجراءات تقنية لا تكفي لامتصاص حرارة الشارع الجزائري.

وحسب مختار بن السعيد عضو لجنة الوساطة والحوار المنصبة مؤخرا والتي تنحصر مهمتها في التحضير للانتخابات الرئاسية، فإن " حكومة نور الدين بدوي لا تواجه فقط مشكلة شح الموارد المالية، بل تعاني من مشكل آخر وهو الرفض الشعبي لها، ما عطل عملها وعطل حتى البلاد، لذلك وضعنا ذهابها شرطاً لنجاح الانتخابات الرئاسية".

وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "هوامش تحرك الحكومة تبدو ضيقة إن لم نقل منعدمة وأبرز دليل على ذلك، هو عدم توصلها لإعداد موازنة السنة المقبلة، فما بالك بتهدئة الغضب الشعبي والعمالي المستمر منذ سنوات".

دلالات

المساهمون