عقارات مصر بلا مشترين... تراجع حاد في مبيعات الحديد

عقارات مصر بلا مشترين...تراجع حاد في مبيعات الحديد يعكس تصدع سوق البناء

12 مايو 2019
الأسعار قفزت أكثر من 100% في ثلاث سنوات (Getty)
+ الخط -

أظهرت بيانات رسمية تراجع مبيعات حديد التسليح (البناء) بشكل حاد خلال العام الماضي 2018، ما يؤشر إلى دخول الدولة في مرحلة ركود عقاري، بعد أن وصلت أسعار الوحدات بمختلف أنواعها السكنية والتجارية والإدارية إلى مستويات غير مسبوقة بما يفوق القدرات الشرائية لأغلب المصريين.

وأوضحت البيانات التي رصدتها "العربي الجديد" من خلال النشرات الرسمية للبنك المركزي، أن مبيعات حديد التسليح هوت خلال ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى نحو 508 آلاف طن، مقابل 708.4 آلاف طن في نفس الشهر من العام 2017، بهبوط بلغت نسبته 28.3 في المائة، فيما يعد هذا التراجع الأكبر منذ عام 2013.

وعلى مدار العام الماضي بأكلمه، سجلت مبيعات الحديد 5.9 ملايين طن، مقابل 7.17 ملايين طن في 2017، بانخفاض بلغت نسبته 17.7 في المائة.

ويُرجع أيمن صبري، مسؤول المبيعات في إحدى شركات التطوير العقاري، انخفاض مبيعات الحديد ومواد البناء بشكل عام خلال الأشهر الماضية إلى حالة الركود التى تخيم على السوق منذ فترة ليست بالقصيرة.

ويشكو تاجر مواد بناء في العاصمة القاهرة من انخفاض حجم مبيعاته بمعدل يصل إلى 80 في المائة، مشيرا إلى أن الانخفاض لا يقتصر على مبيعات الحديد وإنما يشمل العديد من مواد البناء الأخرى.

ويقول: "كنت أبيع قبل أشهر حوالى 60 ألف طوبة (طابوق) في اليوم الواحد، بينما حجم المبيعات حاليا لا يتعدى 12 ألف طوبة، كما انخفضت مبيعات الإسمنت من 60 طنا يوميا إلى 12 طنا فقط".

انهيار الجنيه

وشهدت مصر في العامين الماضيين إقبالاً غير مسبوق على شراء العقارات كوعاء لحفظ المدخرات، بعد انهيار سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية نتيجة قرار الحكومة بتعويم (تحرير) سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي مقابل إقراض الدولة 12 مليار دولار.

وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، حذر تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، نشرته "العربي الجديد" من حدوث أزمة عقارية في مصر، مشابهة لما حدث في الصين بداية من عام 2008، والمعروفة بـ"مدن الأشباح".

وأشار المركز إلى زيادة المعروض من الوحدات مع تراجع القدرة الشرائية، وتراخي المطور العقاري في معرفة المقدرة الحقيقية للمشتري على السداد، لتسهيل عمليات البيع، لافتا إلى أن معدل نمو قطاعَي التشييد والبناء والأنشطة العقارية ارتفع من 225 في المائة في العام المتالي 2010/2011، إلى 952 بالمائة في 2016/2017. ويبدأ العام المالي في مصر في الأول من يوليو/تموز.

ولم يخف أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة، قلقه من تأثر سوق مواد البناء بالركود العقاري الذي بدأت إرهاصته في الظهور. ويقول الزيني لـ"العربي الجديد" إن "هناك ركوداً عقارياً يلحظه الجميع، فالأسعار ارتفعت خلال العام الماضي وحده بنحو 19 في المائة".

لكن خالد التهامي، الذي يعمل في مجال التسويق العقاري، يؤكد أن نسبة الزيادة في أسعار العقارات خلال السنوات الثلاث الماضية لا تقل عن 100 في المائة بل وتزيد عن ذلك، لا سيما في المناطق والمدن العمرانية الجديدة.

