هل ستقع حرب خليجية جديدة؟

هل ستقع حرب خليجية جديدة؟

16 مايو 2019
التوتير يرفع منسوب مخاوف وقوع حرب (فرانس برس)
+ الخط -
لا يدري أحد كم عدد الحروب الخليجية، وذلك لأن بعضها عسكري، وبعضها اقتصادي، وبعضها بين دول الخليج، وأخرى تدخلت فيها أطرافٌ إقليمية وعالمية.

وقد نال العراق منها خمس حروب على الأقل، بين العراق وإيران 1980-1988، واحتلال العراق للكويت 1990-1991، وحرب تحرير الكويت 1991، والحرب الاقتصادية ضد العراق 1990-2003، واحتلال أميركا وحلفائها العراق عام 2003، وما تلا ذلك من حرب داخلية، ثم أخيراً الحرب ضد "داعش" والإرهاب منذ 2011، ولا ننسى تدخلات القوات الإيرانية والتركية في حروبٍ في مناطق محدّدة من العراق.

ولو نظرنا إلى الحروب الأخرى، بدءاً من التهديد بإيقاف إنتاج النفط عام 1973، ومن ثم ارتفاع أسعاره بحدة. وكذلك الحرب في اليمن بين السعودية وحلفائها وقوات الحوثي بدعم إيراني.

وحرب الحصار الاقتصادي ضد قطر، وصراع قطر والبحرين على جزيرتي فشت الدبل وحوار، وغيرها من الأمثلة على وقوع حربٍ من نوع ما، أو ما يقرب من التهديد بالحرب. ومثل ذلك لما هدّد شاه إيران محمد رضا باحتلال البحرين. وأزمات أخرى غيرها.
ومن منا ينسى النظرية التي سُمّيت "الاحتواء المزدوج" أو (Dual containment)، والتي رسمت خطوط الاستراتيجية الأميركية في منطقة الخليج. ومع أن الفكرة تعود إلى أيام الرئيس الأميركي جيمي كارتر (1977-1981)، إلا أنها اكتسبت زخماً في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وحدّدت معالم السياسة الأميركية في الخليج بعد حرب الخليج الأولى، أيام الرئيس جورج بوش الأب (1989-1993).

أما الذي استخدم المصطلح في محاضرة له في لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (إيباك)، فهو مارتن إنديك، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في تل أبيب، وعمل مستشاراً للأمن القومي في بلاده.

وقد استمرت السياسة في استهداف العراق، حتى أنهكت العراق، ودمرت بناه التحتية والفوقية، ومزّقت وحدته الوطنية، وفتحت أرض العراق للأجانب، بجنودهم وبساطيرهم ونفوذهم. وحسب الروايات والدراسات الأميركية، فإن كلاً من العراق وإيران اعتُبر عدواً لدوداً لإسرائيل.

ووفقاً لهذه النظرية، فإن أنصار الرئيس الجمهوري الجديد، ترامب، والذي جاء بعد الرئيسين الجمهوريين اللذين حاربا العراق (جورج بوش الأب والابن) لكي يستمر في تطبيق نظرية الاحتواء المزدوج، ما يعني ضرب إيران، أو الجانب الآخر من المعادلة.

ويطبّق سيناريو على إيران مشابه للذي طُبق على العراق، فبعد إخراج القوات العراقية من الكويت، وعودتها خاسرة إلى بلدها عام 1991، طبقت على العراق عقوبات اقتصادية صدرت عن مجلس الأمن الدولي تباعاً، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي أن العراق مضطر إلى تطبيق العقوبات (الغذاء والدواء)، وإلا عرّض نفسه لعقوباتٍ عسكريةٍ مسلحة.
في ذلك الوقت، كانت روسيا في حالة ضعف وهوان بعد البرويسترويكا، والصين لم يتبلور لها اقتصاد واضح، والعالم خاضع لقوة أحادية هي الولايات المتحدة. هذا عدا عن أن العراق احتل دولة ذات سيادة، واتُهم بمهاجمة الأكراد في حلبجة وغيرها بالمواد الكيميائية المحرمة دولياً، نوعا من أنواع أسلحة الدمار الشامل.

