أزمة النفط تجبر الجزائر على الإنتاج وكبح الواردات

أزمة النفط تجبر الجزائر على الإنتاج وكبح الواردات

23 يونيو 2019
الحكومة توقف استيراد معظم الخضروات والفواكه منذ سنوات (Getty)
+ الخط -

 

ظهرت بوادر تحقيق الجزائر الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات، في أوج أزمة اقتصادية أثّرت على البلاد منذ عام 2014، بفعل تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية وانحسار إيراداتها، ما دفع الحكومة لتبني سياسات كبح فاتورة الواردات ونزف النقد الأجنبي.

وتهاوت إيرادات البلاد من 60 مليار دولار في 2014 إلى 27 مليار دولار في 2016، قبل أن تصعد إلى 41 مليار دولار في 2018 بعد تحسن محدود لأسعار النفط عالمياً.

ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، التي تشكل 94 بالمائة من عائدات البلاد من النقد الأجنبي. ومنذ عام 2015 أطلقت الحكومة خططاً لكبح الواردات، شملت إخضاع فئات واسعة من المنتجات والسلع التي تدخل البلاد، لنظام رخص مسبقة.

ومطلع العام الماضي 2018 منعت الحكومة دخول ما يناهز 1000 منتج إلى البلاد، بهدف حماية الإنتاج المحلي وكبح فاتورة الوردات، بينما ألغت مطلع العام الجاري الحظر المفروض على هذه السلع، وعوضته بنظام للرسوم الحمائية تراوحت بين 30 و200 في المائة.

وتحولت الجزائر من الاستيراد في قطاعات مثل الحديد والإسمنت والمنسوجات إلى الاستيراد، بينما كبحت بشكل كبير الواردات من الوقود والسيارات والخضروات والفاكهة، بزيادة الاستثمارات في الإنتاج المحلي. 

من استيراد موارد البناء إلى التصدير

وراهنت الجزائر في 2015 على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحديد الصلب في ظرف 3 سنوات، في وقت كانت تستورد فيه ما تتراوح قيمته بين 4 و5 مليارات دولار من هذه المادّة سنوياً، حيث رفعت الطاقة الإنتاجية إلى 10 ملايين طن خلال 2019 من خلال أربعة مصانع عاملة في الدولة، بينما يتوقع أن يقفز إلى 13 مليون طن مع دخول مصنع "بلارة" الجزائري-القطري مرحلة الإنتاج بنسبة 100 في المائة.

ويعدّ مصنع "الحجار" بمحافظة "عنابة" أقدم مصانع الحديد في الجزائر، ويعود للحقبة الاستعمارية الفرنسية، وتبلغ طاقته الإنتاجية 3 ملاين طن سنوياً، يليه مصنع "توسيالي" الجزائري - التركي بـ 2.9 مليون طن سنوياً، ويتوقع ارتفاع الإنتاج إلى 5 ملايين طن بعد الانتهاء من أعمال التوسعة، فيما يتوقع أن ينتج مصنع "بلارة" للحديد والصلب مليوني طن هذا العام و5 ملايين طن في 2020.

ويساهم المجمع الصناعي الجزائري "سيدار" بنسبة 51 في المائة في مصنع بلارة، بينما تستحوذ "قطر ستيل" على 49 بالمائة.

ويقول خالد برهام رئيس الاتحاد الجزائري للمناجم، إن "إنتاج الحديد في الجزائر قفز إلى 10 ملايين طن العام الجاري، بينما كان 5.5 ملايين طن في 2016 ونحو 8.5 ملايين طن عام 2017، مع العلم أن الطلب الداخلي استقر عند 9 ملايين طن سنوياً في السنوات الأخيرة، ومن المنتظر أن نحقق فائضاً بأكثر من 3 ملايين طن بدءاً من السنة القادمة".

ويضيف برهام لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الحديد في السنوات الأخيرة، واجهتها عدة عقبات أبرزها نقص الأموال بسبب تراجع عائدات النفط، ما دفعها لفتح المجال للاستثمارات الأجنبية، حيث دخلت رؤوس أموال قطرية لإنشاء مجمع كبير بشراكة محلية". 

رفع الحظر عن تصدير الإسمنت

وفي مجال موادّ البناء أيضاً، تحولت الجزائر من مستورد للإسمنت إلى مصدر، بسبب فائض الإنتاج الذي حققه القطاع في ظرف وجيز.

