أزمة الدولار "تطحن" قمح لبنان... وصندوق النقد في بيروت

أزمة الدولار "تطحن" قمح لبنان... وصندوق النقد في بيروت

24 سبتمبر 2019
بعثة صندوق النقد في وزارة المالية اليوم (دالاتي نهرا)
+ الخط -

حذّر أصحاب المطاحن في لبنان، اليوم الثلاثاء، من أن مخزون القمح هبط إلى مستوى "خطير"، محذرين من أن البلد قد يواجه أزمة إمدادات إذا لم يتم توفير الدولارات اللازمة لاستيراد الحبوب بالسعر الرسمي، فيما تجول بعثة صندوق النقد في بيروت مضاعفة الضغوط على المسؤولين.

وفي الوقت الذي تتعمّق فيه أزمة الدولار في القطاع المصرفي والأسواق الاستهالكية رغم محاولة "مصرف لبنان" المركزي طمأنة الرأي العام إلى توافر العملة الخضراء، استقبل وزير المالية علي حسن خليل اليوم وفداً من بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة كريس غارفيس، وجرى البحث في تقرير الصندوق حول وضع لبنان النقدي والمالي والتعاون المشترك، وكان الاتفاق على أهمية إقرار مشروع الموازنة العامة لسنة 2020 في مواعيدها مع جملة من الإجراءات "الإصلاحية" المرافقة لها.

وأعلن تجمع المطاحن في بيان أصدره إثر اجتماع له أن "الأوضاع الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد وانعكاساتها على الدورة التجارية، ولا سيما صعوبة التحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي وفارق أسعار الصرف، بدأ يؤثر سلباً على استمرار عمل المطاحن التي تبيع إنتاجها من الطحين بالليرة".
وأوضح أنه "على الرغم من الاتصالات التي أجراها مع كل المسؤولين المعنيين لإيجاد الحل المناسب لعملية التحويل من الليرة إلى الدولار، من دون أن تتكبّد المطاحن خسائر نتيجة فارق سعر الصرف، لم نجد حتى اليوم الآذان الصاغية لمعاناتنا".

وأكد التجمّع حرصه على "توفير مادة الدقيق لصناعة الخبز بالسعر الرسمي، المحدد من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة، ولكن مشكلة التحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي أصبحت مكلفة للغاية، ما يدفعنا إلى إصدار الفواتير وتحصيلها بالدولار محافظة على الرأسمال التشغيلي واستمرار عملنا في تأمين حاجة البلاد من الطحين".

وأشار إلى "أن الاحتياط التمويني من القمح لدى المطاحن انخفض الى مستوى يشكّل خطراً، ما قد يعرض البلاد إلى أزمة تموينية إذا لم تحل مشكلة الدولار الذي تتم بواسطته عملية الاستيراد".

وناشد التجمع "جميع المسؤولين وعلى أعلى المستويات العمل سريعاً على إيجاد الحل المناسب الذي يساهم في تأمين الدولار الأميركي بالسعر الرسمي، ليتمكن أصحاب المطاحن من استئناف عملهم واستيراد حاجة البلاد من مادة القمح التي تعتبر مادة تموينية استراتيجية أساسية".
الهيئات الاقتصادية تحذّر ...

إلى ذلك، عقدت الهيئات الاقتصادية اللبنانية اجتماعا برئاسة رئيسها وزير الاتصالات، محمد شقير، تم خلاله بحث الأوضاع العامة مع بدء مناقشة مشروع موازنة الـ2020، واستباقا لأي حلول قد تأتي على حساب الاقتصاد والقطاع الخاص.

وأصدرت الهيئات بيانا أبدت فيه "تخوفها من مسلسل التراجعات التي تصيب كافة مفاصل الاقتصاد الوطني من دون استثناء"، معتبرة أن "هذه الأزمة العميقة والخطرة لم يمر فيها لبنان بتاريخه".

وأوضح البيان أنه "على ضوء الوقائع المسجلة والتي باتت واضحة للعلن والتي يعيش على إيقاعها السلبي كل اللبنانيين بمختلف فئاتهم، دعت الهيئات السلطة السياسية لأن يكون لديها الجرأة في الدخول على الملفات الأساسية ذات التأثير السلبي الكبير على الوضعين المالي والاقتصادي، واتخاذ إجراءات جذرية لمعالجتها".

وأعلنت أن "القطاع الخاص الذي يمثل ثلاثة أرباع المجتمع اللبناني هو الآن ينهار مثل حجارة الدومينو، كما أن الاقتصاد الحقيقي والقطاعات الإنتاجية تحتضر، في حين لا توجد مبادرات جدية في الأفق".

وإذ أشارت إلى أن "القطاع الخاص سلف الدولة والاقتصاد الكثير من خلال الزيادات الضريبية الهائلة التي فرضت عليه منذ عام 2017"، شددت على أن "العلاج الحقيقي يكمن في إعادة هيكلة القطاع العام وخفض نفقاته، وهذا الموضوع يجب أن يكون على رأس أولويات السلطة، فضلاً عن وقف التهريب، وإنهاء الاقتصاد غير الشرعي ومعالجة ملف الكهرباء ومكافحة الفساد".

وأكدت الهيئات الاقتصادية أن "الطبقة السياسية مسؤولة عن التقصير بالقيام بالعلاجات الفعلية والجريئة، خصوصاً لجهة إصلاح القطاع العام والكهرباء، وهي إجراءات تحدثت عنها جهات دولية عدة من صندوق النقد الدولي وصولاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أخيراً".

وأكدت أن "حجم القطاع العام هو أصل البلاء، وأن إزالة الورم فيه هو أمر لا مفر منه، لأنه يشكل ممراً إلزامياً للإصلاح وإعادة البلد إلى طريق التعافي والنهوض، وإلا سيطيح ما تبقى من اقتصاد وطني".
وشددت الهيئات على أنه "تستشهد برأي مجلس شورى الدولة الذي يعتبر أن الفوائض في القطاع العام غير قانونية، وبالمعلومات الموثقة لدى لجنة المال والموازنة حول هذه الفوائض، وكذلك بوزير المال الذي أكد أكثر من مرة أن كل مداخيل الدولة لن تكفي لسد رواتب متقاعدي القطاع العام في عام 2050".

واعتبرت أنه "إما أن يتم الإصلاح بشكل منظم وممنهج أو ستخرج الأمور عن السيطرة ويحصل هذا الأمر بشكل مؤذٍ"، مشيرة إلى أن "إطلاق خصخصة بعض المؤسسات العامة واستثمار مؤسسات أخرى من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو أحد الحلول المجدية".

وختمت الهيئات الاقتصادية بيانها بـ "إعلان رفضها المطلق لزيادة الأعباء الضريبية على المؤسسات، والمطالبة بإلغاء الضرائب الجائرة"، وأبقت اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات واتخاذ المواقف المناسبة منها.