بعد ذلك، بقي الحصار الاقتصادي مفروضاً على العراق، حتى اتُهم ظلماً وزوراً بأنه كان يطور أسلحة دمار شامل نووية. ولكن الواقع أن العراق كان قد وصل إلى مرحلة من الضعف تجعل احتلاله أمراً سهلاً. وقد كان. وأعطى هذا لإيران فرصة تاريخية لتعزّز نفوذها في العراق سياسياً وعسكرياً ووجوداً، ومساعدة حلفائها مثل حزب الله في ذلك.

وبسبب تقاعس الرئيس الأميركي، أوباما، عن التدخل في سورية، في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة أحادية النفوذ، تدخّل الروس والإيرانيون بدعوة رسمية من النظام السوري. وعلى الرغم من أن ذلك أدى، بفضل الإرهاب ومسانديه، إلى تدمير البنى التحتية والفوقية والإنتاجية لسورية، فقد بقيت فيها قوات روسية وأميركية وتركية وإيرانية وحزب الله.

وبسبب بروز حركة الحوثي، المدعومة إيرانياً، في اليمن، تدافعت السعودية والإمارات وحلفائهما في التصدّي لطموحات الحوثيين في اليمن، خشية من تدخل إيران، ووصولها إلى حدود المملكة العربية السعودية.

وأدت أزمة الحكومة اللبنانية، وتهاوي الاقتصاد اللبناني، إلى زيادة نفوذ حزب الله في البلاد، خصوصا أنه خاض حربين ضد إسرائيل أربكتاها وجيشها. ولا ينسى الإسرائيليون زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد للبنان عام 2010، وعقده حشداً كبيراً من أنصار إيران في لبنان بالقرب من الحدود الجنوبية، ولا ينسون كذلك خطابه الناري الذي هدّد وجود إسرائيل بالإزالة.

إذن، تقول الشواهد إن الحشود الحالية للقوات البحرية الأميركية في الخليج والمتوسط، ولربما في بحر العرب، لمحاصرة إيران، تأتي خطوة لاحقة من أجل إنهاء أكبر دولةٍ تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل.

وحتى لو لم تحصل حرب، أو أن إيران لم تعط القوات الأميركية الذريعة لكي تضرب قواعد ومعسكرات إيرانية، فإن وجود هذه القوات يخدم غرضين: الأول تعزيز الحصار المفروض على إيران، خصوصا النفط والغاز المصدّرَين منها. والثاني منع إيران من التدخل، حين إعلان صفقة القرن.

وسوف تبقى القوات هنالك على أهبة الاستعداد في حال ضاقت إيران ذرعاً بالحصار، وجرّبت أن تفتح بالقوة مساراتٍ لشاحنات النفط والغاز المصدّرين منها، أو لمنع دول الخليج من التصدير للتعويض عن النقص في النفط الإيراني.
ولكن العالم ليس عالم 2003، بل نحن عام 2019، حيث تتربّص روسيا بأي فرصةٍ لتعزيز وجودها في المنطقة، وسوف تفعل ذلك في إيران نفسها، إن طلبت إيران من روسيا إرسال قوات إليها، أو إذا طلبت دول حليفة مع إيران عودة القوات الروسية إلى مناطق مثل أذربيجان (حيث قوس النفط في بحر قزوين).

أما الهدف الأبعد فقد تكون له علاقة بالحرب التجارية الدائرة رحاها في الوقت الحاضر بين الولايات المتحدة والصين، والتي وصلت إلى مستوياتٍ بدأت تؤذي الطرفين، فأميركا تعاني الآن من تراجع البورصات، وارتفاع أسعار السلع.

والصين، كما معظم الدول في شرق آسيا، تعاني من هبوط الصادرات، وهبوط أسعار عملاتها حيال الدولار، وكذلك من مطالب الولايات المتحدة بدفع فواتير حماية أميركا لها. وقد يكون إغلاق باب المندب، أو مضيق هرمز، هدفاً أميركياً لمنع وصول البضائع الصينية إلى دول كثيرة، وحيث يشكل هذان المعبران المائيان شريان حياة أساسياً للتجارة الصينية.

التوتير مع إيران سيضع ضغوطاً على فلسطين والأردن، لكي يقبلا صفقة القرن، ويقللا من فرص المناورة أمامهما. وإيران أمام أزمة خطيرة، كما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، ولكن اندلاع حربٍ سيكون كارثة كبرى على الاقتصاد العالمي، ومحققاً لنبوءة الانهيار الاقتصادي قبل عام 2020.