معركة إلغاء "التقاعد المبكر" تتصاعد في الأردن

معركة إلغاء "التقاعد المبكر" تتصاعد في الأردن

21 يوليو 2019
التعديلات ستناقش في جلسة استثنائية (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
أثار قرار الحكومة الأردنية إلغاء التقاعد المبكر لمن ينضمون إلى سوق العمل بعد إجراء التعديلات الجديدة على قانون الضمان الاجتماعي الذي يناقشه البرلمان في الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي التي تبدأ اليوم في 21 يوليو/ تموز، اعتراضات واسعة من قبل منظمات عمالية محلية وسط تزايد مخاوف المواطنين على مستقبل رواتبهم التقاعدية.

وبررت الحكومة قرارها بالمحافظة على الأوضاع المالية للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في ضوء ارتفاع أعداد الاشخاص الحاصلين على التقاعد المبكر في السنوات القليلة الماضية.

وتقدر الفاتورة السنوية لرواتب متقاعدي الضمان الاجتماعي بحوالي 1.5 مليار دولار سنوياً ويستفيد منها حوالي 218 ألف متقاعد. وبلغ عدد متقاعدي المبكر من الضمان 113 ألف متقاعد يشكلون 48 في المائة من العدد الإجمالي لجميع متقاعدي الضمان البالغ عددهم 233 ألف متقاعد.

ويشمل التقاعد المبكر المعمول به حاليا كل من أكمل 50 عاماً شريطة ألا يقل اشتراكه في صندوق الضمان الاجتماعي عن 252 شهراً للذكر و228 للأنثى أو لمن بلغ سن 45 عاماً من كلا الجنسين بشرط تأدية 300 اشتراك بموجب أحكام قانون الضمان الاجتماعي.

وكان مسؤول أردني أكد لـ "العربي الجديد " أن صندوق النقد الدولي أكد أهمية إلغاء التقاعد المبكر في الأردن والذي من وجهة نظره يستنزف موارد مهمة في الدولة. ورغم أن الحكومة أكدت أن إلغاء التقاعد المبكرة لن يتم تطبيقه بأثر رجعي وإنما على المشتركين الجدد إلا أن حالة من الخوف باتت تنتاب المواطنين الخاضعين لأحكام الضمان الاجتماعي وخاصة الفئات متدنية الدخل التي تشكل غالبية الحاصلين على التقاعد المبكر.

وقد انتقد المرصد العمالي الأردني بعض التعديلات على قانون الضمان الاجتماعي بخاصة إلغاء التقاعد المبكر والتي من شأنها المساس بالحدود الدنيا من الحمایة الاجتماعية للعاملين في منشآت الأعمال الحديثة. وأكد المرصد في بیان صحافي أن تمرير تلك التعديلات من شأنه الإخلال بمنظومة الحمایة الاجتماعية الأردنية بشكل عام ومنظومة الضمان الاجتماعي بشكل خاص.

وقال إن التعديلات المتعلقة بإلغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد دون أن یرافقھا تطبيق سياسات موازية تتعلق بالأجور والفصل من العمل والتأمین ضد البطالة تعتبر غیر عادلة وستعمق الاختلالات والفجوات التي تعاني منھا منظومة الحمایة الاجتماعية المعمول بھا في الأردن.

وأكد المرصد العمالي أن إلغاء التقاعد المبكر یتطلب إعادة النظر بشكل ملموس في سیاسات الأجور والحد الأدنى لھا باتجاه زیادتھا" إذ إن غالبیة متقاعدي المبكر یقدمون على ھذه الخطوة بسبب عدم وجود زیادات حقیقیة على رواتبھم تكون كفیلة بتغطیة النفقات الأساسیة لأسرھم، من ارتفاع أسعار سلع وكذلك نفقات التعلیم والصحة.

وطالب بضرورة تنفیذ سياسات موازية لإلغاء فكرة التقاعد المبكر كـ "تخفیض اشتراكات الضمان الاجتماعي على الجمیع والتي تعتبر عقبة لیس فقط أمام منشآت الأعمال الجدیدة بل القائمة أیضا خصوصا أن الحكومة لم تقم بتفعیل التأمین الصحي لكل المشتركین بالضمان".

وتبلغ نسبة الاشتراك في الضمان الاجتماعي حوالي 23 في المائة من إجمالي راتب العامل يدفع منها المشترك حوالي 7 في المائة والنسبة الأخرى تدفع من قبل صاحب العمل.

رئيس المرصد العمالي أحمد عوض وفي تصريح لـ “العربي الجديد " أبدى مخاوفه من ارتفاع حالات الفصل التعسفي مستقبلا وخاصة بعد إلغاء التقاعد المبكر ما يعني عدم قدرة أعداد كبيرة من العاملين على الحصول على راتب تقاعدي إلا بعد بلوغهم الستين عاما فيما أصحاب العمال يميلون على الأغلب لتشغيل الشباب وعدم الانتظار طويلا على العمال لحين حصولهم على التقاعد.

