أموال خائفة... تهديدات المعارضة التركية تربك المستثمرين السوريين

أموال خائفة... تهديدات المعارضة التركية تربك المستثمرين السوريين

24 ابريل 2019
رئيس بلدية إسطنبول أكرم أوغلو في جولة بالأسواق(فرانس برس)
+ الخط -
سادت مخاوف بين المستثمرين السوريين، بعد فوز المعارضة برئاسة بلديات المدن الكبرى إسطنبول، وأنقرة وأزمير والتي هدّد بعض قيادييها بطرد السوريين.
وتتالت تصريحات عدائية من رؤساء بلديات جدد تابعين لحزب الشعب الجمهوري المعارض، إذ توعّد تانجو أوزجان، رئيس بلدية "بولو" الواقعة شمال تركيا على البحر الأسود، بقطع المساعدات المقدمة للسوريين القاطنين في المدينة، وأنه لن يمنحهم تراخيص واستثمارات جديدة.

وقال "لن أقدم أي مساعدة للسوريين من خزانة البلدية، ولن أمنحهم رخصة فتح محل تجاري لأنني لا أريدهم أن يستقروا في بولو ويبقوا في تركيا. موقفي ثابت في هذا الموضوع".
أما أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى التي يقطنها زهاء 600 ألف سوري وتحتضن 473 شركة سورية، أكد خلال أول تصريح له بعد استلام منصبه "أمام حشد جماهيري في قضاء أفجلار"، أؤيد فكرة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم في أقرب فرصة.

وانتقد أوغلو سياسة الحكومة التركية باستقبال السوريين، مشيراً إلى أن أعدادهم تجاوزت مفهوم اللجوء، مضيفاً أن أصحاب القرار، الرئيس التركي وحكومته، مدركين حجم الخطأ الذي ارتكبوه، ملمحاً إلى أن اللجوء بهذا العدد الكبير، ربما يحمل خلفه محاولة تغيير ديموغرافي لتركيا.

ورفع "حزب الشعب الجمهوري" صاحب شعار "طرد السوريين" رصيده من 13 إلى 20 بلدية في عموم تركيا، في مقدمتها العاصمة أنقرة التي غاب عنها لأكثر من 25 سنة متتالية، بالإضافة إلى إسطنبول. في حين فاز حزب العدالة والتنمية الحاكم، بأغلبية الأصوات (51.6 في المائة) وغالبية بلديات المدن بواقع 52 من أصل 81 في عموم البلاد.
ضرائب مرهقة
يقول صاحب متجر "بيت المؤونة" في إسطنبول، رامي أحمد لـ"العربي الجديد" عملنا خلال الفترة السابقة وفق التسهيلات التي منحتنا إياها تركيا، ولكن تم إنذارنا بشكل نهائي، قبل الانتخابات البلدية الأخيرة، لاستكمال كافة الأوراق والتراخيص، وإلا سيتم إغلاق المحل بالشمع الأحمر، وفعلاً أغلقوا محال مخالفة".
أشار أحمد إلى أن المخاوف تزايدت بعد التهديدات التي أطلقها قياديون في المعارضة، مبيناً أنه يدفع 250 ليرة تركية ضريبة شهرية وهناك ضريبة كل ثلاثة أشهر، توازي إيجار المحل، إضافة إلى الضريبة السنوية "دفتر السنوي" بنحو 500 ليرة تزيد وتنقص على حسب المبيعات وحجم الاستثمار.

لكن صاحب محل للمواد الغذائية بمنطقة الفاتح، رفض ذكر اسمه، أعلن أنه يصفي موجودات المحل، وسيغلقه خلال أيام، لأن الأعباء المالية، من إيجار وضرائب ترهقه.
ويأتي ذلك رغم طمأنة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر "مستقبل العمل" في أنقرة قبل أيام بقوله: "سنواصل دعم السوريين الذين تستضيفهم تركيا على أراضيها، عبر الحكومة والولايات".
وأضاف أردوغان "لأننا نريد أن نكون أنصارا ولهذا لن نتخلى عن المهاجرين على الإطلاق" مشيراً إلى أن بلاده استضافت 4 ملايين لاجئ وأنفقت عليهم 35 مليار دولار".
لا معوقات
يرى مستثمرون أن مخاوف السوريين غير مبررة، لأن صلاحية رؤساء البلديات محددة ومحدودة، ولا يمكنهم إعاقة الاستثمارات وتعطيل الأعمال الاقتصادية للسوريين.
ويؤكد المستثمر السوري محمد نزار بيطار لـ"العربي الجديد" أنه ليس ضمن صلاحية البلديات إغلاق الشركات أو الاستثمارات الصغيرة، لأن إذن العمل يصدر عن وزارة العمل في أنقرة وليس للبلدية أي علاقة ولا تستطيع البلدية أن تمنع حصوله لكنها تغلق الشركة بحال عدم توفره. كما لا يمكن للبلدية بحسب بيطار منع الحصول على الرقم الضريبي لأنه يصدر عن وزارة المالية.

