ضريبة الدخل والغلاء يرهقان الجزائريين

ضريبة الدخل والغلاء يرهقان الجزائريين

28 مايو 2019
تصاعد الأزمات المعيشية للجزائريين (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

 

عند بداية كل شهر، تذهب أنظار مختار عمام، الموظف في القطاع العمومي بالجزائر، عند سحبه كشف الراتب، إلى خانة "ضريبة الدخل" التي باتت تلتهم ربع راتبه شهريا، وهو أمر بات يؤرقه ويزيد الضغط على جيبه المنهك بغلاء الأسعار.

يقول عمام لـ"العربي الجديد" إنه "بات يعمل ثلاثة أسابيع لحسابه وأسبوعاً لخزينة الحكومة منطقيا، فضريبة الدخل تقدر بـ 26 في المائة، ويضاف إليها رسوم التأمين الصحي والتأمين على التقاعد، نحن على أبواب عيد الفطر وتنتظرني مصاريف كسوة الأطفال والزوجة، لا أدري حقيقة من أين أبدأ؟"

مثل ملايين الجزائريين لم يفق عمام بعد من ضربات موجعة، بزيادات متتالية على أسعار السلع والخدمات، منذ بداية الأزمة المالية قبل خمس سنوات، ضاعفت أسعار كل شيء بالتبعية، وزادت الضريبة على الدخل من أعبائه المالية.

وتمثل الضرائب "ضربة شهرية أكثر وجعا" لمحمد شكال الموظف في شباك إحدى بلديات العاصمة الجزائرية، الذي يقول لـ "العربي الجديد" إنه "منذ 2014 وبداية أزمة النفط وما تبعها من تراجع عائدات النفط، لم يتوقف الدينار عن التهاوي حتى فقد 34 بالمائة من قيمته، وانهارت معه قدرة الطبقة الوسطى الشرائية، ولا يُعقل أن تواصل الحكومة امتصاص الدنانير عبر ضريبة الدخل من حسابه مباشرة، من دون أن ترفع الأجور ولو لمرة واحدة."

واستطرد شكال في الحديث: "في كل دول العالم كلما ارتفعت الضرائب يجد المواطن خدمات في مستوى ما يتم اقتطاعه من دخله المالي، إلا في الجزائر، العكس يحدث، فخدمات الصحة والتعليم سيئة، أما الطرقات والنقل فتلك كارثة أخرى نتقاسمها نحن الجزائريون يوميا، اضطر إلى دفع تكاليف دروس الدعم لابني في مدرسة خاصة، بدلاً من المدارس الحكومية ذات المستوى الضعيف، كما أفضل الذهاب إلى أطباء القطاع الخاص عوض الانتظار لساعات طويلة في المستشفيات".

ويعد تفاقم الأعباء المعيشية واستفحال الأعباء الضريبية من أبرز أسباب الحراك الشعبي الذي أطاح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وما زال متواصلا.

وفي هذا السياق، قال نور الدين بودربة الخبير الضريبي لـ"العربي الجديد"، إن "الطبقة المتوسطة أضحت تتحمل مصاريف كبيرة من أجل تأمين خدمات كان يفترض أن تضمنها الدولة مثل التعليم والصحة، وبالتالي يجب أن تستفيد من تخفيف الضغط الضريبي عنها."

وحسب بودربة فإن "نحو 80 في المائة من عائدات ضريبة الدخل يأتي من الأجراء (العاملين) في القطاع الخاص والموظفين الحكوميين، بينما تقل مساهمة المهن الحرة في هذه الإيرادات، ومن المفترض أن تشمل ضريبة الدخل جميع أصناف الدخول العقارية والزراعية والمهنية، بدلاً من تركيزها على الموظفين الحكوميين والعاملين في القطاع الخاص، إذ أن نحو 75 في المائة من إيرادات الضريبة يجري حجزها من المنبع لصالح خزانة الدولة."

الجزائريون الذين جربت جيوبهم المنهكة بغلاء المعيشة، كل الوصفات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة، يجمعون أنه في وقت تقتطع فيه الحكومة الضريبة على الدخل مباشرة من رواتبهم عند صبها في الحسابات البنكية والبريدية، تعجز على تحصيل نفس الضريبة من خزائن المؤسسات، وترفض اللجوء إلى القضاء لتحصيل الديون الضريبية العالقة، ما جعل بعض الجزائريين يستغلون "الحراك الشعبي" لرفع مطالب إلغاء الضرائب على رواتب العمال.

إلى ذلك يقول الخبير الاقتصادي فرحات علي، إن "المادة الأولى في قانون الضرائب العامة في الجزائر تنص على أن الجزائريين وحتى الأجانب المقيمين في البلاد سواسية أمام الضريبة، وهو مبدأ أخلت به الحكومة الجزائرية منذ سنوات، فبلغة الأرقام ارتفعت الضريبة على الدخل العام للعمال من 15 إلى 26 بالمائة من سنة 2009 إلى سنة 2016، وفي المقابل انخفضت الضريبة على المؤسسات من 19 بالمائة إلى 15 بالمائة بحجة دعم اقتصاد منتج".

وتابع: "أما في ما يتعلق بالتحصيل فأرقام الضرائب الجزائرية لسنة 2018 كشفت أن التحصيل ارتفع عند المواطنين بـ5.62 في المائة مقارنة بـ 2017، وتراجع بـ 2.21 في المائة لدى المؤسسات مع العلم أن حجم الضرائب على الأرباح غير المحصلة والعالقة حتى نهاية 2018 (خلال 20 سنة الأخيرة) لدى المؤسسات، بلغ 11300 مليار دينار أي قرابة 100 مليار دولار."

وأضاف الخبير الاقتصادي لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة عليها مراجعة النظام الضريبي في الجزائر الذي يعد من تركة الاستعمار الفرنسي ولم يعد يتماشى مع الأوضاع الحالية، كما يمكن للحكومة أن تقر الضريبة على الثروة التي رفضتها في الماضي لإحداث نوع من العدالة الضريبية بين الجزائريين."

وكانت الحكومة الجزائرية قد لجأت في السنوات الثلاث الأخيرة، إلى توسيع الوعاء الضريبي بصفة تدريجية، لتعويض الخسائر التي خلفها تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، ما أثار مخاوف مراقبين من تفاقم ظاهرة الاقتصاد الموازي التي تجد في الضغوط الجبائية محفزا جيدا، فضلا عن إثقال كاهل المواطنين بأعباء إضافية تتزامن مع انهيار قدراتهم الشرائية بفعل تهاوي قيمة العملة المحلية.

ورفعت الحكومة مطلع 2017 ضريبة القيمة المضافة من 17 إلى 20 بالمائة، وفرضت ضريبة على بيع وإيجار العقارات بنحو 5 بالمائة سنة 2018، يضاف إلى ذلك رفع ضريبة الطاقة المفروضة على الآلات والأدوات الكهربائية المستوردة التي تستهلك كثيرا من الطاقة.

المساهمون