وأكد على ضرورة وضع معاییر واضحة في قانون العمل تحول دون إجراء عملیات الفصل التعسفي وغیر التعسفي للعاملين والعاملات في مراحل عمریة معینة تدفعھم إلى سوق البطالة لأنھم لم یصلوا إلى سن التقاعد الوجوبي أو المبكر ویكون من الصعب علیھم الالتحاق في سوق العمل كعاملین مرة أخرى.

وقال عوض إن إلغاء التقاعد المبكر ينطوي على مخاطر كبيرة لا بد من دراستها عند الإقدام على هذه الخطوة التي تضر بشريحة كبيرة من المواطنين سيما متدني الدخل مشددا على ضرورة دراسة الآثار الاجتماعية السلبية التي ستنجم عن تلك التعديلات.

وهدد رئیس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن مازن المعایطة باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال عدم تراجع الحكومة عن تعديلات قانون الضمان الاجتماعي التي أقرت بدون التشاور مع أصحاب الشأن والاختصاص وتجاوز دور مجلس إدارة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.

وقال مدیر بیت العمال حمادة أبو نجمة، وكيل وزارة العمل سابقا إن قانون الضمان الاجتماعي یمس حیاة ومستقبل الغالبیة العظمى من المواطنین اجتماعیاً واقتصادیاً وأي تعدیل علیه یجب أن یحظى بحوار وطني شامل لا أن یقتصر على النخبة وأن یتم الاستماع إلى رأي الغالبیة من المتأثرین بوسائل مختلفة والأخذ قدر الإمكان بتوجهاتهم بما یضمن المصالح المشتركة للجمیع.

واضاف أن التعدیل الأھم ھو المتعلق بإلغاء التقاعد المبكر وھو إجراء قد یكون مفیداً لحمایة مدخرات صندوق الضمان من الاستنزاف لأنه سیقلل من حجم الرواتب التقاعدیة التي سیدفعھا ویزید من إیرادات المشتركین وھذا أمر منطقي غیر أنه لم یأخذ بعین الاعتبار الفئات الضعیفة من العاملین وبشكل خاص ممن یعانون من انخفاض أجورھم.

وبين أبو نجمة أن نسبة المشتركین الأردنیین الذین یتقاضون أجوراً تقل عن معدل الفقر للأسرة تبلغ ما یقرب من 25 في المائة من مجموع المشتركین وھم یجدون في التقاعد المبكر فرصة لتحسین دخلھم من خلال الجمع بین الراتب التقاعدي وراتب العمل.

وطالب بالتأني في التوجه نحو إلغاء التقاعد المبكر وأن یسبق ذلك تطبيق سياسات فعالة لرفع مستویات الأجور وبشكل خاص الحد الأدنى للأجور بما یضمن تغطیة احتیاجات العامل وأسرته وإیجاد بدائل عادلة في قانون الضمان نفسه من خلال استثناء فئات وحالات خاصة من ھذا الإلغاء ومنھم ذوو الأجور المنخفضة وذوو المسؤولیات العائلیة، والعاملون في أعمال خطرة ومرھقة. واقترح أبو نجمة أن يتم رفع سن التقاعد المبكر تدریجیاً.

وقالت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي " لم يتضمن مشروع القانون المعدل لقانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014 أي تعديلات تتعلق بشروط استحقاق راتب التقاعد المبكر للمؤمن عليهم الحاليين وإنما تضمن إيقاف التقاعد المبكر عن المؤمن عليهم الذين يتم شمولهم بالضمان لأول مرة بعد نفاذ القانون المعدل".

وأضافت أن هذا التعديل جاء بهدف تعزيز الحماية الاجتماعية للمؤمن عليهم من خلال ابقائهم في سوق العمل لأطول فترة ممكنة بما يتيح لهم الحصول مستقبلاً على رواتب تقاعدية مجزية.

وكان مجلس الوزراء قرر إحالة كل من أمضى 30 عاما فأكثر في الخدمة الحكومية إلى التقاعد اعتبارا من نهاية يونيو/حزيران 2019 ومنحهم حوافز مالية فيما ستتم إحالة كل من أمضى 25 عاما للتقاعد قبل نهاية العام الحالي. ويقدر عدد الموظفين المشمولين بالقرار بأكثر من 10 آلاف موظف من أصل 215 ألف عامل في الجهاز الحكومي وهم مشمولون بأحكام الضمان الاجتماعي وليس التقاعد المدني.

ووفقا للموازنة العامة للدولة يبلغ إجمالي الرواتب والأجور والعلاوات لموظفي الدولة من وزارات ودوائر حكومية ووحدات مستقلة نحو 5.7 مليارات دولار، بما يعادل 43.8 في المائة من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 13 مليار دولار. وتزيد كتلة الأجور بنسبة 4 في المائة عن القيمة المقدرة في العام 2018.

واعتبر وزير المالية عز الدين كناكرية في تصريحات صحافية مؤخرا أن توصية صندوق النقد بإعادة النظر في الرواتب والضمان الاجتماعي لن تؤثر على العمالة. وسيجري الأردن مفاوضات مع الصندوق لاعتماد برنامج اقتصادي جديد بعد انتهاء العمل بالبرنامج الحالي الذي تم تمديده إلى مارس/آذار المقبل.