مكامن الفساد في "إمبراطورية سوناطراك" الجزائرية

مكامن الفساد في "إمبراطورية سوناطراك" الجزائرية

11 ابريل 2019
عبدالمؤمن ولد قدور رئيس "سوناطراك" الممنوع من السفر (Getty)
+ الخط -
تغلغلت التحقيقات الجزائرية في قضايا الفساد إلى مغارة إمبراطورية عملاق النفط والغاز "سوناطراك" التي مُنع كبار مسؤوليها من السفر، ضمن حملة مصاحبة لاحتجاجات الشارع الجزائري المطالبة بتغييرات جذرية ومحاسبة المسؤولين عن الإفقار في دولة من أثرى البلدان بموارد الطاقة.

نائب وزير الدفاع الجزائري رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قال، أمس الأربعاء، إن القضاء سيفتح من جديد ملفات فساد قديمة، منها قضية تتعلق بشركة الطاقة الوطنية "سوناطراك".

وجاء تصريحه هذا بعدما منعت السلطات في 3 إبريل/ نيسان الجاري، الرئيس التنفيذي لمجموعة "سوناطراك"، عبد المؤمن ولد قدور، من السفر حين كان ينوي التوجه إلى مدينة شنغهاي للمشاركة في مؤتمر دولي للدول المنتجة للغاز.

واسم ولد قدور، مدرج ضمن قائمة المسؤولين الممنوعين من السفر، للاشتباه بضلوعهم في قضايا فساد، وقد مُنع عملياً من مغادرة البلاد كإجراء احتياطي.

لكن، ما قصة اتهامات الفساد هذه؟
قبل أيام، تعرّض حاكم العاصمة الجزائرية، عبد القادر زوخ، ومدير شركة "سوناطراك" النفطية ولد قدور، خلال نشاط مشترك، لهتافات من الحراك الشعبي تتهمهما بـ"اللصوصية" و"التورّط في الفساد".

وتُعدّ قضية "سوناطراك" المرتبطة برشوة قيمتها 250 مليون دولار، من أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام الجزائري، إلى جانب القضية المتعلقة بالطريق السيار "شرق - غرب" التي أهدر فيها 11 مليار دولار، إضافة إلى قضية رجل الأعمال عبد المؤمن الخليفة التي كلفت خزينة الحكومة 5 مليارات دولار.


وفي 26 مارس/ آذار المنصرم، نفَت "سوناطراك" صحة الاتهامات التي وجهها مرشح للانتخابات الرئاسية إلى الشركة، وما أوردته تقارير إعلامية محلية، حول تصدير الغاز مجاناً إلى فرنسا مقابل دعم باريس نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.


نائب رئيس نشاطات التسويق في سوناطراك، أحمد الهاشمي مزيغي، قال إن "من غير الممكن تصدير الغاز أو أي مادة أخرى سائلة (محروقات) إلى فرنسا أو بلد آخر بالمجان"، مؤكداً أن هناك قواعد للتصدير ضمن عملية تتم مراقبتها.

وجاء النفي بعدما قال المرشح للانتخابات الرئاسية، رشيد نكاز، في حوار مع قناة "سي8" الفرنسية منتصف الشهر الفائت، إنه يمتلك "أدلة دامغة على تورّط بوتفليقة وشقيقه السعيد في منح غاز الجزائر لفرنسا بالمجان مقابل وقوفها في صفّهما".

وفي 17 مارس/ آذار الفائت أيضاً، أعلنت "سوناطراك" أن عمالاً في حقل حاسي الرمل، أكبر حقول الغاز في البلاد، نظّموا احتجاجاً من دون التأثير في عملية الإنتاج.

لكن من الواضح أن هذا التصريح كان هدفه التقليل من أهمية الحراك الذي وصل قبل يوم من ذلك إلى قطاع الطاقة، بعد أن نظم عمال إضراباً عن العمل في أحد المشروعات بحقل ضخم للغاز جنوب البلاد، ما دفع "سوناطراك" إلى إصدار بيان تنفي فيه توقف أو تذبذب إنتاج حقول النفط والغاز الكائنة في الجنوب.



ونظم عمال تابعون لإحدى الشركات المتعاقدة مع "سوناطراك"، وقفة احتجاجية، في "حقل الغاز3" بحاسي الرمل بمحافظة الأغواط (520 كيلومتراً جنوب العاصمة)، لمساندة الحراك الشعبي، في مؤشر على التحاق قطاعات اقتصادية حساسة بالاحتجاجات المطالبة برحيل بوتفليقة.

كما اتسعت الاحتجاجات في مناطق الغاز، لتشمل أيضا حاسي مسعود في محافظة ورقلة (900 كيلومتر جنوب العاصمة) أكبر مناطق الجزائر إنتاجا للغاز، حيث نفذ العمال وقفات احتجاجية رمزية داخل الحقول لمدة ساعة ونصف من الزمن.

