انفلات للأسعار في سورية على وقع تهاوي الليرة

انفلات للأسعار في سورية على وقع تهاوي الليرة

05 سبتمبر 2019
تراجُع القدرة الشرائية للسوريين (Getty)
+ الخط -
يستمر تهاوي سعر الليرة السورية من الأسبوع الماضي، إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2016، حيث تعدى سعر صرف الدولار في السوق السوداء الخميس 655 ليرة مقابل الدولار. واقع زاد معاناة السوريين في البحث عن تأمين لقمة عيشهم، وسط تزايد المشكلات الاجتماعية والمعيشية في بلاد تتشرذم فيها غالبية المواطنين ما بين قتيل وجريح ونازح. 

ويقول المواطن صبري أحمد من دمشق لـ "العربي الجديد"، إن "أسعار كل السلع تقريباً ارتفعت بأكثر من 15 في المائة خلال الأيام العشرة الأخيرة"، وذلك بعد تراجع سعر الصرف وقلة العرض في الأسواق التي ترافقت مع محدودية استيراد السلع الاستهلاكية.

ويلفت أحمد، وهو عامل في قطاع التجارة الخارجية، إلى أن الفترة المقبلة "ستكون أكثر غلاء وسوءاً"، كاشفاً أن معظم العقود التي تم توقيعها خلال معرض دمشق الدولي كانت تصديرية، إذ "يتم تصدير الخضر والفواكه إلى روسيا والعراق وإيران، والآن أضيفت لقائمة الصادرات اللحوم إلى الإمارات، في حين تشكو السوق المحلية من نقص في عدد كبير من المواد والمنتجات".

ويسأل المحلل الاقتصادي محمود حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، "كيف يمكن للمواطن السوري الذي لا يزيد دخله الشهري عن 45 ألف ليرة، أن يعيش وسط الغلاء ونهج التجويع والتفقير الذي يعتمده نظام بشار الأسد؟ ويضيف حسين أن ارتفاع الأسعار ترافق مع تهاوي سعر الصرف، في أكثر الفترات إنفاقاً لدى السوريين، فالآن افتتاح المدارس حيث تزداد النفقات على الطلاب، وكذا يعتبر الشهر الحالي بداية فترة إعداد المؤونة الشتوية، كذا يتم التحضير لفصل البرد والتفكير بتأمين طرق التدفئة".

ويتابع أن "الفقر أصبح يطاول أكثر من 85 في المائة من السوريين، في ظل فلتان الأسواق وتفاوت الأسعار، بل وانتشار السلع المخالفة، وقد انتشرت أخبار منذ أيام تفيد بأن أكثر من 50 في المائة من اللحوم بدمشق، غير صالحة للاستهلاك البشري".

ويعزو مراقبون ارتفاع الأسعار خلال الأسبوع الأخير في سورية، إلى تدهور سعر الصرف أولاً، وبيع التجار وفق تقلبات أسعار الدولار، بعد أن فقدت الليرة السورية أكثر من 30 في المائة من قيمتها خلال شهرين ووصلت إلى أدنى سعر منذ ثلاثة أعوام. ويقول الاقتصادي السوري صلاح يوسف إن تراجع سعر الليرة السورية أخيراً، جاء بسبب اشتداد الحصار الاقتصادي ووعيد الولايات المتحدة للدول والشركات التي تتعامل مع نظام بشار الأسد.

ويضيف أن هنالك أسبابا داخلية وصفها بالمهمة، أبرزها زيادة الطلب من التجار على الدولار بالسوق الداخلية، لأن عقودهم لاستيراد سلع ومنتجات موقعة خلال فترات سابقة، ومصرف سورية المركزي، توقف عن تمويل التجارة بالسعر الرسمي (437 ليرة)، ما اضطر التجار لشراء الدولار بسعر السوق السوداء (655 ليرة).

وحول تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي في المصرف المركزي، يشير يوسف إلى أن "هذا الأمر ليس جديداً رغم أهميته، إذ أشار البنك الدولي ومنذ عامين، إلى تراجع الاحتياطي الدولاري بمصرف سورية المركزي من 18 مليار دولار مطلع الثورة عام 2011، إلى نحو 700 مليون دولار، وأعتقد أن نظام الأسد بدد، حتى تلك الملايين، بواقع تراجع العائدات الدولارية التي تأتي إلى سورية، سواء من التصدير أو السياحة، مع زيادة الإنفاق بالعملات الأجنبية، على العقود التي يبرمها النظام، سواء لاستيراد القمح أو المشتقات النفطية".

ويشير الاقتصادي السوري إلى أن هناك أسباباً مهمة طرأت على السوق النقدية السورية خلال الشهر الأخير، منها زيادة طرح أوراق نقدية من فئة ألفي ليرة (عليها صورة بشار)، أو حتى أوراق نقدية صغيرة بحجة تلف القديمة، ولكن بالواقع لم يتم سحب مقابلها من السوق. ويقدر كتلة العملة السورية المتداولة، بين السوق والمصارف، بنحو 700 مليار ليرة "وهذا الرقم الهائل يتم التعامل به من دون تغطية إنتاجية وخدمية أو حتى عملات أجنبية".

