بغداد تُسعف طهران: ارتفاع تحويلات العمالة الإيرانية في العراق

بغداد تُسعف طهران: ارتفاع تحويلات العمالة الإيرانية في العراق

02 اغسطس 2019
الأسواق الإيرانية تعاني من العقوبات الأميركية (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى تأكيدات جهات حكومية في العراق، على الارتفاع الحاد في أعداد العمالة الإيرانية في البلاد، يتوزعون على قطاعات مختلفة، سواء في شركات إيرانية ضمن مشاريع بنى تحتية واستثمارات، أو يعملون موظفين وباعة جائلين. كما يجذب قطاع السفر والسياحة جزءا مهما من الإيرانيين الذين يعملون كمتعهدي رحلات للزيارات والسياحة الدينية، حيث يستقبل العراق نحو 4 ملايين زائر إيراني سنويا.

ويقابل ذلك حديث عن ارتفاع كمية الأموال المحولة بالعملة الصعبة من العراق إلى إيران من قبل تلك العمالة والتي تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنويا، وفقا لمسؤول مالي عراقي في الحكومة لـ"العربي الجديد"، كتحويلات لأسرهم أو لحساباتهم البنكية في إيران، عبر أكثر من 180 شركة تحويل مالي عاملة بين البلدين، جميعها أهلية.

وهو ما دفع خبراء اقتصاديين إلى معالجة ما وصفوه بتسلل العملة الصعبة وأهمية الدفع لهم بالعملة العراقية فقط، غير أن آخرين يؤكدون أن هذا حقهم من أجورهم الشهرية بالدينار الذي يقومون بتحويله إلى دولار ومن ثم إرسال مدخراتهم منه إلى بلادهم.

وتسببت العقوبات الأميركية المفروضة على إيران في موجة غلاء وهبوط في العملة الإيرانية في البلاد، وقد دفعت أخيرا آلافا منهم إلى دخول سوق العمل في العراق، منافسين اليد العاملة العراقية.

استثمار العلاقات

تسعى طهران إلى استثمار علاقتها القوية ببغداد من أجل دعمها في مواجهة العقوبات الأميركية. وحسب تصريحات سابقة للسفیر الإیراني في بغداد، إیرج مسجدي، من المتوقع أن یبلغ حجم التبادل التجاري بین البلدين خلال السنوات القلیلة القادمة 20 ملیار دولار سنویا؛ مشیرا إلى أن حجم التبادل يبلغ 13 ملیار دولار حالیا.

ولا توجد إحصائية رسمية بعدد العمال الإيرانيين في العراق، إلا أن مسؤولا في الأمانة العامة لمجلس الوزراء أكد، لـ"العربي الجديد"، أن عددهم يتجاوز حاليا مائة ألف عامل يتواجدون في مختلف مدن العراق، بما فيها إقليم كردستان العراق، وتتصدر أربيل وبغداد والبصرة والنجف في أعدادهم، ويعملون ضمن شركات إيرانية أو لحسابهم الخاص.

وحسب المسؤول العراقي، الذي رفض ذكر اسمه، فإن قانون العمل في العراق يتيح لأي جنسية العمل في البلاد بترخيص مسبق، وهو ما يستفيد منه الإيرانيون اليوم.

وأوضح أن "العمالة الإيرانية أقل أجورا من العراقية، والشركات الإيرانية نفسها لا تلتزم بقانون العمل العراقي، فتكون نسبة من تشغل اليد الإيرانية أكثر بعدة أضعاف من العراقية داخل الشركة ذاتها".

وأشار إلى أن الإيرانيين العاملين لحسابهم الخاص أعدادهم كبيرة وهم عبارة عن باعة جائلين أو سائقي نقل بضائع، وحاليا هناك متسولون إيرانيون أيضا يستغلون مناسبات الزيارات الدينية ويدخلون بتأشيرة زيارة دينية.

وشدّد على أن تلك الأيدي الإيرانية العاملة في البلاد تقوم بتحويل مبالغ شهرية لا يمكن احتساب قيمتها بدقة، لعدة أسباب، منها أن أغلبها تتم بطرق ملتوية، كون معظم الشركات العاملة في العراق للتحويل المالي تعمل بنظام التسليف أو الآجل.


وأضاف: كما يتم النقل من خلال الطرق البرية عبر عدة أشخاص يقومون بنقلها معهم، فالشخص يسمح له بحمل 10 آلاف دولار والدخول إلى إيران كمصروف جيب، وهذه واحدة من عدة طرق موجودة. لكن بالعموم هناك تحويلات بعشرات الملايين من الدولارات سنويا، حسب المسؤول.

ولفت إلى أن العراق كان يستفيد من مبلغ الأربعين دولارا كرسم تأشيرة لدخول الإيرانيين، إلا أنه تم توقيع اتفاقية لإعفاء دخول مواطني البلدين من الرسوم في إبريل/نيسان الماضي.

