محطات توليد الكهرباء والأمن القومي المصري

محطات توليد الكهرباء والأمن القومي المصري

04 يونيو 2019
بيع محطات الكهرباء لسداد الديون المتفاقمة (فرانس برس)
+ الخط -

قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية الأسبوع الماضي، إن مصر تدرس عروضاً لبيع على ثلاث محطات كهرباء شاركت شركة سيمنز الألمانية في بنائها، وافتتحت خلال يوليو/تموز 2018، وذكر الخبر أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تخفيض ديون مصر الخارجية، وتزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليها.

ورغم أن الخبر الذي لم يرد وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، الدخول في تفاصيله، بحجة أن الوقت مازال مبكراً للحديث عنه، لم يجب على الكثير من الأسئلة التي دارت في أذهان المهتمين بالاقتصاد المصري، الذي مازال يترنح من جراء قرارات ما اصطلح على تسميته بالإصلاح الاقتصادي، إلا أن أهم معالم الصورة كانت واضحة، على الأقل فيما يخص تكلفة إنشاء المحطات المزمع بيعها، وكيفية سدادها.

وتشير البيانات المعلنة من الحكومة إلى أن المحطات تكلفت 6 مليارات يورو، وتم تمويلها من خلال مجموعة من المقرضين، منها بنكا دويتشه وHSBC، الأمر الذي يرجح صحة التكهنات التي تشير إلى أن الغرض الأساسي من تنفيذ الصفقة هو التخلص من المديونية المرتبطة بها، وهو هدف نبيل بالتأكيد، وإن كانت الطرق الموصلة إليه عادة ما يشوبها بعض المخاطر.

وحقيقة الأمر أن القضية ليست مجرد محطات طاقة يتم بيعها، فالواقع أن هذه الخطوة تعكس قضية حذرنا منها وآخرين من قبل عدة مرات، وهي الوقوع في مصيدة الديون الخارجية، واتخاذ قرارات بناء على تأزم موقفها. وبعد تضاعف الديون الخارجية لمصر في السنوات الخمس الأخيرة، وتجاوزها مبلغ 96 مليار دولار، واستحواذ بند فوائد الدين على أكثر من 50 في المائة من إيرادات الدولة، في الموازنة العامة للسنة المالية التي تبدأ الشهر القادم، بات واضحاً للجميع ضرورة العمل على تقليص الدين العام، وبصفة خاصة الجزء الخارجي منه.

ومع اتفاقنا جميعاً على أهمية تقليص الدين، تبقى العديد من الملاحظات التي تكدر صفو الظروف المحيطة بتقليصه، ويأتي على رأسها الغياب التام للشفافية. وخلال السنوات الأخيرة، يتعامل النظام المصري مع المواطنين بكثير من الحذر، لدرجة حجب أغلب التفاصيل المحيطة بقرارات اقتصادية مصيرية، تمسهم بصورة واضحة، تحت عنوان "نحن أدرى منكم بمصلحتكم، وأرجو عدم التطرق إلى هذه المواضيع مرة أخرى".

وهذه السياسة وإن كانت تصلح قبل عقود، لا يمكن تقبلها في الوقت الحالي، خاصة مع إعلان رأس السلطة التنفيذية، أن العديد منها يتم اتخاذه بعيداً عن دراسات الجدوى!

ومن ناحية أخرى، لا يتوفر لدينا أي وسيلة للمحاسبة على ما تحققه تلك القرارات. وفي مراحل سابقة، اتُخذت قرارات كلفت الدولة أكثر من نصف ما كان بحوزتها من احتياطي نقد أجنبي، وعند المحاسبة، قيل لنا إن الغرض لم يكن تحسين إيرادات الدولة، أو تحقيق أرباح، وإنما كان فقط محاولة لتجميع الشعب المصري حول مشروع قومي. وكلفت أول محاولة جادة للمحاسبة رئيس البنك المركزي منصبه عام 2015، بعد أن تجرأ وأشار إلى عدم جدوى ما تم من تضييع للاحتياطي.

ولو أضفنا إلى غياب الشفافية والمحاسبة، النقص الواضح في البنية الأساسية التشريعية والرقابية، اللازمة للحفاظ على مصالح المواطنين، مع تراجع الدور الذي يقوم به مجلس النواب الحالي في أداء واجباته، لا بد أن يشعر المواطن المصري بالقلق عند الإعلان عن تلك الصفقات.

ومع الغياب الواضح لأي حوار رسمي على مستوى خبراء الاقتصاد، سواء في تلك الصفقة أو ما سبقها من صفقات أو مشروعات ضخمة، مثلت الإنترنت الساحة الوحيدة للتعرف إلى آرائهم.

وفي تعليقه على الصفقة، قال هاني توفيق، الخبير الاقتصادي المعروف، وأحد أوائل من اهتموا بأسواق رأس المال في مصر، وهو في نفس الوقت الرئيس السابق للجمعية المصرية للاستثمار المباشر، إن "إقدام مصر على بيع محطات الكهرباء يهدف بالأساس لخفض الدين العام الخارجي والذي بلغ 96.6 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، فيما تبلغ أقساط الدين الخارجي المستحقة العام المالي الجاري 10.5 مليارات دولار".

لكن حسن هيكل، وهو أحد أهم القامات الاقتصادية في مصر أيضاً، أكد أن الدين العام المعلن من الدولة لا يشمل ديون مؤسسات الدولة الاقتصادية، مثل وزارات الكهرباء أو البترول أو غيرها، وهو ما يعني، من وجهة نظره أن الدين الخارجي المعلن لن ينخفض بعد بيع المحطات، كما رأى هيكل أن المستثمر الذي سيشتريها سيتوجه إلى سوق النقد الأجنبي في مصر، لتدبير ما عليه سداده من التزامات بالعملة الأجنبية!

الخلاف الواضح بين وجهتي النظر، من اثنين من القامات الاقتصادية المصرية، يعكس بصورة واضحة التخبط الناتج عن غياب المعلومات والتعتيم على الأرقام الذي تعاني منه مصر في السنوات الأخيرة.

وفي الوقت الذي تقفز فيه الديون، قفزات ضخمة في فترات زمنية قصيرة، تغيب الأرقام الصحيحة تماماً عن المواطن، فيتوقف الإعلان عن الدين الخارجي عند نهاية العام الماضي، بينما نقترب من منتصف العام الجديد، ويتوقف الإعلان عن أية بيانات تخص الدين العام للدولة، حتى على الصفحة الرسمية لوزارة المالية المصرية، عند أرقام عام 2017.

وحتى تقرير صندوق النقد الدولي عن المراجعات الأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، لم يتحدث في صفحاته التي جاوزت الثمانين صفحة عن رقم الدين، واكتفى بالإشارة إليه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي!

ولو أضفنا لكل ما سبق الظرف الزمني الذي تتم فيه الصفقة، والذي يعرف صعوبته المستثمر الأجنبي الذي يتفاوض للشراء، والذي سيستغله بالتأكيد في الضغط للوصول إلى أفضل سعر للشراء، وإلى أحسن شروط تحكم ظروف عمله وتقديمه للخدمة بعد الشراء، نكون أمام قضية تهدد الأمن القومي المصري في أكثر من زاوية، وهو ما يُلزم الحكومة بالإجابة عن كل التساؤلات، لوضع النقاط فوق الحروف، قبل إتمام صفقة البيع، كما حدث في حالات سابقة خلال السنوات الأخيرة.

المساهمون