مخاطر استثمارية من فوز الأحزاب الشعبوية واليمينية في أوروبا

مخاطر استثمارية من فوز الأحزاب الشعبوية واليمينية في أوروبا

27 مايو 2019
عمليات فرز النتائج في مقاطعة ويلز البريطانية (Getty)
+ الخط -


في عالم مضطرب يعيش على حافة الحروب في أكثر من منطقة، ويزداد فيه التوتر في منطقة الشرق الأوسط الحيوية لإمدادات العالم بالطاقة، يصبح فوز الأحزاب اليمينية والحركات الشعبوية المتطرفة في أوروبا كابوساً مرعباً بالنسبة للمستثمرين في أسواق الصرف والمال والبورصات الأوروبية. 

ويهدد صعود الجماعات المطالبة بتمزيق الوحدة الأوروبية إلى منصة التشريع في أكبر البرلمانات العالمية، النمو الاقتصادي في أوروبا، ويضرب جاذبية السندات السيادية، وبالتالي يرعب كبار المستثمرين الذين يعتمد عليهم البنك المركزي الأوروبي في إخراج منطقة اليورو من الركود عبر ضخ استثمارات أجنبية ضخمة مباشرة وغير مباشرة.

وتعتمد أوروبا منذ سنوات بعد أزمة الديون في العام 2009 على استخدام آلية " التيسير الكمي" في محاولات إنعاش النمو الاقتصادي المتراجع، ولكن حتى الآن لم تنجح في تحقيق ذلك.

على صعيد تهديد مستقبل مشروع اليورو، قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير في تصريحات لتلفزيون "بي أف إم" خلال عطلة الأسبوع، إن منطقة اليورو تواجه أكبر تهديد في تاريخها بسبب صعود الأحزاب الشعبوية التي تشكك في المشروع الأوروبي.

وحث الوزير لومير الدول الضعيفة في منطقة اليورو إلى اتخاذ إجراءات إضافية لمعالجة الاختلالات في الإنفاق الحكومي والبنوك والأسواق المالية.

وتشير إحصائيات "يورو ستات" الصادرة في الأسبوع الماضي إلى أن الإنتاج الصناعي انخفض بمنطقة اليورو بمعدل 0.3% خلال شهر مارس/ آذار الماضي.

وأزمة دول منطقة اليورو الضعيفة وعلى رأسها إيطاليا واليونان وإسبانيا، اعتمدت على السياسات النقدية في معالجة مشاكل ارتفاع البطالة وتدني الدخل الضريبي وزيادة معدلات النمو والوظائف والانهماك المتواصل في الاستدانة.

وبناء على النتائج الأولية لم تتمكن الأحزاب المتطرفة من تحقيق مكاسب كبيرة تهدد التوازن في البرلمان الأوروبي، وهو ما أدى أمس إلى صعود عملة اليورو إلى 1.1215 دولار، مقتربة من ذروتها في أسبوعين ونصف، ومتجاوزة أدنى مستوى لها في عامين.

وحسب رويترز، قالت كريستين تكسن محللة أسواق الصرف لدى بنك دانسكه النرويجي "بالفعل، كان إيجابياً عدم تحقيق الشعبويين أكثر مما حققوه".

ويحذر اقتصاديون من تنامي ديون منطقة اليورو إلى نحو تريليوني دولار وسط تنامي الكتل الشعبوية.

ويقول مصرف التسويات الدولية، إن عملة اليورو، التي تعتمد عليها دول منطقة اليورو الضعيفة ليست عملة احتياط عالمية كبرى مثل الدولار، أو حتى عملة تسوية عالمية مثل العملة الأميركية، يمكن الاعتماد عليها في سياسة استخدام التمدد النقدي لتمويل الانتعاش الاقتصادي، كما فعلت أميركا في لحظات الأزمات.

فاليورو يستخدم في تسوية صفقات تقدر بنحو 31% فقط، مقارنة بالدولار الذي يستخدم في تسوية 88% من إجمالي الصفقات العالمية، كما أن حصته من احتياطات البنوك المركزية العالمية ضعيفة لا تتجاوز 21% مقارنة بحصة 63% للدولار.

وبالتالي، فإن صعود الجماعات اليمينية المتطرفة والتيارات الشعبوية على حساب الأحزاب التقليدية التي أسست للوحدة الأوروبية، يرسل إشارة إنذار للمستثمرين في السندات السيادية بدول اليورو.

يحدث ذلك في وقت تنخفض فيه جاذبية السندات الأوروبية، بسبب ضعف العائد الحقيقي وتواصل سياسة التيسير الكمي التي ترفع من مديونيات الحكومات الأعضاء إلى نسبة يقدرها بنك التسويات الدولية بنحو 40% من الناتج المحلي. ولدى 16 دولة من دول منطقة اليورو حالياً عائد سلبي على سندات الخزانة أجل 10 سنوات.

ويتخوف المستثمرون من احتمال خروج بعض الدول من منطقة اليورو في حال حصول الجماعات الشعبوية واليمنية على أغلبية مريحة في البرلمانات المحلية. كما يعرقل فوزها، وإن لم يكن بأغلبية، خطط المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي الرامية إلى إخراج المنطقة من مأزق التيسير الكمي. 

وحتى الآن تمكن التجمع الوطني المناهض لمنطقة اليورو من الفوز في فرنسا، حيث حصد أكبر نسبة من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي.

وحسب وكالة فرانس برس، قالت مارين لوبن، رئيسة التجمّع الوطني، إن هذا الفوز يعبر عن "خذلان ديموقراطي" للسلطة في البلاد".

ومعروف أن برنامج لوبين يعتمد في الأساس على مقولة "فرنسا للفرنسيين"، أي تدعو إلى خروج فرنسا من منطقة اليورو والعودة للفرنك الفرنسي كبديل لليورو، إضافة إلى طرد المهاجرين الذين لا ينتمون عرقياً إلى فرنسا.


ولدى فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. وتعيش حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون منذ العام الماضي أزمة احتجاجات "السترات الصفراء"، التي تضرب الثقة الاستثمارية في فرنسا، كما تكبد الاقتصاد خسائر متواصلة في السياحة والتسوق. 

ولم تتضح نتائج الانتخابات بعد في باقي الدول الأوروبية، لكن التوقعات واستفتاءات الرأي تشير إلى أن الأحزاب الشعبوية ربما ستحرز تقدماً محدوداً أو على الأقل المحافظة على مواقعها في كل من بريطانيا وإيطاليا وبولندا وهنغاريا.

وعلى الرغم من المستقبل غير المضمون لبريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، حيث لم يحسم مستقبل بريكست بعد، إلا أن السياسي الانفصالي نايجل فاراج كسب الانتخابات على حساب حزب المحافظين.

وأدلى الناخبون بأصواتهم في 21 دولة من دول الاتحاد الأوروبي منذ يوم الخميس لانتخاب 751 نائباً في برلمان أوروبي جديد، يفترض أن يعمل على تبني تشريعات جديدة تدعم الوحدة الأوروبية.

وتدعو العديد من أحزاب التطرف الشعبوي إلى خروج بلدانهم من عضوية منطقة اليورو والعودة إلى العملات الوطنية كبديل لليورو.