ودفع ارتفاع إنتاج الإسمنت الحكومة مطلع 2018، إلى رفع الحظر المطبق منذ أكثر من عشرين سنة على تصدير هذه المادّة، وذلك بعدما حققت توازناً بين العرض والطلب، ما اعتبره مراقبون رضوخاً لضغوط المنتجين وخاصة الأجانب الناشطين في البلاد.

وتقدر القدرة الإنتاجية للجزائر من الإسمنت بنحو 28 مليون طن 2019، بعدما كانت عند 20 مليون طن في 2015 مع بداية الأزمة الاقتصادية، في حين أن الطلب المحلي ازداد من حدود 20 مليون طن في عام 2010 إلى 26 مليون طن في 2017، وتتوقع الحكومة تسجيل فائض في الإنتاج بين 12.5 و13.5 مليون طن بحلول عام 2022.

ويرجع جمال نور الدين الخبير الاقتصادي، ارتفاع إنتاج الإسمنت إلى المنافسة الشرسة بين المصانع في السوق المحلية، حيث يوجد أربعة فاعلين في هذا القطاع، منهم المجمع الصناعي للإسمنت "جيكا" الذي يقارب إنتاجه 15 مليون طن سنوياً، تليه شركة "لافارج هولسيم" السويسرية التي تنتج أكثر من 9 ملايين طن سنوياً.

ومع تزايد الإنتاج، فإن التوجه نحو التصدير يمثل إشكالاً للجزائر وفق خبراء الاقتصاد، معتبرين أن البلاد غير مستعدة لتصدير كميات كبيرة من الإسمنت في المدى القريب، بالنظر لافتقارها لشبكة نقل بري وبحري، بالإضافة إلى عدم امتلاك زبائن دائمين لهذه السلعة، رغم تسجيل عمليات تصدير في الأشهر الأخيرة تعدّ على أصابع اليد الواحدة.

ويقول فرحات علي الخبير الاقتصادي، إن "الجزائر لا يمكنها أن تصدر أكثر من مليوني طن من الإسمنت سنوياً، بالنظر إلى ضعف شبكة النقل وعدم وجود سكك الحديد من المحافظات المعنية بإنتاج الإسمنت". ويضيف لـ"العربي الجديد": "لو نأخذ مثلاً محافظة بسكرة، كبرى المحافظات إنتاجاً للإسمنت، نجد أن أقرب الموانئ يبعد عنها نحو 400 كيلومتر ولا توجد فيها سكك للحديد".

 

الوقود والسيارات

امتدت الإجراءات الجزائرية لكبح فاتورة الواردات وخلق بدائل محلية، إلى السيارات والوقود التي تقدر فاتورة استيرادهما سنوياً بنحو 8 مليارات دولارات.

ومع دخول الجزائر دوامة تراجع عائدات النفط، اتجهت الحكومات المتعاقبة منذ 2014 لمراجعة السياسة المتبعة، من خلال تحديد ما يتم استيراده من السيارات سنوياً بملياري دولار، بعد تحقيق مصانع تجميع السيارات الخمسة المعتمدة، للتوازن بين العرض والطلب داخلياً بطاقة إنتاجية تقدر بـ 300 ألف وحدة سنوياً.

كما اتجهت للاستثمار في مجال "مصافي تكرير النفط"، لتوفير الأموال الموجهة لاستيراد الوقود من إسبانيا وإيطاليا التي تنقل إليهما الجزائر النفط الخام لتكريره.

وأضحى مجمل ما تنتجه الجزائر من الوقود 31 مليون طن سنوياً، ما يسمح للدولة بتوفير ما يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار من فاتورة الوقود والسيارات. وتستهلك الجزائر نحو 20 مليون طن من الوقود سنوياً (بنزين وديزل) حسب بيانات رسمية لشركة سوناطراك الحكومية.

تصدير المنسوجات

كما شرعت الجزائر في 2018، بتصدير كميات من مختلف منتجات النسيج وغزل القطن، فيما أوقفت منذ سنوات استيراد معظم الخضروات باستثناء الثوم، وعدة أنواع من الفواكه الموسمية.

وفي 16 يونيو/ حزيران الجاري ترأس نور الدين بدوي، رئيس الوزراء الجزائري اجتماعاً وزارياً خصص لدراسة سبل تطوير إنتاج القمح بأنواعه، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وتلقى المشاركون في اللقاء، تعليمات لتقليص اللجوء إلى الاستيراد وحصره فقط في تلبية الحاجات الحقيقية للسوق المحلية، مع حصر توجيه الدعم الحكومي فقط في الكميات التي تذهب إلى المواطن، وتفادي ذهابها إلى غير مستحقيها.

المساهمون