ويتساءل يوسف: "إن كانت لدى المصرف المركزي عملات أجنبية، فلماذا يوكل استيراد المشتقات النفطية والقمح للقطاع الخاص، ولماذا انقطع عن التدخل المباشر عبر شركات الصرافة ليبيع الدولار بالسعر الرسمي، ولماذا أيضاً يخدع التجار بعدم دعم تمويل المستوردات بعدما وقعوا عقودهم؟".

ويسخر الاقتصادي السوري خلال حديثه مع "العربي الجديد" مما سماه "طمأنة كاذبة" بدأ مسؤولو نظام الأسد بطرحها، لامتصاص النقمة التي تتشكل داخل سورية، من جراء ارتفاع الأسعار وعدم قدرة السوريين على الموازنة بين الدخل والحاجات الأساسية الذي قدرت مراكز من دمشق، قيمتها بنحو 225 ألف ليرة للأسرة السورية الواحدة.

ويضيف: "لم يقل لنا رئيس اتحاد غرف الصناعة بدمشق، فارس الشهابي، كيف ستتعافى الليرة، كما لم يقدم خطاباً اقتصادياً، بل برر بعبارات سياسية ونظرية المؤامرة، كما اعتدنا سماعها من حكومة الأسد".

وكان فارس الشهابي قد أكد أن حكومة الأسد لا تقف موقف المتفرج من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، رغم أن سورية تعيش حرباً منذ أكثر من ثماني سنوات، وتعاني من جراء الحرب الاقتصادية، نقصاً بالموارد.

وأشار الشهابي، خلال تصريحات صحافية الخميس، إلى أن من أسباب تراجع سعر صرف الليرة، توقف خط الائتمان الإيراني الذي كان يؤمن شهرياً إيرادات للدولة تصل إلى 200 مليون دولار، الأمر الذي يكلف دفع فاتورة ضخمة شهرياً لتأمين احتياجات البلاد. ولمّح رئيس اتحاد الغرف الصناعية إلى أن حكومة الأسد، بصدد اتخاذ قرارات وإجراءات غير مسبوقة قائلاً: "هناك قرارات اقتصادية ونقدية هامة على الطريق"، متوقعاً هبوط سعر صرف الدولار "قريباً جداً".

وبدأت الأصوات ترتفع في دمشق من قبل الموالين لنظام الأسد، متساءلة عن سبب ابتعاد السلطة عن معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، بالرغم من وجود إمكانيات مالية تدعم سيطرة الجيش على شمال غربي سورية، خلال الشهر الأخير، رامين المسؤولية على حكومة عماد خميس وتضارب القرارات الاقتصادية وجشع التجار.

في حين أن مراقبين سوريين على طرف المعارضة، يرون أن ما حققه جيش النظام والروس، زاد من مخاوف السوريين في المناطق المحررة، ما زاد الطلب على الدولار، نتيجة ما يصفونه بالمستقبل المجهول واستعداد الكثيرين في تلك المناطق للهروب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا عبر التهريب، "إذ إن معظم من لديه مدخرات في مناطق أرياف حماة وحلب وإدلب، حولوها للدولار خلال الأسبوعين الأخيرين"، وفق ما يقوله مصدر "العربي الجديد".

ويضيف المصدر، أن زيادة توغل الأسد وقضمه القرى والمناطق في الشمال السوري، يحملانه أعباء مالية إضافية "عدا تكاليف الحرب، حيث سيكون مضطراً لتمويل تلك المناطق التي اعتاد ولسنوات إخراج حصتها من الموازنة العامة، وهذا ما رأيناه بعد كل تقدم للأسد، إن بغوطة دمشق أو في درعا".

ويشير مراقبون إلى أن هناك سبباً مهماً آخر، شكل عبئاً على النظام وأدى أيضاً لتدهور سعر الصرف، وهو تراجع التحويلات الخارجية للأسر في مناطق المحررة من أهلهم وذويهم، إن كانوا بتركيا أو بأوروبا، وهو ما يؤكده صاحب شركة الصرافة في منطقة سرمين في ريف إدلب، صالح السعيد لـ "العربي الجديد" بقوله: "تراجعت التحويلات من تركيا أكثر من 30 في المائة خلال الشهر الأخير".

وكان نظام بشار الأسد، وبإسناد ودعم جوي روسي، قد استعاد مدنا وقرى عدة، في ريفي حماة وإدلب خلال الشهر الأخير، ما أدى بحسب مدير فريق "منسقي استجابة سورية" محمد حلاج، إلى نزوح أكثر من مليون سوري إلى البراري والحدود التركية السورية.

ويؤكد حلاج خلال تصريحات أخيراً، أن قيمة الخسائر الناتجة من الهجوم العسكري للنظام وروسيا، بلغت خلال الحملة الأخيرة نحو 2.41 مليار دولار بعد تدمير المستشفيات والمدارس والمنازل السكنية والمحال التجارية والدور الصناعية والمساكن المؤقتة للنازحين، فضلا عن دور العبادة ومراكز الطاقة الكهربائية والأسواق. وبخلاف الخسائر البشرية التي بلغت نحو ثلاثة آلاف بين قتلى وجرحى.

المساهمون