حرمان الأطفال من دعم الغذاء في مصر

حرمان الأطفال من دعم الغذاء في مصر

12 اغسطس 2019
الحكومة تحرم الأطفال من حقهم في دعم الغذاء(العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، علي المصيلحي، عن عدم إضافة المواليد الجدد للبطاقات التموينية التي تتيح الحصول على سلع غذائية مدعومة من الدولة لأي أسرة تتكون من أربعة أفراد فأكثر، وكذا عدم إضافة الأطفال المستحقين للدعم والمحرومين منه منذ سنة 2005 إلا بعد الانتهاء من عمليات الحذف المستمرة منذ تولى الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم في منتصف 2014.

وأعلن الوزير عن حذف 8 ملايين مواطن من منظومة دعم الغذاء، وتخفيض عدد المواطنين المسجلين بمنظومة الدعم إلى 71 مليونا، مما وفر الكثير من أموال الدعم المهدرة، على حد قوله، وقال إن "الموزانة الجديدة لدعم البطاقات التموينية بلغت 89 مليار جنيه، بزيادة 3 مليارات عن العام السابق، ما يعني أن أي حديث عن رفع الدعم كلام فارغ وملوش لازمة"، بحسب تعبير الوزير.

منظومة دعم البطاقات التموينية الحالية توفر مبلغ 50 جنيهًا للمواطن شهرياً ولعدد أربعة أفراد فقط، وما زاد عنهما من أطفال يستحقون 25 جنيهًا فقط للطفل. تصريح الوزير يعني حرمان الطفل الثالث وما بعده من مبلغ 25 جنيها بدل دعم الغذاء، بالإضافة إلى عدم إضافة أي طفل جديد إلى منظومة دعم السلع الغذائية حتى إشعار آخر، رغم فقر الأسرة وضعف المبلغ الذي لا يغطي كلفة إطعام الطفل ليوم واحد فقط ثلاث وجبات، فضلًا عن باقي أيام الشهر.

نقص الأغذية
تتضاعف معاناة الأطفال داخل الأسر المحرومة من منظومة الدعم والأسر الأكثر احتياجًا. فقد أعلن تقرير "مرصد الغذاء المصري" الصادر في نهاية 2013 عن مركز معلومات مجلس الوزراء بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، أن 16.4% من الأسر الأكثر احتياجا لا تمتلك بطاقات تموينية، وأن نحو 40% من هذه الأسر تضم أطفالًا دون الخامسة من العمر.
وقال التقرير إنه على الرغم من أن السكر، والزيت، والأرز هي أكثر السلع التي تقوم بصرفها الأسر الأكثر احتياجًا على البطاقات التموينية، إلا أن هذه الكميات تمثل 25% من الاحتياجات الشهرية للأسر الأكثر احتياجًا. وقد عانى نحو 41% من الأسر الأكثر احتياجًا من عدم توفر الخبز البلدي المدعم خلال الربع الثالث من 2013.

وأكد التقرير أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية أدى إلى تخفيض القدرة الشرائية للأسر الأكثر احتياجًا وتوقفت هذه الأسر عن استهلاك بعض المواد الغذائية الضرورية، حيث توقف أكثر من ثُلث الأسر عن استهلاك اللحم لمدة خمسة أشهر في المتوسط، وما يقرب من 20% من الأسر لم تعد تستهلك الألبان منذ 4 أشهر في المتوسط، وانخفضت نسبة استهلاك الأسر من الفاكهة، وأن 86% منهم يستهلكها 1.2 يوم فقط في الأسبوع في المتوسط. 
وقال التقرير إن 83% من الأسر تأكل الدواجن حوالي مرة واحدة في الأسبوع، وأصبح البيض يشكل المصدر الرئيس للبروتين الحيواني، ورغم ذلك فإن 92% من الأسر تستهلكه خلال ثلاثة أيام فقط طوال الأسبوع. أوصى التقرير بمراجعة شاملة لمنهجية الاستهداف وخاصة خلال الفترات الاقتصادية الصعبة. التقرير الذي كان يصدر بصفة دورية كل 3 أشهر توقف عن الصدور بعد الانقلاب، أو يصدر ولكن يُمنع من النشر.

كلفة الفقر في مصر
الفقر والجوع ظاهرتان متلازمتان. والأطفال في مرحلة الطفولة هم أول ضحايا الجوع، حيث يحرمهم من المغذيات الضرورية للنمو ويعرضهم إلى أمراض نقص التغذية. وهي مجموعة من الأمراض المعقدة تشمل اضطرابات النمو الدماغي والتقزم والأنيميا وضعف التحصيل الدراسي والانحراف السلوكي والعدوانية.
وهي أمراض مستعصية غير رجعية عند الأطفال. بمعنى أن أمرض نقص التغذية التي تصيب الطفل في مراحل مبكرة من عمره تصبح مزمنة، وملازمة له بقية عمره، ومستعصية على العلاج في المستقبل، وبالتالي تؤثر على ملكاته الإبداعية وقدراته الإنتاجية.

هذه الأمراض زادت في مصر بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة. وقد قدر برنامج الأغذية العالمي الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن نقص تغذية الأطفال المصريين في دراسة أخرى عن "تكلفة الجوع في مصر"، وبإشراف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في منتصف 2013.
وحسبما ورد بالتقرير، فإن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد المصري بسبب إصابة الأطفال بنقص التغذية، خاصة الآثار المتعلقة بالتقزم وسوء التغذية المزمن تُقدر بنحو 20.3 مليار جنيه مصري (ما يعادل 3.7 مليارات دولار أميركي في وقت اجراء الدراسة أو ما قيمته 62 مليار جنيه في 2019)، وهو ما يعادل نحو 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009.