وفي عام 2014، بدأت محكمة جزائرية البتّ في أكبر قضية فساد في قطاع النفط، تتعلق بصفقات أبرمتها شركة النفط الجزائرية "سوناطراك"، مع 4 شركات أجنبية، بينها شركة ألمانية وأخرى إيطالية، اتهمتها المحكمة بأنها حصلت على صفقات غير قانونية في الجزائر، سميت بقضية "سوناطراك1".


وتورّط في القضية 19 متهماً بينهم كبار المسؤولين في "سوناطراك"، وأبرزهم المدير العام السابق للشركة، محمد مزيان، و2 من أبنائه فضلا عن 16 متهماً آخرين، من بينهم 8 مديرين تنفيذيين على رأسهم المدير المكلف النقلَ عبر الأنابيب ومدير النشاطات القبلية. وضّمت لائحة المتهمين مسؤولي 4 شركات أجنبية هي "سايبام" و"مجمع فونكوراك" و"شركة كونتال" وشركة "فونكوراك بليتاك" الألمانية.

وفي مارس/آذار 2014، تفجّرت قضية ثانية تتعلق بـ"سوناطراك"، تورط فيها وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، الموجود في واشنطن حينها، ونجلاه وزوجته ونجل شقيق وزير الخارجية الأسبق، محمد بجاوي، وأصدرت السلطات الجزائرية طلبات جلب دولية في حق 9 متهمين في القضية.

ودلت التحقيقات في القضية على وجود شبكة دولية كبيرة للفساد، تشمل مسؤولين جزائريين في قطاع الطاقة ومسؤولين في شركة "سوناطراك" كانت تتلقى رشى وعمولات من شركات أجنبية تنشط في الجزائر، مقابل الحصول على صفقات مع "سوناطراك".

وتوصلت التحقيقات إلى وجود حسابات مصرفية في سنغافورة والإمارات وسويسرا وفرنسا وإيطاليا وهونغ كونغ والولايات المتحدة الأميركية للمتهمين، وتم العمل على استرجاع هذه الأموال إلى الجزائر.

وتُعد "سوناطراك" قلب الاقتصاد الجزائري أو بالأحرى "اقتصاد الجزائر بأكمله"، إذ تمثل صادراتها النفطية 96% من صادرات الجزائر و60% من أموال الخزينة العمومية وتمثل عائداتها ثلث الناتج المحلي الإجمالي.


وقد أُسّست "الشركة الوطنية لنقل وتسويق المحروقات" المعروفة اختصاراً باسم "سوناطراك" نهاية عام 1963، تجسيداً لرغبة السلطات في السيطرة على الثروة النفطية للبلد المستقل قبل سنة، أي 1962.

وفي مسعى لإثبات وجودها، أطلقت الشركة الناشئة عام 1964 مشروع أنبوبها النفطي الأول بمسافة 800 كيلومتر، والذي ربط بين مدينتي "أرزيو" (غرب العاصمة) و"هود الحمرا" بمدينة حاسي مسعود (جنوب شرقي العاصمة).

وتعززت مكانة "سوناطراك" في النسيج الاقتصادي الوطني بتأميم الحكومة الجزائرية لقطاع النفط في فبراير/ شباط 1971. فمع التأميم، وجدت الشركة نفسها أمام تحدي توسيعِ أنشطتها بسرعة لتشملَ كافة المنشآت النفطية على التراب الجزائري.

ويبلغ عدد عمال "سوناطراك" نحو 49 ألف عامل، 60% منهم يعملون في الجنوب، كما يقدر رقم أعمالها بقرابة 90 مليار دولار سنة 2016 وبطاقة إنتاج تقدر بـ232.3 مليون طن مكافئ للنفط، ما سمح لها بأن تكون في المرتبة 12 عالمياً، والأولى أفريقياً وفي البحر الأبيض المتوسط، ورابع مصدر للغاز الطبيعي السائل وثالث مصدر للغاز النفطي السائل وخامس مصدر للغاز الطبيعي عالمياً.

وتحوز الشركة أسطولاً بحرياً يسمح لها بتصدير النفط والغاز لزبائنها، يتكون من 4 سفن لنقل النفط، أولاها "الرار" وناقل للغاز النفطي السائل، والناقلتان "رقان" و"جانت" وآخر السفن التي اقتنتها "سوناطراك" هي سفينة "المصدر".

وقد حققت الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات (سوناطراك) رقم أعمالٍ في التصدير، خلال عام 2017، يفوق 33 مليار دولار مقابل أكثر من 27 مليار دولار سنة 2016.