أوروبا تدخل نفق الكساد ومصارف تدفع أموالاً للمقترضين

أوروبا تدخل نفق الكساد ومصارف تدفع أموالاً للمقترضين

13 اغسطس 2019
صناعة السيارات أكبر المتأثرين من حروب التجارة (Getty)
+ الخط -
يدخل الاقتصاد الأوروبي نفق الثعابين، وربما تكون هناك صعوبة في الخروج من هذا النفق بسلام، حيث تسيطر مخاوف الركود الاقتصادي وأزمة بريكست والحرب التجارية على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعتمد في السابق على الماكينة الألمانية في دفع النمو وحركة الإنعاش.

ولكن هذه المرة تدخل دول الاتحاد الأوروبي هذا النفق الخطر والاقتصاد الألماني في أسوأ حالاته، وتحاصره الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مجموعة من الصادرات.

ومن غير المعروف حتى الآن كيف يمكن للبنك المركزي الأوروبي الذي تحولت قيادته من الإيطالي ماريو دراغي إلى الفرنسية كريستين لاغارد، إنقاذ أوروبا من الكساد خلال العام الجاري، وكم سيحتاج البنك لبرامج مشتريات السندات السيادية الكاسدة.
حيث إن التمويل عبر الاستدانة سيتزايد في كل من فرنسا وإيطاليا واليونان والعديد من دول أوروبا الشرقية التي انضمت حديثاً لمنطقة اليورو. وكان المركزي الأوروبي قد خصص في السابق أكثر من 1.1 تريليون دولار لشراء السندات الكاسدة، ولكن هذه المرة ربما سيحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، وربما سيخفضالفائدة المصرفية إلى مستويات سالبة لا تخطر على بال الكثير من الاقتصاديين.

أول إشارة على الوضع المقلق وأزمة إنعاش النمو الاقتصادي في أوروبا، جاءت من الدنمارك، حيث تبنّى ثالث أكبر بنوكها التجارية سياسة أدهشت العديد من المستثمرين. حيث قرر مصرف "جايسك بنك"، منح قروض عقارية بنسبة فائدة سالبة.

وحسب البيان الذي نشره بنك جايسك الدنماركي على موقعه، في الخامس من أغسطس/آب الجاري، فإن بإمكان زبائنه أخذ قروض عقارية لمدة عشر سنوات بنسبة فائدة سلبية قدرها 0.5%.

أي أن من يقترض 100 ألف كرونة لشراء مسكن سيدفع 95 ألف كرونة، كما لا يطالب المصرف المقترض بدفع مقدم شراء. وقال الاقتصادي الدنماركي مايكل هووف إن "هذا النوع من الاقتراض كان لا يمكن تصور حدوثه منذ شهور، إنه لشيء مدهش ويفتح الباب أمام ارتفاع عدد المتملكين للمساكن في الدنمارك". وقد يثار السؤال كيف سيحقق المصرف أرباحاً من عمليات الاقتراض؟
قد يقول البعض إن الأرباح ستأتي من الرسوم التي سيدفعها المقترض، ولكن ذلك سيكون معقولاً بالنسبة للقروض البسيطة، ولكن ماذا عن قروض المساكن الفخمة التي تصل أسعارها إلى ملايين الكرونات؟ وفي ذات الاتجاه، أعلن مصرف سويسري أنه سيدفع أموالاً لمن يقترض منه. وهذا السلوك الاقتراضي يمنح مؤشراً إلى أين تتجه أسعار الفائدة في أوروبا، وهو أن أوروبا ستخفض الفائدة إلى مستويات دنيا ربما تفوق الـ1% خلال الفترة المقبلة، على أمل إخراج الاقتصاد الأوروبي من الركود.

ويبدو أن أكبر مشكلة ستواجه الاقتصاد الأوروبي هي كساد الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على التصدير إلى الأسواق الكبرى، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، إذ إن هناك مؤشرات خطرة على تدهور النشاط الصناعي.

في ميونخ، قال معهد ايفو للأعمال التجاري بألمانيا، إن "مؤشر مناخ الأعمال التجارية واصل الهبوط الحر في يوليو/تموز، وسط التداعيات السالبة للحرب التجارية وهبوط معنويات المستثمرين".
فالبيانات الاقتصادية تشير إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا يسير صوب ركود مرتقب، حيث تطالب قيادات اقتصادية الحكومة الألمانية بتدابير احترازية لمواجهة الأزمة المقبلة، عبر إطلاق الدولة حزمة من الاستثمارات الكبيرة.

وحسب تقرير ألماني، طالب الاتحاد الألماني لأرباب العمل الحكومة الألمانية باتخاذ تدابير احترازية لمواجهة أزمة اقتصادية محتملة، يترقبها خبراء الاقتصاد، وفق المعطيات والبيانات الحالية للدوائر الصناعية.
وقال رئيس الاتحاد إنغو كرامر، في تصريحات لصحيفة "باساور نويه بريسه" الألمانية الصادرة يوم السبت: "لا ينبغي لنا تجاهل إشارات التباطؤ في النشاط الاقتصادي، فالقطاع الصناعي لا يزال منخرطاً في تلبية الكثير من العقود القديمة، لكن هناك افتقارا لدفعة جديدة من العقود".

وفي فرنسا التي عانت من خسائر احتجاجات "السترات الصفراء"، تتواصل المتاعب. وبحسب تقديرات أولية نشرها المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية في نهاية الشهر الماضي، ازداد الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا بنسبة 0.2% بين إبريل ومايو، مقابل 0.4 في المائة في الربع الأخير من عام 2018، و0.3 في المائة في الربع الأول من عام 2019.

وحسب وكالة فرانس برس، فإن هذه النسبة أدنى من توقعات نشرها المعهد في 20 يونيو/حزيران الماضي، التي أشارت إلى نمو بنسبة 0.3 في المائة. لكنها متوافقة مع آخر تقدير لبنك فرنسا الذي أعرب عن قلقه من التوقعات المخيبة للآمال في المجال الصناعي.

وفي إيطاليا التي تعيش حالياً أزمة سياسية، حيث من المتوقع سقوط حكومة جيوسيبي كونتي منذ أن خرج زعيم "الرابطة" ماتيو سالفيني منها، تزداد الديون التي ترتفع حالياً بنسبة 130% من الناتج المحلي، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي.

وقال وزير الاقتصاد السابق بيار كارلو بادوان في تصريحات بروما، أمس الإثنين، إن انفراد سالفيني بالسلطة قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في الاقتصاد الإيطالي الضعيف، والذي يتوقّع أن تكون نسبة نموّه هذا العام شبه معدومة. وبالتالي، فإن هناك الكثير من الغيوم السوداء تتراكم في السماء الأوروبية وتهدد بأزمة حقيقية.

دلالات

المساهمون