فساد وزارة التموين
في منتصف العام الماضي ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على كل من مستشار الوزير للإعلام والمتحدث الرسمي للوزارة، ومستشار الوزير للاتصال السياسي، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين، وهو عسكري برتبة لواء ومدير الكلية الفنية العسكرية السابق، ومدير مكتبه لتقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت المليوني جنيه من الشركات المسؤولة عن توريد السلع الغذائية التي توزع على البطاقات التموينية مقابل إسناد أوامر توريد السلع عليها وتحقيق أرباح على حساب الفقراء.

وقبل أيام تصالح جهاز الكسب غير المشروع الحكومي مع 18 متهما فى القضية المعروفة إعلاميا بقضية "فساد القمح الكبرى" في مقابل سدادهم مبلغ 450 مليون جنيه. 
اتهمت النيابة العامة المسؤولين في القضية بخيانة الأمانة، وبحصولهم لأنفسهم ولغيرهم على كسب غير مشروع بقيمة 800 مليون جنيه من الأموال المخصصة لشراء القمح المحلي من المزارعين والمعد لصناعة الخبز المدعم والدقيق الموزع على البطاقات التموينية.

القضية كشفتها لجنة مشكلة من أعضاء في البرلمان لتقصي الحقائق حول الفساد في الصوامع المعدة لاستلام القمح في موسم 2016. وأكدت اللجنة أن وزير التموين السابق، خالد حنفي، مسؤول مسؤولية سياسية وقانونية، جنائية وتأديبية ومدنية، عن الفساد والتلاعب بأموال الفقراء، وأحالت التقرير إلى النائب العام، وجهاز الكسب غير المشروع، ورئيس الجمهورية.
وكان حنفي قد ادعى توفير 1.8 مليون طن من الأقماح المستوردة، وأنه خفض 30% من مخصصات الدعم، ولكن اللجنة أثبتت أن استيراد القمح زاد بواقع 4 ملايين طن عما كان عليه الوضع خلال الأشهر الستة التي تولى فيها الدكتور باسم عودة وزارة التموين في حكومة الدكتور هشام قنديل.

وأقر أعضاء في اللجنة بأن جهة عليا منعتهم من استكمال التفتيش في باقي الصوامع. ومع تأكد اللجنة من أن الحكومة تتستر على جرائم الوزير المقرب من الجنرال السيسي، تقدم أعضاء اللجنة ببلاغ للنيابة العامة بـ10 اتهامات ضد الوزير حنفي مدعومة بمستندات، بينها فاتورة مليونية عن إقامته الدائمة بأحد فنادق الخمس نجوم، فقدم استقالته، فطالبوا بمحاكمته، وقدم المحامي سمير صبري طلبا للنائب العام لادراج اسمه في قوائم الممنوعين من السفر.

وكشفت اللجنة عن أن الوزير في سنة 2015 وأثناء موسم استلام القمح أمر بتسليم القمح إلى المطاحن مباشرة قبل التأكد من كمياتها في صوامع التخزين، ما ضيع حق الجهاز المركزي للمحاسبات في التحقق من دقة الكميات الموردة في مراكز التخزين بدفن جسم الجريمة، وهو الفساد الذي قُدر بـ2.5 مليار جنيه.
وردت النيابة العامة على التهم الموجهة للوزير باستبعاد اسمه من القضية، ثم رفعه السيسي إلى منصب أمين عام اتحاد الغرف التجارية التابعة لجامعة الدول العربية، وضاعت المليارات المخصصة لدعم الفقراء الذين لا يجدون ما يطعمون به أطفالهم.

رغم إعلان الوزير عن حذف 8 ملايين مواطن من منظومة دعم الغذاء، وانخفاض عدد المواطنين المسجلين بمنظومة الدعم إلى 71 مليونا، وهو ما وفر الكثير من أموال الدعم المهدرة، على حد قوله، فقد صرح الوزير بأن "الموزانة الجديدة لدعم البطاقات التموينية بلغت 89 مليار جنيه، بزيادة 3 مليارات عن العام السابق، ما يعني أن أي حديث عن رفع الدعم "كلام فارغ وملوش لازمة"، بحسب تعبير الوزير.
وبالتالي لا يوجد تفسير لزيادة قيمة الدعم في الموازنة العامة رغم حذف 8 ملايين مواطن من منظومة البطاقات التموينية، ورغم عدم إضافة أي مواليد جدد إلا استمرار الفساد وغياب الشفافية؟!

عقاب الطفولة
الحكومة تعاقب الآباء للحد من النسل باستبعاد الأطفال من منظومة الدعم. ولكن حرمان أطفال الأسر الفقيرة من حقهم في الحد الأدنى من الغذاء الكافي والدعم الكامل هو جناية على الأطفال، وليس على الآباء، وعقاب لهم على مجيئهم إلى الحياة في أسرة فقيرة ودون رغبة الحكومة، وليس فقر الوالدين ذنبهم، ولا رفض الحكومة جريمة يؤخذون بجريرتها.
الأطفال الذين يولدون في أسرة فقيرة تحرمهم الحكومة من حقهم في دعم الغذاء، ولا يوجد من يدافع عن هؤلاء الأطفال في مواجهة نظام ينتهك حقوق الطفولة ويطبق سياسات تنموية متخلفة، تزيد الفقر إلى حد إسقاط نحو 60% من المجتمع في براثن الفقر، بحسب إحصائيات البنك الدولي.

الأطفال هم مستقبل الأمة لذا تستثمر الدول في مستقبل أطفالها. وفي دراسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، وجدت أن كل دولار تنفقه الدولة على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، يعود على المجتمع بـ13 دولارا زيادة في الناتج القومي.