إيران تهرّب النفط عبر الإمارات للتحايل على العقوبات

إيران تهرّب النفط عبر الإمارات للتحايل على العقوبات

25 يوليو 2019
طهران تصرّف إنتاجها عبر 3 طرق خلفية(جورج جورجيو/فرانس برس)
+ الخط -

 

في الوقت الذي تسعى فيه أميركا إلى كبح الصادرات النفطية الإيرانية وتضييق الخناق على شركاتها وناقلاتها، كشفت وثائق ومواقع أجنبية طرقا جديدة لتهريب النفط الإيراني من خلال الموانئ والمياه الإماراتية، وذلك بغرض تصديره إلى عدة دول في آسيا والشرق الأوسط.

وتلتف إيران على القائمة الطويلة من العقوبات بقائمة أطول من الطرق البديلة التي تتيح لها تصدير نفطها إلى عدة دول، رغم التشديد الأميركي، خاصة في الفترة الأخيرة، في ظل التوترات الأخيرة في الخليج وحرب الناقلات بين واشنطن ولندن وطهران.

 

بوابة الإمارات

تظهر وثائق اطلعت عليها "العربي الجديد" أن أولى الطرق المستخدمة في تهريب النفط الإيراني هي تغيير ملكية ناقلات النفط وأعلامها، أو الاستعاضة عنها بناقلات أخرى مستعدة للمخاطرة مقابل المردود المالي العالي، فضلاً عن تزوير منشأ شحنات النفط.

ومن بين أبرز الطرق التي اتبعتها طهران هي تحميل سفن ترفع علم بنما، وتخفي مكانها عبر إيقاف نظام تحديد الموقع الآلي (AIS)، فضلاً عن أنها من نوع ،(STS) أي قادرة على التحميل من سفن في عرض البحر والإفراغ في أخرى.

وحسب بيانات شركات مراقبة النفط، استخدمت إيران، خلال الأشهر الماضية، مياه دولة الإمارات المجاورة لها أو موانئها للتهرب من العقوبات الأميركية، وتصدير نفطها إلى الأسواق.

وأظهر تحقيق لرويترز أن طهران حمّلت سفينة "جريس 1" من نوع (STS) بشحنة زيت الوقود، في يناير/كانون الثاني الماضي، وتم نقلها إلى سفينتين أصغر حجما في مياه الإمارات، ومن هناك سلمت إحداهما زيت الوقود إلى سنغافورة، في فبراير/شباط.

واختارت إيران تصدير زيت الوقود، وهو أحد مشتقات النفط، لتتمكن من تزوير مصدر الشحنة، حيث بيّنت أورق "جريس 1" أنها محملة من ميناء البصرة العراقي، في حين أكد مسؤولون عراقيون لرويترز أن الأوراق مزورة.

وفي سياق متابعة النشاط الإيراني، أصدر موقع شركة "تانكر تريكرز" تقريراً خاصاً، اطّلعت عليه "العربي الجديد"، يؤكد استخدام إيران ناقلات من نوع (STS) مجدداً لتهريب نفطها، بعد أن احتجزت سلطات جبل طارق "جريس 1" وهي في طريقها إلى سورية.

وقال الموقع في بياناته الصادرة يوم 18 يوليو/تموز الجاري، إن ناقلة ترفع علم بنما تُدعى جولف أكتف (GULF ACTIVE) جلبت نحو 400 إلى 500 ألف برميل من النفط المكرر من إيران خلال الشهر الجاري، وسلمتها إلى محطة تخزين النفط في الفجيرة بالإمارات.

ويقوم موقع "تانكر تريكرز" الإلكتروني بتتبع مسار ناقلات النفط عبر أجهزة دقيقة، ويصور رحلة الناقلات منذ تحركها وحتى وصولها، ويلتقط صورا لموقعها على خرائط دقيقة أثناء رحلتها.