ويضيف المستثمر السوري: ليس لرئاسة البلدية على رجال الأعمال السوريين، أي تأثير مباشر أو غير مباشر، إن كانت تراخيصهم وأرواقهم نظامية، ولكن الإعلام بدأ يؤثر عبر تخويف أظنه سياسياً ولإرضاء الناخبين الذين صوتوا لحزب الشعب الجمهوري.
ويلفت بيطار، إلى أنه ليس من السهولة الاستغناء عن الاستثمارات السورية في تركيا، وهذه حقيقة يجب أن يعرفها الجميع، إذ وبإسطنبول فقط، يوجد عشرات آلاف المحال السورية.

ولم يبتعد المستثمر سعيد نحاس بالرأي عن سابقه، مبيناً أن "رئاسة البلديات الكبرى ببعض المدن ذهبت لحزب الشعب، لكن مجالس البلديات وبلديات الأحياء، لم تزل معظمها بيد العدالة والتنمية" ما يعني عدم الصلاحية المطلقة لأحزاب المعارضة.
وحول تأثر الاستثمارات السورية، يضيف نحاس: "لن نتأثر، لأننا نتعامل كمستثمرين وليس كسوريين، وهذا قرار حكومة وليس بلديات، والبلديات تغض الطرف عنا فقط لجهة توظيف عمالة تركية مفروض لكل إذن عمل أجنبي خمسة أتراك، ويمكن للبلديات أن تحاسب أصحاب المحال والشركات بمطابقة أوراقهم للقانون (ترخيص، ضرائب، عمالة) والتأثير سيكون على المحال الصغيرة المخالفة "وهي كثيرة".

ويلفت المستثمر السوري أن التأثير ربما يكون بالاستهداف عبر تسيير الدوريات، سواء بذريعة شروط النظافة والفواتير النظامية أو مواعيد الإغلاق، بهدف الضغط عليهم.
استثمارات ضخمة
يستمر السوريون بصدارة تأسيس الشركات في تركيا للعام الرابع على التوالي، بعدما لاقوا مناخاً مشجعاً ومنحتهم تركيا ميزات إضافية وتسهيلات، خلال تأسيس الشركات ومزاولة العمل والإنتاج والتصدير.
ووفق إحصاءات رسمية تركية، أنشأ السوريون أكثر من 10 آلاف شركة في مختلف القطاعات، منذ مجيئهم إلى تركيا عام 2011، حصة العام الفائت منها أكثر من 1500 شركة برأسمال نحو 119 مليون ليرة تركية.

وتتفاوت أرقام حجم الاستثمارات السورية الكلية في تركيا، وفي حين يقدرها نائب رئيس جمعية رجال ورواد الأعمال السوريين (سياد) زياد شمعون، بنحو 1.5 مليار دولار، يؤكد المستثمر محمد نزار بيطار لـ"العربي الجديد" أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، من دون تحديد رقم.
ويقول رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل لـ"العربي الجديد": يمكن للبلديات برئاساتها الجديدة (أحزاب معارضة) أن تمارس على رجال الأعمال والمستثمرين السوريين ضغوطاً إدارية حول مدى انسجام الأعمال مع المحددات القانونية التي تقررها البلديات ومدى تكيف المؤسسات الاقتصادية مع القانون التركي الناظم لعملها، وبقدر الالتزام بالقوانين يجنب السوريون أنفسهم أي إجراءات سلبية من قبل البلديات.

ويلفت قرنفل، إلى أن صلاحيات البلديات ضمن نطاق جغرافي وسقف قانوني محددين، وأهم صلاحياتها بالنسبة للشركات والمحال، تتعلق بالتراخيص واحترام قانون البيئة والشروط الصحية، وعدا ذلك، كل ما يقال يدخل ضمن التصريحات السياسية وعوامل تخويف السوريين، لأن السوريين في تركيا، موجودون أولاً ضمن قانون الحماية المؤقتة لأن بلدهم يشهد حرباً، ووجودهم متعلق بالدولة المركزية.
وحول إمكانية تعرّض سوريين للاستهداف من البلديات أو عدم منحهم التراخيص، يقول قرنفل: ببساطة يمكن اللجوء إلى المحاكم وتركيا دولة قانون وليست دولة بلديات وأحزاب.