أموال وزارة الدفاع

أموال وزارة الدفاع

11 سبتمبر 2019
لم يستخدم ترامب أموال الدولة لتجديد قبر أمه(فرانس برس)
+ الخط -
وافق وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر، الأسبوع الماضي، على تحويل 3.6 مليارات دولار من مخصصات الإنشاء التابعة لوزارته لصالح تمويل بناء الجدار العازل الذي طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بناءه، على حدود بلاده الجنوبية، للحد من دخول المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك.
ويمثل تخصيص تلك الأموال استجابة لما طلبه ترامب، في فبراير/شباط الماضي، بعد إعلانه حالة الطوارئ الوطنية، وهو ما يعني استكمال المبلغ الذي يحتاجه لبناء الجدار، من دون الحصول على موافقة الكونغرس.

ورغم انتقاد العديد من أعضاء الكونغرس للفكرة، التي مثلت في رأيهم تحايلاً على اختصاص السلطة التشريعية بتحديد أوجه الإنفاق الحكومي، إلا أن وزارة الدفاع أعلنت أن قرارها جاء بعد انتهائها من المراجعة القانونية للأمر، وهو ما وصفه تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، بأنه "صفعة على الوجه" لأعضاء الخدمة العسكرية.
وتشير أرجح التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف هذا المبلغ كان مخصصاً لإنفاق الجيش الأميركي خارج الولايات المتحدة، الأمر الذي يفسر إصرار ترامب على سحب الآلاف من الجنود الأميركيين من العديد من المناطق التي يتواجدون فيها، مثل أفغانستان والعراق.

ووصفت نانسي بيلوسي، زعيم الأغلبية في مجلس النواب، قرار الإدارة، بأنه غير مسؤول، واعتبرت أن تحويل الأموال من المشروعات العسكرية يجعل أميركا أقل أمناً، كما أنه ينتهك الدستور، على حد تعبيرها.
وتوجه أموال الإنشاءات العسكرية خارج الولايات المتحدة عادةً لتمويل مشروعات متنوعة، تشمل بناء وتجديد مراكز القيادة والطائرات بدون طيار، ومشروعات الإنترنت، كذا إنشاء وتوسيع أرصفة السفن البحرية لاستيعاب المزيد من الغواصات، بالإضافة إلى المدارس ومراكز الترفيه لأبناء العاملين في القواعد العسكرية الأميركية، ومشروعات أخرى.
وتأمل وزارة الدفاع في الحصول، مرة أخرى، على المبالغ اللازمة لاستكمال تلك الإنشاءات، الأمر الذي يُتَوَقع أن يقابل بمعارضة، خاصة من أعضاء الحزب الديمقراطي، داخل الكونغرس.

ورغم أن الدستور الأميركي يسمح لوزير الدفاع، أثناء حالات الطوارئ الوطنية التي تتطلب استخدام القوات المسلحة، بتنفيذ مشاريع بناء لدعم القوات من دون الحصول على موافقة الكونغرس، وهو البند الذي استغله ترامب، ورأته الوزارة قانونياً، إلا أن العديد من أعضاء الكونغرس اعتبروا أن الوضع الحالي لا يمثل حالة طوارئ، ووصفوا طلب ترامب، الذي أيده البنتاغون، بأنه يؤكد عدم احترامه للمؤسسة العسكرية، وأكدوا أن قراراته غير المدروسة تتسبب في ابتعاد الجيش عن مهامه الرئيسية، وتؤثر سلباً في جاهزيته وقدرته على حماية الوطن.