ووفقا لبيانات موقع "Equasis"، تملك السفينة، منذ 18 فبراير/شباط الماضي، مؤسسة مقرها في دبي تسمى، "Gulf Active DMCC"، ويظهر اسم الشركة في محرك البحث الخاص بالمنطقة الحرة في دبي، والناقلة مؤمّنة من قبل شركة "The American Club".

ومن خلال قراءة الأرقام، سيتضح لنا قدرة إيران على تصدير نفطها عبر أبواب خلفية ومنها الإمارات رغم العقوبات، إذ وصل إنتاج طهران من النفط، خلال شهر مايو/أيار، الذي ألغت فيه واشنطن إعفاءات استيراد النفط الإيراني للدول الثماني نحو نصف مليون برميل من النفط الخام يوميا، واستوردت الصين أكثر من نصفها، ووصل إلى سورية نحو 12 بالمائة منها، وفق شركات مراقبة حصلت على بيانتها "العربي الجديد".

ويلاحظ في شهر تموز/يوليو الجاري، الذي شهد توتراً في الخليج العربي، ارتفاع صادرات إيران في النصف الأول منه، حيث أنتجت طهران نحو 850 ألف برميل يوميا، تم تصدير نحو 138 ألف برميل يوميا إلى كوريا الجنوبية، وذهب الباقي إلى دول غير معروفة.

وتأتي هذه الأرقام رغم تضييق الولايات المتحدة الخناق على صادرات النفط الإيرانية بهدف تصفيرها، حيث اتسعت قائمة عقوبات واشنطن لتشمل نحو 200 سفينة تمتلكها إيران أو مرتبطة بها، معظمها ناقلات نفط، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية.

 

جهات غير معروفة

وفي تعليقه على عمليات النقل للنفط الإيراني، قال الشريك والمؤسس في شركة "تانكر تريكرز"، سمير مدني، لـ "العربي الجديد"، إنهم لا يعرفون على وجه التحديد لمن تذهب هذه الشحنات، لأن هناك عدة شركات تخزن النفط في الفجيرة وتنقله منها. وتبيّن أرقام صادرات النفط الإيرانية عن شهر يونيو/حزيران الماضي التي تصدرها "تانكر تريكرز"، أن الإمارات استلمت نحو مليون برميل من طهران، وأوضح مدني أن هذا الرقم يشمل المشتقات النفطية وليس النفط الخام.

وذكرت "تانكر تريكرز" أن الناقلة الإيرانية شحنت المشتقات النفطية مرتين للإمارات، إحداهما خلال يونيو/حزيران الماضي، والأخرى في يوليو/تموز الجاري. ويظهر موقع مارين ترافيك (MarineTraffic) الذي يتتبع حركة السفن، أن الناقلة أبحرت من قبالة الفجيرة في 18 يوليو/تموز الجاري باتجاه موانئ إيران مرة أخرى.

وأوضحت الشركة أن الناقلة جولف أكتف تسلمت شحنات النفط أو مشتقاته من سفينة ثانية قبالة ميناء الخرج الإيراني، بينما أرسلت عبر نظام (AIS) أن وجهتها ميناء البصرة، وأكدت "تانكر تيكرز" ذلك بصور أقمار صناعية.

وتبيّن أرقام صادرات النفط الإيرانية عن شهر يونيو/حزيران الماضي التي تصدرها "تانكر تريكرز" أن الإمارات استلمت نحو مليون برميل من طهران، وأوضح مدني لـ"العربي الجديد" أن هذا الرقم يشمل المشتقات النفطية وليس النفط الخام.

 

صعوبة المراقبة

وتبحر في الخليج العربي وبحر العرب مئات السفن يومياً، ما يجعل عملية مراقبتها مكلفة جداً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تحاول الآن الحصول على دعم دولي لعملية "Sentinel" بهدف حماية ناقلات النفط هناك.

وتترك هذه الحركة البحرية الكثيفة هامشاً لطهران تلتف من خلاله على العقوبات الأميركية، مستخدمةً المناطق الحرة في دولة الإمارات، وإمكانية إخفاء مكان السفن وتغيير ملكيتها وأعلامها.