آثار سلبية

قال عضو اتحاد نقابات عمال العراق حسن عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ "شكاوى كثيرة وردت من قبل العمال العراقيين، ممن أثر سلبا عليهم توافد العمال الإيرانيين، الذين دخلوا السوق العراقية، ويمارسون أعمالا مختلفة فيها"، مبينا أنّ "الاتحاد لا يملك أي سلطة للحد من توافد العمال، إلّا أنّه يتابع تزايد أعدادهم بقلق، وقد قمنا بإعداد تقرير مفصل تناولنا فيه سلبيات عدم تنظيم دخول العمالة الإيرانية، وسيتم رفعه إلى البرلمان لأجل إصدار قرار ينظم ذلك".

وأكد أنّ "في ذات الوقت سنتحرك أيضا باتجاه الحكومة، إذ أن عشوائية دخول العمالة إلى العراق ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة جدا، وقد بدأت تظهر من خلال تعطيل سوق العمل لكثير من العراقيين النازحين الذين لا يملكون أي دخل سوى العمل بأجور يومية".



ووفقا للخبير الاقتصادي العراقي، غسان العبيدي، لـ"العربي الجديد"، فإنّ "العملة الصعبة التي يحولها العمال الإيرانيون إلى بلادهم بشكل شهري كبيرة، ويمكن القول إنها بعشرات الملايين من الدولارات، لكن لا يمكن لأحد الحديث عن رقم محدد بسبب الطرق الملتوية في التحويل".

وأوضح أنّ "المبلغ المحوّل قد يتجاوز 7 ملايين دولار في الشهر بشكل قانوني، إلا أنه أكثر من ذلك بفارق كبير، إذا ما ضممنا له المبالغ الأخرى التي تحول بشكل غير قانوني من قبل ما يُعرف بمتعهدي الدولار العاملين بين العراق وإيران، قد تصل إلى 50 مليون دولار شهريا، أي 600 مليون دولار سنويا.

وأكد العبيدي أن "كل ذلك يؤثر على العملة الصعبة في العراق، وستكون له بالتالي آثار غير سهلة على قوة الدينار العراقي، وهذا يتناسب عكسيا مع سعر السوق المحلية، ما يعني أنّ كل ذلك سيتسبب في موجة غلاء تشمل أكثر المواد والسلع في العراق، وهذا كله ستكون نتائجه سلبية على المواطن وعلى اقتصاد البلد بشكل عام".

وأشار إلى "ضرورة أن يكون هناك قرار حكومي يأخذ كل تلك المخاطر بنظر الاعتبار، وأن ينظم عملية دخول العمالة بحسب الحاجة، وأن يراعي مصلحة العراق أولا وآخرا".

عشوائية سوق العمالة

وتنتشر العمالة الإيرانية بشكل عشوائي في أغلب المحافظات العراقية، وإقليم كردستان (شمال) إذ يتواجد المئات منهم، ويمارسون أعمالا مختلفة، وقد أثرت تلك الأعمال على اليد العاملة العراقية.


عضو في المجلس المحلي بالعاصمة بغداد، رفض ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد"، إنَّ "أغلب الوافدين إلى المحافظة يقصدون صباح كل يوم "المسطر" (مكان تجمع العمال) وينتظرون طلبهم في أعمال بناء أو تنظيف أو رفع أنقاض، وما شابه ذلك"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أنّ "العامل يحصل كل يوم على أجرة من 20 إلى 25 دولارا، في أقصى تقدير، وهذا المبلغ يكفيهم نوعا ما كسكن وطعام ويوفرون منه لعوائلهم".

وأكد أنّ "أغلب العمال الإيرانيين يستأجرون شققا ومساكن صغيرة لهم بشكل جماعي، خاصة أنهم لم يأتوا بعوائلهم، ليقتسموا إيجار السكن ويكون أقل كلفة عليهم". وأشار إلى أنّهم "يؤدون العمل بشكل جيد، ولا توجد أي مشاكل يثيرونها، كما أنّ بعضهم لديهم خبرات بأعمال مختلفة، كخبازين وطباخين في المطاعم، وهم ينقلون خبرات بلادهم بتلك الأعمال إلى العراق".

وأغلب العمال الإيرانيين يتحدثون عدة لغات كالفارسية والعربية والكردية، وينتشرون في العادة حسب خارطة احتياجهم أو تركز الشركات الإيرانية العاملة في العراق، حسب المسؤول المحلي.

عضو التيار المدني العراقي علي السعدي قال إن العراق لم يكرر السيناريو اللبناني والتعامل بعنصرية من قبل بعض الجهات الحكومية هناك مع العمالة الوافدة، لكن في نفس الوقت البلاد تحتاج إلى تنظيم أكثر، فالعشوائية واضحة على العمالة وأغلبهم الإيرانية والتركية والبنغلادشية وجنسيات أخرى بينها عربية، ويستوعب قطاع النفط والبنى التحتية أغلبهم.

ويضيف السعدي لـ"العربي الجديد": "في النهاية العمالة الإيرانية أو غيرها تعمل وتأخذ أجرها التي تستحقه، وأعتقد أن المبالغ المحولة إلى طهران ليست كبيرة على العراق، كما يتم تداولها، لكنها كبيرة على عوائلهم، وكعراقيين مررنا بفترة حصار وعقوبات قاسية ونشعر بما يشعر به الإيرانيون اليوم.

المساهمون