وزراء "بيع الوهم" في مصر

وزراء "بيع الوهم" في مصر

15 ابريل 2019
هذه نتائج برنامج الاصلاح الاقتصادي على المصريين (العربي الجديد)
+ الخط -



يخرج علينا وزراء مصريون هذه الأيام بتصريحات أقرب ما توصف بأنها "نوع من بيع الوهم"، حيث تروج لمعلومات وأحيانا بيانات غير دقيقة، أو لنقل بيانات بعيدة عن الواقع وتتنافى كلية مع الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن والارتفاعات المتواصلة في الأسعار وقفزات الدين الخارجي وعجز الموازنة العامة.

التصريحات تتحدث عن تسابق الشركات العالمية الكبرى، خاصة الأميركية، نحو ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في مصر، وعن نجاحات برنامج الإصلاح الاقتصادي الباهرة والتي تشهد بها كبريات المؤسسات المالية العالمية وتتسابق دول العالم على الوصول إليها حسب الوزراء، وعن تحقيق معدلات نمو اقتصادي هي الأعلى بين دول المنطقة.

تصريحات تذكرنا بالتصريحات الرسمية التي تم إطلاقها بكثافة عقب انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في شهر مارس 2015 وأكدت نجاح الحكومة، خلال ثلاثة أيام هي موعد انعقاد المؤتمر، في جذب استثمارات أجنبية تتجاوز قيمتها 182 مليار دولار ما بين استثمارات مباشرة وصفقات ومذكرات تفاهم، ويمر الوقت ولا تجذب الحكومة حتى 10% من هذا المبلغ طوال 3 سنوات كاملة.

سحر نصر

قبل أيام، خرجت علينا سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي بتصريح لافت قالت فيه إن الاستثمارات الأميركية تتدفق على مصر بعد زيارة السيسي العاصمة الأميركية واشنطن، وإن شركات أميركية أكدت رغبتها في ضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، بعد لقائها الأخير مع الرئيس، وأن هذه الشركات أشادت بالخطوات التي اتخذتها مصر لتحسين بيئة الأعمال خلال الفترة الماضية.


واللافت أن سحر نصر تتحدث عن تدافع الشركات الأميركية الكبرى نحو الاستثمار في مصر بعد زيارة السيسي، وكأن قرار هذه الشركات يخضع لإملاءات سياسية، وليس إلى معايير اقتصادية واستثمارية وربحية بحتة.

وهنا تتجاهل الوزيرة أن قرار الشركة الاستثماري، أي شركة، في حال اتخاذه، قد يستغرق سنوات من دراسات الجدوى الفنية والمالية، وحساب تكلفة المشروع، ودراسة الفرص الاستثمارية المتاحة، وقوانين الدولة، ومعدلات التضخم والنمو، وكلفة الاقتراض، ومستوى الفساد والبيروقراطية، وإجراءات التراخيص، وتنظيم العلاقة مع الجهات الحكومية وغيرها.

نبيلة مكرم عبد الشهيد

قبل أيام تخرج نبيلة مكرم عبد الشهيد، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بتصريح قالت فيه إن "تحويلات المصريين العاملين بالخارج في العام الماضي 2018 بلغت 29 مليار دولار بزيادة 17% عن العام 2017، وإن هذه الزيادة هي تأكيد الثقة من قبل المغتربين في القيادة السياسية، كما تعكس ثقة المواطنين في هذه القيادة وأهمية الإجراءات الاقتصادية وتحرير سعر الصرف، كما تظهر أهمية المصريين في الدول العاملين بها، وأيضًا إيمانهم بوطنهم الأم الذي يتأكد يومًا بعد يوم".

واللافت أنه لم يخرج علينا أحد من البرلمان أو غيره ليحاسب الوزيرة على مدى دقة الأرقام التي أعلنتها والتي تزيد بقيمة 3.5 مليارات دولار عن الأرقام التي أعلنها البنك المركزي يوم 12 فبراير الماضي وأشارت إلى أن إجمالى تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفع خلال العام الماضي 2018 ‏لتسجل نحو 25.5 مليار دولار، مقابل نحو 24.7 مليار دولار خلال 2017، بزيادة تقدر بنحو 778.2 مليون دولار وبمعدل 3.1%.

محمد معيط

بعد أن بشر كثيرا بقرب قطف ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي، خرج علينا محمد معيط وزير المالية بتصريح يوم 13 إبريل الماضي قال فيه إن مصر أصبحت عنوانا رئيسيا على مستوى العالم، وإن مسؤولي كبرى الهيئات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان، يهنئون مصر على نجاح برنامجها الإصلاحي، وإن آثار هذا النجاح سيشعر بها المواطن تدريجيا.

بل إن الوزير أكد أن ارتفاع الاستثمار الأجنبي في مصر يعكس نجاح الإصلاح الاقتصادي، وإن المستثمرين أكدوا أن نجاح الإصلاح الاقتصادي أسهم في تزايد الطلبات على الاستثمار في البلاد من جميع أنحاء العالم بشكل أكبر، وإن الاقتصاد المصري أصبح يحظى بثقة كبيرة من قِبل مؤسسات التصنيف الائتماني والمستثمرين.


والملفت أن تصريح الوزير يأتي بعد أيام قليلة من البيانات التي أعلنها البنك المركزي وكشف فيها عن أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر هبط نحو 26 % في النصف الأول من السنة المالية 2018-2019 ليصل إلى 2.8 مليار دولار، رغم سعي الحكومة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

هؤلاء وزراء يبيعون الوهم للمواطن خاصة مع قرب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، ويتخيلون أنهم يخاطبون شعباً ساذجاً مغيباً خاضعاً لإعلام الرأي الواحد، وهذا غير صحيح، فالمواطن، حتى ولو كان بسيطا، يعرف كل شئ.

وحتى لو تم فرض قيود شديدة على وسائل الإعلام المحلية، وحتى ولو تم إسكات الصوت الآخر، فإن العالم بات منفتحا، وبات من الصعب إخفاء معلومة ولو كانت صغيرة طوال الوقت، لأن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي باتت ترصد "دبيب" النملة.

المساهمون