تونس : السجائر في قبضة المحتكرين والأسعار تقفز 40%

تونس : السجائر في قبضة المحتكرين والأسعار تقفز 40%

03 سبتمبر 2019
غالبية التونسيين يستهلكون السجائر المحلية (فرانس برس)
+ الخط -


لم يترك محتكرو السجائر في تونس خيارات أمام المدخنين، سوى القبول بالأمر الواقع والرضوخ لبورصة أسعار أضحوا يتحكمون فيها بشكل يومي حسب حجم الطلب في السوق، ما تسبب في قفزات كبيرة لأسعار مختلف الأصناف، بما فيها المنتجات التي حددت الحكومة أثمانها.

وشهدت أسعار السجائر زيادة بنسبة 40 بالمائة في بعض الأصناف، خلال الأيام الأخيرة، بعد أن عمد "لوبي السجائر" إلى التحكم في السوق عبر اقتناء أكبر قدر من كميات "الدخان" من الكيانات التي تمنحها الحكومة تراخيص رسمية لبيع الدخان بأسعار محددة مع هامش ربح يبلغ 6 في المائة.

غير أن "لوبي السجائر" يقوم بشراء السجائر من الكيانات المرخص لها بأسعار أعلى من المحددة حكوميا، على أن يبعوها بأسعار أعلى، ما يمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة.

ويقول المواطن محمد بن زينب من سكان تونس العاصمة، إنه يضطر إلى شراء علبة سجائر بأسعار تصل إلى 8 دنانير (2.8 دولار) بالرغم من أن سعرها القانوني لا يتجاوز 5.85 دنانير، مشيرا إلى أن البحث عن سجائر بأسعار معقولة وجودة عالية بات يمثل هاجساً يومياً للمدخنين.

وأضاف محمد لـ"العربي الجديد" أن سلطة محتكري السجائر تتعاظم من عام إلى آخر، في غياب رقابة صارمة على هذه الشبكات، ما يضطر المستهلكين إلى القبول بالأسعار التي يفرضونها، مؤكدا أنه لم يحظ منذ فترة طويلة بعلبة سجائر بالسعر القانوني الذي تحدده الحكومة.

ويعتبر التونسيون من بين الشعوب الأكثر استهلاكا للسجائر في العالم، بمعدل 17 سيجارة يومياً للمدخن، حسب المنظمة العالمية للصحة.

وتعدّ الزيادات الرسمية في سعر السجائر والتبغ بأنواعه في تونس مسألة شبه سنوية، فمنذ عام 2010 لم يمر عام إلا وشهد زيادة في سعر السجائر (باستثناء 2016) بنسب تتراوح بين 150 مليما (الدينار يحوي ألف مليم) كأقل زيادة و500 مليم كأكثر زيادة في السبع سنوات الأخيرة.

وأمام أزمة السجائر المتفاقمة، وعدت وزارة التجارة بشن حملات كبرى على مخازن المحتكرين وإعادة السوق إلى صوابها.

وأقر ياسر بن خليفة، مدير عام المراقبة والأبحاث الاقتصادية في وزارة التجارة، بوجود أزمة تزويد بالسجائر، مشيرا إلى أن اختفاءها من الأكشاك أصبح ظاهرة متواترة.

وقال بن خليفة، لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة تتأهب لرصد بعض المخازن والمنازل التي يتم تخزين السجائر فيها ومداهمتها وحجز السلع ثم إعادة ضخ المحزون في الأسواق.

وأشار إلى أن الإجراءات الرادعة ستطاول أيضا أصحاب تصاريح التزود بالدخان، الذين يطرحون منتجاتهم خارج مسالك التوزيع القانونية، مؤكدا وجود تواطؤ بين أصحاب هذه التصاريح والمحتكرين.

وذكر بن خليفة أنه تم مؤخرا حجز 170 ألف علبة تبغ تونسي مخزنة في منازل ومحلات ومستودعات قصد الاحتكار والمضاربة في أسعارها، وتم على إثرها سحب 163 تصريحا من أصحابها.

وتسند الحكومة تصاريح التزود برخص التبغ إلى أصحاب الظروف الاجتماعية الهشة أو أصحاب الاحتياجات الخاصة، في إطار مساعدتهم على إيجاد موارد رزق، غير أن أصحاب هذه الرخص غالباً ما يؤجرونها لتجار آخرين أو يبيعون الكميات التي يتزودون بها إلى الوسطاء بهامش ربح أعلى مما يجنونه من البيع القانوني.

والعام الماضي، بدأت الحكومة إعادة تقييم منظومة توزيع السجائر، يفترض على ضوء نتائجها مراجعة الإجراءات المعمول بها حالياً في تزويد السوق بالسجائر المحلية. وقال مصدر مسؤول في وزارة المالية لـ"العربي الجديد" إن هناك توجها حكوميا نحو مراجعة معايير إسناد التراخيص، فضلا عن سحب التراخيص التي يثبت التمتع بها من قبل المحتكرين أو تأجيرها من طرف مالكيها بالمخالفة للقانون.

وبجانب الخطوات الحكومية الرامية إلى ضبط السوق، تعمل مصانع التبغ على رفع طاقتها الإنتاجية المقدرة حالياً بنحو 26 مليون علبة شهرياً بنحو 40 في المائة، عبر تركيز سلسلة إنتاج جديدة.

وقال النوري الجبالي، المسؤول النقابي في وكالة التبغ والوقيد الحكومية، إن الطريقة الأجدى لمقاومة الاحتكار والسجائر المهربة ورفع إيرادات القطاع، هو رفع الكميات المصنعة والاستثمار في زراعة التبغ وتحديث سلسلة الإنتاج، مشيرا إلى أن 75 في المائة من التونسيين يستهلكون السجائر المحلية، فيما يذهب الجزء المتبقي إلى السجائر المهربة، مدفوعين إما بارتفاع الأسعار أو شح السجائر التونسية في نقاط البيع.

وأضاف الجبالي أن الحرب على محتكري التبغ والمضاربين تحتاج إلى آليات مراقبة صارمة وسحب التراخيص التي لا يستغلها مالكوها الحقيقيون، معتبرا أن سنوات الفوضى أدت إلى إضعاف القطاع بشكل كبير لحساب السجائر المهربة.

وأضاف الجبالي أن عدد تراخيص بيع وتوزيع السجائر ارتفع إلى 14 ألف ترخيص، مقابل قرابة 10 آلاف ترخيص قبل خمس سنوات، غير أن هذه الزيادة لم يرافقها ارتفاع في إيرادات الضرائب من هذا القطاع، ما يؤكد الخلل الهيكلي على مستوى هذه المنظومة.

ويوفر قطاع التبغ سنوياً نحو 1.3 مليار دينار (456.1 مليون دولار) من الضرائب المباشرة لخزينة الدولة، فيما تغيب الأرقام الرسمية عن رقم المعاملات في هذا القطاع وقيمة الأرباح التي يحققها المضاربون.

وأظهرت دراسة أنجزتها مؤسسة "كي بي ام جي" الدولية المتخصصة في الاستشارات، أن من بين 18.98 مليار سيجارة مستهلكة في تونس توجد 4.64 مليارات سيجارة مهربة، ما فوّت على تونس عائدات ضريبية تعادل 219 مليون دولار سنوياً.

المساهمون