وعقب إعلان الوزارة تحويلها الأموال المطلوبة لبناء الجدار، أعلن "اتحاد الحريات المدنية الأميركي" أنه سيسعى للحصول على أمر من المحكمة بحظر استخدام الأموال التي تم تخصيصها، كجزء من دعواه القضائية التي تتهم ترامب بإساءة استخدام سلطات الطوارئ، من أجل تأمين الأموال لجدارٍ سبق أن رفض الكونغرس تمويله.
وفي واقعةٍ أخرى، طلبت اللجنة التشريعية ولجنة المراقبة في الكونغرس، من العديد من الجهات في الإدارة الأميركية، من بينها البيت الأبيض، تزويدها بالمستندات والمعلومات المتعلقة بإقامة نائب الرئيس مايك بنس في أحد المنتجعات المملوكة للرئيس الأميركي في إيرلندا، كما رغبة ترامب في استضافة اجتماعات مجموعة الدول السبع، العام القادم، في منتجع الغولف الذي يمتلكه في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، لمعرفة إذا كان أي من هذين الأمرين يمثل انتهاكاً للدستور الأميركي.

لم يحوّل ترامب أموال جيشه لبناء قصور واستراحات بطول السواحل الأميركية، ولم نسمع بتدخل السيدة الأولى في إضافة تعديلات على ما يتم إنشاؤه لهما من قصور رئاسية، مما يتكلف ملايين الدولارات، رغم ارتفاع العجز الأميركي وتفاقم الدين العام.
ومن المؤكد أنه لم يقم باستخدام أموال الدولة في تجديد مقبرة ليدفن فيها أمه التي ماتت قبل عشرين عاماً.
لم يجامل ترامب أيا من أصدقائه، عن طريق بناء فندق يتكلف المليارات أمام بيته، ولم يستهلك مليارات الدولارات من احتياطي النقد الأجنبي لبلاده في مشروعات بلا جدوى، ولم يسمح لقيادات جيشه بالتربح، ويغدق عليهم المكافآت المالية ضماناً لولائهم، لأنه يعلم جيداً أن أموال دافعي الضرائب ليست متاحة له للتصرف فيها من دون حسيب أو رقيب.

لم يقم ترامب بأي من تلك المخالفات، وإنما طلب تحويل جزء من المبالغ المخصصة لإنشاءات وزارة الدفاع لاستخدامها في أمر آخر، يراه كرئيس مهدداً للأمن القومي الأميركي.
ومع ذلك، قامت الدنيا ولم تقعد، وكان الموضوعان أول ما قرر الكونغرس مناقشته بعد عودته من عطلته هذا الأسبوع.

من الوارد أن يكون في الجيش الأميركي، أو أي جهة حكومية أخرى هناك، فاسدون. فالمجتمع الأميركي غير مقصور على الملائكة، وهناك العديد من القضايا التي تم كشفها، وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة، كما أنه من المؤكد أن هناك من الفاسدين، في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم، من لم يتم كشفهم ولا محاكمتهم، خاصةً وأننا لا نعيش في الجنة أو المدينة الفاضلة! 
لكن النقطة الواضحة هنا هي أن غياب آليات الرقابة والمحاسبة، عن أي جهة تنفق المليارات من أموال الدولة، وتقوم بالعديد من المشروعات الاقتصادية، يكون أغلبها بالإسناد المباشر، كما يحدث في العديد من دول العالم الثالث، يفتح دائماً أبواب الفساد، ويساعد المجرمين على الإفلات بما غنموا من أموال الشعوب.

لم يتحجج أي من قيادات وزارة الدفاع الأميركية، أو نظيرتها في البلدان المتقدمة، بـ"حساسية أوجه الإنفاق" أو "تأثيرها على الأمن القومي"، لإضفاء السرية عليها، أو حجبها عن الجهات الرقابية، أو التعامل معها كرقم إجمالي وحيد، ولم يزج بمن فضح الفساد، بالأدلة وكجزء من مهام وظيفته، في غياهب السجون. ترى هل نرى في بلادنا العربية يوماً ما من يناقش تلك الأمور، من دون أن يتعرض للتنكيل أو يتهم في وطنيته، أم أن الوقت لم يحن بعد؟

"ادينا طولة العمر يا رب!"

المساهمون