ويقول التهامي إن سعر المتر في المنطقة المعروفة بالمربع الذهبي قرب الجامعة الأميركية بالتجمع الخامس في القاهرة الجديدة كان يتراوح بين 6 و7 آلاف جنيه نصف تشطيب للسداد النقدي مطلع عام 2016، بينما الآن يصل إلى 14 ألف جنيه نقداً وأكثر من 21 ألف جنيه للتقسيط على 7 سنوات.

ويشير إلى أن نسبة الزيادة في الأسعار لا تختلف كثيراً في مختلف مناطق مصر، والفارق فقط يكون في قيمة سعر المتر، فمنطقة مثل حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) كان سعر المتر فيها يتراوح بين 1600 و1700 جنيه للمتر نصف التشطيب بينما الآن يتراوح بين 3400 و3800 جنيه.

وكان داكر عبد اللاه، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لمقاولي التشييد والبناء، قد لفت أخيراً إلى احتمال حدوث "فقاعة عقارية"، نتيجة الارتفاعات المبالغ فيها في أسعار العقارات، وانخفاض القدرة الشرائية لدى الكثير من المواطنين.

وأشار إلى أنه على شركات التطوير العقارى إعادة حساباتها بشأن عملائها من منطلق أن 80 في المائة من المستهدفين هم من متوسطي ومحدودي الدخل، إذ تفوق الأسعار الحالية قدراتهم المالية.

الحكومة تشعل الأسعار

ويقول خبراء في القطاع العقاري إن الحكومة ساهمت أيضا بشكل مباشر في ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، موضحين أنه بجانب تحرير سعر صرف الجنيه الذي ألهب أسعار مختلف السلع والخدمات، دخلت الحكومة في منافسة مع القطاع الخاص لرفع أسعار العقارات، بل وكانت هي التي تبدأ برفع أسعار الأراضي والوحدات السكنية التي تطرحها ويقتفي القطاع الخاص أثرها في السنوات الأخيرة.

ويبدو أن الدولة بدأت تلمس دخول السوق بالفعل في مرحلة ركود، ما دعاها إلى تقليل عمليات طرح الأراضي والوحدات السكنية في الإعلانات الأخيرة، وفق محمد السيد، الخبير العقاري.

ويوضح السيد أن تقليل عمليات الطرح جاء في ظل خشية الحكومة من التعرض لانتكاسة في البيع على غرار ما حدث خلال العام الماضي من ترويج مشروع الإسكان الفاخر، الذي أطلقت عليه اسم "جنة" في عدة مدن جديدة، بعد أن وصلت الأسعار فيه إلى مستويات كبيرة حيث لامس سعر المتر في منطقة الشيخ زايد غرب القاهرة نحو 12 ألف جنيه.

ولم يقتصر تراجع الإقبال على شراء العقارات الفاخرة، وإنما انخفض الإقبال أيضا على مشاريع الحكومة للإسكان المتوسط بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، رغم لجوء وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصرية، لمدّ أجل الحجز وسداد المقدمات.

الإقامة للأجانب

وفي محاولة لتفادي تداعيات الركود، بدأت الحكومة بضغط من مأزقها المالي وكذلك مطالب شركات الاستثمار العقاري الكبرى، في بحث منح الإقامة للأجانب مقابل تملك الوحدات السكنية والتي لا يشترط أن تكون مكتملة البناء وإنما قد تكون قيد الإنشاء.

وأعلنت وزارة الإسكان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن معايير حصول الأجانب حائزي الوحدات السكنية على الإقامة مقابل تملك الوحدات قيد الإنشاء، حيث أوضح خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية في بيان نُشر على موقع الوزارة آنذاك، أنه "سيتم منح الإقامة للأجانب حائزي الوحدات السكنية تحت الإنشاء، التي يتم سداد ثمنها بالكامل بالدولار، بشرط أن يكون الحد الأدنى لمقدم الوحدة 40 في المائة من ثمنها، أو 100 ألف دولار.


دلالات

المساهمون