وبالحديث مع الخبير والمحلل النفطي الكويتي عبد السميع بهبهاني، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن طهران لن ترضى بوقف صادراتها وتبحث عن طرق خلفية من أجل مواجهة العقوبات الأميركية، مشيراً إلى أن الإمارات تتمتع بقربها من إيران، وبالتالي قد تكون لجأت طهران إلى هذه الوسيلة لسرعة تصريف إنتاجها، خاصة أن موانئ دبي مجهزة ومخاطرها أقل. وأوضح أن ما رصدته المواقع المتخصصة في تتبع ناقلات النفط من ذهاب إلى المياه الإقليمية يحتاج إلى تدقيق أكثر من جهات مختصة.

وأشار بهبهاني إلى أن طهران تعمل على 3 طرق لتهريب نفطها وتصديره إلى الأسواق الخارجية، وذلك بحسب معلومات موثقة وردته من مصادر داخل منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك)، حيث تعتمد الطريقة الأولى على نقل النفط عبر سفن عربية صغيرة إلى مدخل شط العرب في الخليج العربي، ثم تسليمه لناقلات كبيرة ليباع على أساس أنه نفط غير إيراني.

ويضيف بهبهاني، أن الطريقة الثانية تعتمد على نقل النفط عبر ناقلات إيرانية إلى سورية أو لبنان، حيث يخزن هناك حتى تأمين زبائن له، وهم في الأغلب سماسرة نفطيون يعملون في السوق السوداء. ويوضح أن الطريقة الثالثة تعتمد على شحن النفط بناقلات كبيرة وتعويمها في البحار، حتى إيجاد زبائن لها، أو تخزين حمولاتها في ميناء داليان الصيني. مع العلم أن إيران تملك أكثر من 40 ناقلة نفط عملاقة تعمل حاليا بهذه الطريقة.

 

كيف تفلت الناقلات؟

مطلع يونيو/حزيران الماضي، أكد وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، استخدام بلاده طرقا "غير تقليدية" للالتفاف على العقوبات بهدف بيع النفط، وقال "لدينا مبيعات غير رسمية أو غير تقليدية، جميعها سرية، لأن الولايات المتحدة ستوقفها إن علمت بها".

ويقول مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، مروان سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن لطهران تاريخا طويلا في تبنّي أساليب غير تقليدية، وقد تكون الخصومات والمقايضة والتهريب من بين التكتيكات التي ربما تعتمد عليها للحفاظ على تدفق صادراتها النفطية، غير أن الصادرات على هذه المستويات لن تكون مهمة في تخفيف الضربة المالية لإيران، كما لن يكون لها تأثير كبير على السوق العالمية.


ويضيف سلامة أن هناك أشخاصاً إيرانيين شكلوا العشرات من الشركات في أوروبا وآسيا الوسطى وجنوب شرقي آسيا والهند للتجارة والتصدير، مشيرا إلى أن شركة النفط الإيرانية تضع ناقلات نفطية في المياه الدولية تحت تصرّف أصحاب هذه الشركات، لبيع حمولتها في روتردام أو سنغافورة أو ماكاو.

ويشير إلى أن هناك أشخاصاً تابعين لإيران تمكنوا من بيع ملايين البراميل من النفط بصورة غير مشروعة، وبدلا من تحويل مبلغ المبيعات إلى خزانة الدولة، قاموا باستثمارها في ماليزيا وطاجيكستان وأذربيجان، مؤكدا أن السيناريو نفسه يتكرر اليوم.

ويقول سلامة إن هناك أفرادا جددا من رجال أعمال لبنانيين وروس وبلغاريين وغيرهم يساعدون إيران في تهريب وبيع النفط، مشيراً إلى أن أبرز الجهات التي تشتري النفط الإيراني حاليا، هم أشخاص وشركات وليس دولا، حيث يشترون النفط الإيراني ويبيعونه نيابة عن إيران.

المساهمون